(الإحرام، التلبية، ماء زمزم، الطواف حول البيت، السعي بين الصفا والمروة، رمي الجمرات، الوقوف بعرفة، النحر، الحلق والتقصير) لو تأملنا هذه المناسك لوجدنا أن فيها أبعادا اجتماعية أكثرها كانت بدايتها بقصة عائلية، وهذا يعطينا مؤشرا للاهتمام بالأسرة وارتباط العبادات وأركان الإسلام بأهمية البعد الاجتماعي والاستقرار الأسري. فماء زمزم قصته بدأت من أمر الله - تعالى - لسيدنا ابراهيم عليه السلام بأن يترك زوجته وولده ويسافر ليكمل نشر رسالته، ولهذا سألته زوجته (هاجر) عندما أخبرها بأنه سيتركها وولدها في واد غير ذي زرع، فقالت: آلله أمرك بهذا؟ فأجابها: نعم، فردت عليه: إذا اذهب لن يضعنا الله، فكان إيمانها وتوكلها على الله هو الذي أنقذها من العطش والجوع والموت حتى أخرج الله لها ماء من بين قدمي طفلها الصغير. فقصة عائلية كانت وراء هذا الحدث التاريخي العظيم بخروج ماء زمزم للبشرية، وظل ماء زمزم إلى اليوم علامة واضحة ودليلا على أهمية التوكل على الله وحسن الظن فيه وعلى بركة طاعة الزوج فيما أمر الله تعالى. أما السعى بين الصفا والمروة فكان الدافع له البحث عن الماء من أجل الطفل فصار نسكا للبشرية كلها، وكل من يذهب إلى الحج من الرجال والنساء يقتدي بأمنا (هاجر) ويسعى كما كانت تسعى عندما كانت تجري بحثا عن الماء، فيسعى الحاج وهو يستشعر أنه لا يوجد شيء مستحيل على الله تعالى فيزداد إيمانه وتوكله على الله - تعالى - أن يخلصه من همومه ويخرجه من مشاكله كما يسر لأمنا (هاجر) أمرها وحقق لها أمنيتها. وبالمناسبة أذكر أنني مرة انتقد رجل أمامي المسلمين بأنهم يظلمون المرأة، فقلت له: إن ما تقوله صحيح في واقعنا، لكن في ديننا لا يوجد ظلم للمرأة، بل إن الله أمر الرجال والنساء بأن يقتدوا بفعل امرأة وهي أمنا (هاجر)، فاستغرب من جوابي وسكت. أما بناء البيت فكذلك أساسه قصة عائلية، فقد طلب سيدنا ابراهيم عليه السلام من ابنه اسماعيل أن يساعده في رفع القواعد للبيت وبنائه، وهو تعاون عائلي بين الأب وابنه من أجل بناء بيت الله - تعالى - كما قال تعالى: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم). فهذه ثلاثة مواقع ونسك في الحج بدايتها قصة عائلية وهي الطواف بالبيت وشرب ماء زمزم والسعي بين الصفا والمروة، فإذا أضفنا عليها سبب تسمية جبل عرفة كما قيل: إنه سمي عرفة لتعارف آدم مع حواء وهو أحد الأقوال لو صح هذا الرأي، فيصبح عندنا أربع قصص عائلية في مناسك الحج، وهذا كله يدلنا على أهمية الأسرة في التعاون على طاعة الله - تعالى - بعبادته، وكأن هذه القصص في شعائر الحج رسالة من الله - تعالى - بأهمية الأسرة واستقرارها وتعاونها. وفي باقي أعمال الحج تقويم للسلوك وتطهير للنفس، ففي الإحرام يتعلم المسلم إعلان الهوية بوضوح، والإحرام هو أنه يحرم على الحاج بعض المباحات مثل الطيب والجماع وقتل الصيد وغيرها حتى يتفرغ للعبادة وهذه تقوى الإرادة عنده وتعلمه الجندية وضبط النفس. والنية ثلاثة أنواع: (تمتع وإفراد وقران) يختار واحدة ويتعلم المسلم من هذا التنوع تقبل الآخر حتى لو اختلف معه، وكذلك الاختيار بين الحلق والتقصير ففيه عدم حجر الدين أو العبادة على رأي واحد أو طريقة واحدة وإنما في الشريعة مرونة ويسر. ففي الحج فوائد اجتماعية وسلوكية وتربوية عظيمة، فالحج سفر إلى الله - تعالى - بالروح وسفر إلى مكةالمكرمة بالجسد، فكأن الحج فيه رحلتان، الأولى: أرضية، والثانية: سماوية، ولو تأمل الواحد منا مناسكه لوجد فيها لفتات تربوية وعائلية كثيرة، بل حتى وصف النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) ثواب الحاج فيه وصف عائلي كما قال: (من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) فانظر إلى التعبير (كيوم ولدته أمه) فيه إشارة للارتباط العائلي كذلك.