سؤال يحتاج إلى إجابة، لا يحتاج إلى اصطفاف أعمى، لجمهور طائفي يعبأ دون وعي أو معرفة، فقط لمجرد الاستنفار، فمهمة الإعلاء من الصراع الطائفي السني والشيعي في العراق واحدة من أبرز الأهداف لوجود داعش، ونوري المالكي تناسى قيم الدولة، وتجاوز عن الجيش العراقي وعاد إلى خيار الميليشيات المسلحة، علما بأن داعش لا تفرق كثيرا عن الصحوات وعن عصائب أهل الحق وعن حزب الله والتمرد الحوثي، جميع هذه التنظيمات هي صنيعة خارجية، لهدف واحد وهو التطاول على الدولة ومصادرة المستقبل، في سنوات التحرر الوطني كان الدين والمسجد ساحة للتعبئة الوطنية وطريقا لطرد الاستعمار، وكان رجال الدين المشايخ والمراجع يعملون لأجل استقلال بلادهم، والصورة الواضحة لهذا التعاون ظهرت في الجزائر وبلاد المغرب العربي، كيف تعاون العرب جميعا لطرد الاحتلال الفرنسي؟، وكيف تعاون السنة والشيعة لطرد الاحتلال الإنجليزي في العراق؟، وكيف رفض المراجع الشيعة فصل الموصل عن العراق؟، ورفضوا حاكما غير عراقي لبلدهم. من يقف خلف داعش اليوم، ليس السنة، ومن يدعمون داعش ليست العشائر العراقية العربية، وإنما مهمة داعش هي المساهمة في استكمال حلقات التفتيت والفوضى الخلاقة، في زيادة وتأجيج الصراع الطائفي في العراق، في الردة على قيم الدولة المدنية، في مصادرة احتجاجات المجتمع العراقي على سياسات نوري المالكي الطائفية، الملفت للانتباه، وفي الوقت الذي تؤسس فيه داعش خلافتها الإسلامية، تتكشف العديد من الحقائق، وأبرز هذه الحقائق هي أن الاستخبارات الأمريكية قرعت جرس الإنذار في العراق، مؤكدة هذه المرة بأن ثورة سنية شيعية ستطيح بالعملية السياسية في العراق، وتعيد الاعتبار للدولة الوطنية فيه، هذه الثورة بالطبع ضد المشروع الأمريكي في العراق القائم على المحاصصة الطائفية، وضعف الدولة المركزية، ووضوح علامات التقسيم للعراق، دولة كردية وسنية وشيعية، والعراق الضعيف هو جزء رئيس من التفكير الإستراتيجي الإيراني والتركي، فطهران ترغب بشيعة موالين لها، ومعتمدين عليها وكذلك أنقرة، ولعل أحد التقارير تؤكد أن اجتماعا عقد في اسطنبول على هامش مؤتمر الطاقة عام 2013، جمع تركيا وأمريكا وإيران، ناقش التداعيات المتوقعة للحراك السني الشيعي في العراق، وأجمع المجتمعون على ضرورة مصادرة هذه الثورة، وفي اغسطس 2013، كلفت داعش بالتنسيق الإقليمي للسيطرة على المنشأت النفطية في سوريا، وفي مايو الماضي كلفت بالسيطرة على المناطق السنية في العراق باتفاق سري مع إيرانوتركيا وحكومة نوري المالكي، ما يجري في العراق ثورة وطنية شاملة نواتها العشائر العربية والقوى الوطنية سنتها وشيعتها، وما داعش إلا أداة لوصم هذا الحراك بالإرهاب، ولعل داعش اليوم لا تحارب قوات نوري المالكي، قدر قيامها وبتوجيهات خارجية لاصطياد الزعامات العسكرية والعشائرية ورموز البعث السابق. علينا ألا نكون نمطيين جدا في قراءة الأحداث، فلا الشيعة العرب في جنوبالعراق كلهم طائفيون، ولا كلهم في الجيب الإيراني، ولا غالبيتهم يؤمنون بولاية الفقيه، وما يقوم به آية الله الصرخي إلا مثال للعروبة والوطنية الصادقة، وعليكم أن تدققوا كثيرا في كيفية التعامل السلبي مع اتباعه، وإذا ناصر البعض داعش للوهلة الأولى، فإن هؤلاء لا يعرفون الحقائق، لا بل يجهلونها، ويعتقدون أن داعش إسلامية، وأنها تهدف إلى تحرير السنة، وقد ناصرها البعض رغبة في إحراج حكومة نوري المالكي، وظنا منه بأنها ستكون شوكة دامية في حلق النفوذ الإيراني في العراق. اليوم تتكشف الأوراق بأن أهل وعشائر العراق مع دولة وطنية موحدة، وجامعة لهم على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم وقومياتهم، دولة لها سلطانها على الجميع تمتلك مشروعية استخدام القوة وحدها، لا مجال فيها لتنظيمات وفرق موت مسلحة، لا مجال فيها للإقصاء والتهميش، هذا هو الرد الوطني الحقيقي على داعش وغيرها من قوى الهدم التي تخدم مشروع الفوضى الخلاقة في المنطقة، وعلى شرفاء العراق أن يؤمنوا بحقيقة ثابتة تفيد بأن أمنهم واستقرارهم وعزتهم ومستقبلهم مرتبط دائما بوحدتهم وتعاونهم أولا وأخيرا.