جزاء سنمار.. من الأمثلة العربية الشهيرة، والتي ما زالت تستعمل حتى اليوم، فقد ذُكر في السير أن النعمان بن امرؤ القيس ملك الحيرة أراد أن يبني قصرا ليس كمثله قصر، ووقع اختياره على «سنمَّار» لتصميم وبناء القصر وكان الرجل مبدعا، فبنى القصر غاية في الإبداع استغرق البناء مدة طويلة. وبعد معاينة النعمان للقصرالأعجوبة، أمر النعمان رجاله بإلقاء سنمَّار من أعلى القصر حتى لا يبني لغيره قصرا مثله أو أجمل، فأصبحت هذه القصة مثلا للناكر للجميل. والغرض من ذكري لهذا المثل التشبيه بينه وبين قصص العقوق، حيث لا يختلف كثيرا جزاء سنمَّار وجزاء الوالدين اللذين يبنيان إنسانا خاصة الأم ويعقهما، الاختلاف فقط في مواد البناء، سنمَّار بنى بمواد بناء معروفة، والوالدان بنيا ذلك الإنسان بالدم والعرق والصحة، حتى ضعف البصر، وخارت القوى، وفُنيَ الشباب وضاعت زهرة العمر فكان الجزاء جزاء سنمَّار. سنمار أُلقي به من أعلى القصر، والوالدان تخلى عنهما أبناؤهما العاقون في دار المسنين أو أحد المستشفيات بعنوان وهمي ورقم هاتف لشريحة وهمية. مع احترامي لكل مجهود بُذل لرعاية المسنين في الدور إلاّ أنها لا تستطيع تقديم الحب الذي يراه الآباء والأمهات في عيون أبنائهم والراحة النفسية التي يحسون بها وهم بجوار الأبناء والأحفاد والأقارب والأصدقاء، يشاركونهم أفراحهم وآلامهم، هذا الشعور لا يقدر بثمن، حيث تزداد حاجتهم لهذا الجو عندما تتقدم بهم السن أكثر. إحساس كبار السن بأنهم منبوذون وغير مرغوب فيهم، إحساس بشع لا يشعر به إلاّ أمثالهم، والتهميش ينتج الشعور بالغربة وحب العزلة وهو علميا ما يسمى «بالاغتراب» «شعور الشخص بأن ثمة عائقا نفسيا يفصله عن الآخرين» في الوقت الذي هم في حاجة لدفء الأسرة. ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيما﴾ حقوق الوالديْن والأم خاصة تشتد ويعظم أجرهما إذا بلغا من الكبر عتيا.. قال تعالى: «إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَر» «عندك» ولم يقل في دار المسنين، فالأمر برعاية الوالديْن في بيوت الأبناء أوضحه الإسلام في نظام التضامن الاجتماعي، فكل أسرة من واجبها التضامن والتكافل فيما بين أفرادها، فكيف بالآباء والأمهات المتقدمين في السن العاجزين، الذين أمرنا الله بالإحسان إليهم ورعايتهم؟!! هذه هي الرحم التي مَنْ وصلها وصله الله، ومَنْ قطعها قطعه الله، كل الأرحام، وفي مقدمتهم الأمهات والآباء، الباب الذي يُفتح على مصراعيه لدخول الجنة، وعقوقهم من أكبر الكبائر فمجرد التأفف يغضب الرب فما بالك بمَنْ يحمل والديه للدار أو المستشفى ويختفي؟!! آباء وأمهات عيونهم ممتلئة بالدموع تطعنهم في الظهر خيانة أبنائهم!! كل الذنوب يؤخر الله ما شاء منها إلى يوم القيامة، إلاّ عقوق الوالدين فإن الله يُعَجِّله لصاحبه في الحياة قبل الممات. سبب وجود هذه المشكلة سيطرة نمط الحياة المادية، وانهيار نموذج بيت العائلة حيث ساهما في وجود النزعة الأنانية التي جعلت كل شخص لا يفكر إلاّ في نفسه. من الأسباب أيضا اختلاط الثقافات وتأثر بعض الأبناء بحياة الغرب، وأسرهم المفككة فالاجتماع بالأهل لا يكون إلاّ في المناسبات فالتربية القاصرة من أهم العوامل الأساسية للعقوق، والقسوة وجفاف العواطف وعدم الحوار، والتقصير في تعليمهم دروس الحب والإيثار والتكافل الاجتماعي. سلوك الأبناء وليد تربية الآباء، في الحديث الشريف «رحم الله والدا أعان ولده على بره» ربنا سبحانه وتعالى أمر الأبناء بالبر بالآباء وينتظر من الآباء أن يكونوا قدوة حسنة لهم، خاصة في بر الوالدين، حتى لا يُجازون بجَزَاءَ سنمَّار.