العنف الذي أريد له أن يضرب العراق يبدو أنه أصبح خطراً ليس على مستقبل العملية السياسية وحسب بل بات يهدد وجود العراق كدولة موحدة. نائب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، يرى أن «نظاماً فيدرالياً فعالاً» يمكن أن يحقق الأمن والاستقرار في العراق بعد الانقسام الطائفي الذي يتعمق إضافة إلى غياب الثقة بين السياسيين، ويعيد هذا الطرح الحديث عن الدور الأمريكي. العراق في وضعه الحالي لا يمكن النظر إلى مشكلاته بعيداً عن الدور والوجود الإيراني والأمريكي في العراق، ولا يمكن فصله عما يجري في سوريا، وما يجري اليوم هو نتاج العملية السياسية التي قادتها واشنطن وإيران منذ أكثر من 10 سنوات في العراق، وبحسب الإدارة الأمريكية ذاتها فإن المليشيات وُجِدَت بدعم من النظام الإيراني والسوري بعد دخول القوات الأمريكية إلى العراق. وما لدى تنظيم داعش اليوم من أسلحة وعتاد كله أمريكي تخلت عنه قوات المالكي الذي نصبته واشنطن رغم إرادة العراقيين حاكماً مطلقاً في بغداد. بايدن لا يأتي بجديد حين يطرح نظاماً فيدرالياً للعراق؛ فهو يؤيد منذ فترة طويلة خطة لتقسيم العراق إلى 3 مناطق تتمتع بحكم ذاتي للشيعة والسنة والأكراد. ورغم أن بايدن يقول إن خطة من هذا النوع «ستؤمن تقاسماً عادلاً للعائدات بين كل الأقاليم» إلا أنه يجد البديل عن جيش وطني لكل العراق بتأسيس ما يسميه بحرس وطني لحماية السكان في المدن، وهذا يشكل تماماً الاعتراف بدور المليشيات وتحويلها إلى ما يشبه الشرطة. لكن اللافت في رأي بايدن أنه يريد أن يوظف هذا «الحرس الوطني» (المليشيات الطائفية) في منع تمدد «داعش»، فبدلاً من أن تحارب مؤسسات الدولة هذا التنظيم تكلف المليشيات بمواجهة بعضها، ما يسهم في القضاء على ما تبقى من الدولة. أمريكا بعدما فشلت في تقديم النموذج الديمقراطي على الطريقة الغربية في العراق وأقامت نظام الأقليات بأجهزة دولة وجيش وقوى أمنية على أسس طائفية، تريد تقسيم هذه الدولة إلى دويلات بذريعة الفيدرالية وإعطاء الشرعية لعناصر مليشيات القتل ليكونوا حرساً يواجهون بعضهم بعضاً في دفاعهم عن مدنهم وبلداتهم وقراهم في غياب لجيش وطني لكل العراقيين يحفظ سيادة البلد.