كثيرة هي المراحل التي يمر بها الإنسان في حياته، من بدايتها إلى نهايتها، لكن بعد رحلة كفاح طويلة في الحياة، وتكوين الأسرة والإشراف عليها وزواج الأبناء، يجد الإنسان نفسه أمام مرحلة سن التقاعد، وحياة ما بعد سن التقاعد. نرى أن هذه الفترة من حياة الإنسان قد تمتد لعشرات السنين ولذلك أثره في حياة الفرد ومن حوله من معارف وأصدقاء وأهل.. قال صلى الله عليه وسلم «خيركم من طال عمره وحسن عمله.. وشركم من طال عمره وساء عمله». لذلك يجب علينا أن نتعرف على هذا الشخص عندما يصل إلى سن التقاعد. يملك بعد سن التقاعد نضوجا علميا وغزارة وثراء فكريا، حيث إن أكابر العلماء خير إنتاجهم الفكري في هذه المرحلة (ما بعد الستين) ويكون لدى المسن أيضاً ثراء شخصي بالخبرة الذاتية مع الآخرين حيث يفهم الحياة فهماً واقعياً ويدرك الحياة بعيداً عن الخيال وبواقعية عملية. عليه أن يسأل نفسه كم هي التجارب التي مرت به في حياته، كم عدد الأشخاص الذين قابلهم في حياته، عليه أن يسأل نفسه لماذا لا يخبر الشباب الصاعد عن تجاربه، ومواقف من حياته، ربما لا يعرفها الكثيرون، يمكن أن تنير الطريق أمام الجيل اليافع. نجد أن كبر السن يصاحبه ارتفاع في المكانة ويعامل المسن بالتبجيل والاحترام والتوقير.. لقد سبق الإسلام بوضع الاجراءات الوقائية من مشكلات الشيخوخة وأولاها اهتمامه. قال الرسول صلى الله عليه وسلم «اغتنم خمساً قبل خمس حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك. كما أوجب الإسلام على الأولاد بر الوالدين والإحسان إليهم ورسخه في نفوس الأمة. «يوقر كبيرنا» (رواه الترمذي). يسأل الإنسان نفسه هل يستطيع أن يحيا حياة سعيدة بعد الستين خالية من المشاكل التي عاني منها سابقا طوال حياته ولم يجد لها حلا، بالتأكيد الإجابة ستكون بنعم لأنه كان لا يمتلك وقته وكان وقته هو من يملكه ويتحكم فيه أما الآن فهو من يملك الوقت وهذه ميزة كبيرة، أن يملك الإنسان وقته، ويخططه، بحيث يحاول أن يستفيد منه بالشكل الذي لم يكن يقدر على أن ينفذه في السابق لانشغاله. لو عرف كل موظف أن الوظيفة قطار لا بد أن يتوقف يوماً ما في محطة التقاعد، لما تملكه اليأس والإحباط عند التقاعد، فالحياة لها نوافذ كثيرة اخرى يمكن ان يراها اي شخص بعد مرحلة التقاعد. إن وقت الفراغ الذي هو أفضل نعمة للإنسان، فيستطيع الموظف بعد أن يكمل خدمته لوطنه ويتم إحالته للتقاعد أن يعيد تنظيم أوقاته ويبحث عن أشياء مفيدة لممارستها ليكمل رسالته في الحياة، يستطيع مثلا أن يتعلم مجالا جديدا من مجالات العلوم، ويستطيع أن يشارك في الخدمات الاجتماعية، حيث يجب البحث عن مجالات للعمل والإنتاج، مثل استغلال مكافأة نهاية الخدمة في عمل مشروع جديد، أو القيام بزيارات متكررة للأهل والأقارب، أو القراءة في مجالات جديدة لتوسيع الفكر، ومتابعة الأحداث العامة. يخاطب أحد خبراء سلوكيات المتقاعدين قائلا: «آن لك أن تكافئ نفسك، وتستمتع بحياتك، آن لك أن تلتفت إلى الجمال من حولك بعد أن صرفتك عنه مشاغل الحياة! ثقْ بنفسك، وأعد تقديرك لذاتك، وابحث عن هدف يكسر روتين حياتك، ويشعل الهمة في ذاتك؛ فمن صعد الجبل حتى القمة، فإنه لا محالة سينزل مرة أخرى، ما لم يحدد قمة أخرى يسعى جاهداً للوصول إليها». ويضيف استمتع بحياتك؛ فلكل عمر جماله، واعلم بأن الإحساس بالشيخوخة حالة ذهنية، قد تصيب الكبير أو الصغير؛ فهي شعور داخلي كالشعور بالثقة أو الشجاعة. او الخوف من المجهول.. اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا أبداً ما أبقيتنا، اللهم اجعلنا ممن طال عمره وحسن عمله. * خبير الشؤون الإعلامية والعلاقات العامة