كبار السن هم زينة مجتمعنا، ووقار أسرنا، وفخر بيوتنا، اكتساهم جلباب الوقار، وتجاوزهم العيب والعار؛ فلا نجعل جزاءهم جزاء سنمار!! هكذا أوصانا الصادق المختار: «ليس منا من لم يوقر كبيرنا»، وفي رواية «يحترم كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه»!!. والشباب والشيب والهرم والشيخوخة لها حدود وضوابط يعرف بها، فكل بحسب حيويته ونشاطه وبنيته وتكوينه ورياضته وبرنامج غذائه و.. إلخ. فهؤلاء الكبار يحتاجون إلى أساليب معينة في التعامل معهم، ومن أهم التعامل (آلية وطريقة الحديث معهم)؛ لأنها أبلغ وسائل الاتصال بهم؛ فأنا ألاحظ كثيراً من الناس لا يُتقن فن التحدث مع كبار السن، ولنقل جدلاً إن الكبار هم من تجاوزوا السبعين على حد قول الحكيم: وابن سبعين لا تسلني عنه فابن سبعين ما عليه كلام فإذا زاد بعد ذلك عشرا بلغ الغاية التي لا ترام!! والشارع الحكيم قد حدد الشيخوخة بقوله: {ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا}، قالوا هو من جاوز ال(40) سنة. وحيث إن الكبار مع تقدم السن يقل سمعهم، ويضعف استدراكهم لسرعة مجريات الحديث معهم؛ فهم يحتاجون إلى ضوابط عدة للمتحدث معهمن منها: 1- أن يكون الحديث معهم واضحاً وصريحاً معرباً، أما الإدغام بغنة فلا يفهمونه! 2- أن تكون الجُمَل مفردة غير متداخلة؛ لأن الاستيعاب وسرعة الانتقال من فكرة إلى أخرى تحتاج إلى وقت يلتقط الكبير فيه أنفاسه من المحور الأول للثاني، وهكذا.. 3- أن يرفع المتحدث صوته؛ لأنه كلما تقدم العمر ثقل السمع كما قال الناظم: إن الثمانين وان بلغتها قد احوجت سمعي إلى ترجمان!! لذا تجدهم يقولون أثناء الحديث معهم (هاه)، (وش تقول)، (وشو يقول)!!؟ 4- يجدر بالمتحدث معهم ألا يُكثر من ذكر أقرانهم الذين قضوا نحبهم، وإن كان صلى الله عليه وسلم يقول: «أكثروا من ذكر هادم اللذات»! إلا أن هذا على العموم وعند الغفلة عن الآخرة، والهيام في الدنيا، أما إذا كان يقلب مواجعهم، وينكئ جراحهم فالذي يظهر لي أنك إذا بعثت فيهم الأمل وطول العمر على العمل الصالح فحسن!! إذا ذهب القرن الذي أنت منهم وخُلِّفت في قرن فأنت غريب!! فهم يعيشون حيث يتذكرون أقرانهم كالغرباء، فلا تزيد الطين بلة.. والداء علة!! وعلى ذكر (طول العمر) يقول العلماء: «لا يجوز أن يفدى بالعمر أو بالأب أو بالأم إلا النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهو الذي يجوز أن تفديه بأمك وأبيك فقط؛ لأنه أب روحي، وأبوك زوج أمك أب نسبي، والروح أغلى من الجسد!! فلا تقل لأحد فداك أبي وأمي؛ لذا يغلط البعض حين يقولون: «يفداك الأش» كما ذكرنا.. قال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ}.. (وهو أب لهم) في قراءة مشهورة. 5- يجدر بالمتحدث معهم أن يرفع صوته عن المعتاد، لكن دون فُحْش وازدراء أو زجر ونهر.. وعلامات الكِبَر مجموعة في هذه الأبيات، فمن انطبقت عليه فهو كذلك: دعني أنبئك بآيات الكِبَر نوم العشاء وسعال السَّحَر وقلة النوم إذا الليل ابتكر وقلة الطعم إذا الزاد حضر وسرعة الطرف وتجميع النظر وترك الحسنا فيما بعد الطُّهر!! 6- ألا تقاطعهم في حديثهم، وتقطع عليهم حبل أفكارهم. 7- أن يكون الحديث معهم من مسافة قريبة. 8- أن تتعجب مما ذكروه على وجه الغرابة والإعجاب!! 9- أن يحذر المتحدث من وجود أصوات متداخلة. 10- أن تظهر الأنس بحديثهم ما وسعك حلمك إلى ذلك سبيلاً!! 11- حبذا رؤية المسن لوجه المتحدث ليقرأ ما في الشفاه، وعدم تغطية الفم. 12- وإذا حدثتهم في الجوال فلا تتحدث معهم بالمكبر أو سماعة الأذن بل تحدث إليهم مباشرة، وهذا أقل حقوقهم وإلا فلنتحدث معهم بالهاتف الثابت. 13- إذا تحدثت مع الكبار أياً كانوا فلا يحملك احترامهم وتقديرهم على مجاملتهم والتصنع لهم على حساب الحق؛ فالحق أحق أن يتبع، وكما أنهم كبار فلا كبير أمام الله.. ومن أعظم إجلالهم واحترامهم أن تنكر عليهم أخطاءهم بكل أدب وإجلال واحترام. 14- جميل جداً استخدام لغة البدن معهم: قسمات الوجه واليدين و.. لتشارك في إيصال الرسالة إليهم. 15- يجدر بالمتحدث أن يقصر الجُمَل ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. 16- عدم تغيير موضوع الكلام بشكل مفاجئ؛ فلا بد من تهيئته. 17- يحتاج بعضهم إلى لمس يده مثلاً لتضغط عليها عند إيصالك له كلمة مهمة. وفي الختام، إن الشيب الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم؛ فعاملوهم كما تحبون أن يعاملكم الناس!! وفي الحديث: «إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الجارفي فيه، وذي السلطان المقسط». ويكفينا في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق».. هذا في عموم التحدث مع كبار السن على العموم، أما إن كانوا من الأقارب فيتحول الأمر إلى الوجوب؛ كونه صلة قربى، وإحساناً، وبِرًّا {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ}.. والسلام عليكم.