يتبنى الكثير من الاقتصاديين المحليين في الآونة الأخيرة مسألة تحذير المواطنين الراغبين بتملك منازل من اللجوء إلى القرض العقاري، مستندين بذلك إلى النزول الهائل الذي يتوقعونه جرّاء تطبيق نظام الرسوم على الأراضي البيضاء. سبّب هذا التحليل الاقتصادي عزوف الكثيرين من طالبي الإسكان القادرين على التملك عن طريق قرض عقاري، متمسكين بوعود هؤلاء الاقتصاديين الذين يراهنون على انهيار أسعار العقارات بنسبة لن تقل عن 50%، والذين تناسوا الكثير من النقاط المهمة المحددة لأسعار الوحدات العقارية إضافةً لقوى العرض والطلب. ينبغي على طالب السكن أن يكون على دراية بأن الإشكالية لا تكمن بشح الأراضي، بل بشح الوحدات السكنية المعروضة من فلل أو شقق، مقابل الطلب الهائل عليها. لذلك، حين سيتم تطبيق الرسوم على الأراضي البيضاء، سيتجه الكثير من المطورين إلى شراء الأراضي المنخفضة السعر (بافتراض فعالية اللائحة التنفيذية التي سيتم تطبيقها خلال الأشهر القادمة)، لبناء عدد أكبر من الوحدات السكنية، محاولة منهم لتغطية جانب الطلب على الإسكان من المواطنين. سيؤدي هذا الإجراء إلى نشوء طلب مفاجئ وغيرعادي على السلع الأولية للبناء (كالاسمنت والحديد والدهانات، وغيرها...)، مما سينتج عنه ارتفاع في أسعار هذه السلع، لكي تفي باحتياجات جانب الطلب عليها. وما سيزيد الطين بلّة، أن بعض هذه السلع (كالاسمنت مثلاً) ستكون أكثر حساسية للارتفاع، وذلك نظراً لرفع وزارة التجارة حظر الاستيراد عنها، ما سيؤدي إلى عدم قدرة الشركات المصنّعة لهذه المواد على تغطية الطلب المحلي المتزايد، والذي سيؤدي بدوره إلى ارتفاع غير منطقي بأسعار سلع البناء والتشييد على السوق المحلي. سينتج عن ارتفاع أسعار مواد التشييد والبناء، ارتفاع أسعار الوحدات العقارية، ما يعني ان الانخفاض الناتج عن فرض رسوم الأراضي البيضاء، سيتقلص كردة فعل لأسعار مواد البناء المرتفعة. سيجعل هذا السيناريو أولئك الذين كانوا ينتظرون نزول أسعار الوحدات العقارية محبطين نتيجة ان أسعار المساكن لم تنخفض للمستوى المأمول، بل وأن انتظارهم كغيرهم من المنتظرين سيخلق حالة من الطلب المفاجئ على المساكن بعد تطبيق الرسوم، مما سيخلق سبباً آخر للارتفاع، ما سينتج عنه تقلص آخر بين انخفاض أسعار الأراضي وأسعار الوحدات العقارية المتضخمة جرّاء ارتفاع المواد الأساسية وحالة الطلب المفاجئة. وفي شقٍّ آخر، فإن القادرين على التملك من خلال قرضٍ عقاري، سيواجهون مصاعب إضافية في تأجيلهم للاقتراض لشهور قادمة، انتظاراً لنتائج تطبيق رسوم الأراضي البيضاء، وذلك نظراً لاحتمالية ارتفاع تكلفة الاقراض في البنوك التجارية، نظراً للتوقعات شبه المؤكدة لارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية، والتي ترتبط أسعار الفائدة المحلية بها ارتباطاً وثيقاً. في شهر ديسمبر، قرر البنك المركزي الأمريكي رفع أسعار الفائدة ل25 نقطة أساس (ما يعادل 0.25%) عن الأسعار الحالية، ما أدى بالضرورة إلى ارتفاع أسعار الفائدة في المملكة بنفس القدر وبنفس الوقت (لارتباط الريال بالدولار)، مما أثر على أسعار الإقراض في البنوك التجارية، والتي تأثرت بارتفاع تكلفة الأموال ككل. وحسب المعلومات المتداولة، فإن البنك الفيدرالي الأمريكي عازم على رفع سعر الفائدة خلال الأشهر القليلة القادمة، والتي ستؤثر على تكلفة الأموال المتداولة بالارتفاع، مما سيجبر البنوك التجارية على رفع أسعار الفائدة بمعدل أكبر من المعدلات الحالية، والذي سينتج عنه تحمل المقترض لمبالغ أكبر من التي كان يستطيع الحصول عليها لو كان قد استغل أسعار الفائدة السابقة للأسعار الجديدة، فزيادة 0.25% لقرض عقاري بمبلغ مليون ريال لمدة 20 سنة، يعني زيادة في الفوائد مقدارها 50 ألف ريال. يجب على جميع الجهات التكامل للحد من اضطرابات أسعار الوحدات السكنية، والتي تنشأ من أسباب غير متعلقة بقوانين العرض والطلب. على وزارة التجارة أن تقوم بدورها في الرقابة على أسعار سلع البناء والتشييد، والعمل على منع استيرادها حالما تتجه الأسعار إلى الارتفاع بسبب الطلب المتزايد على تلك السلع. بالمقابل، على وزارة الإسكان التحرك نحو تنشيط جانب العرض من المساكن، وذلك عن طريق دعم المطورين العقاريين، والعمل مع البنوك التجارية على تسهيل إقراضهم، وذلك لجعل المعروض من المساكن متلائماً مع حجم الطلب الناتج من المواطنين المتعطشين للحصول على منزلهم الخاص.