تبقى كل جهود الطرح التنظيري أو حتى العملية.. مروراً بالقرارات الحكومية التي تحاول، أن تنتهي إلى حلول لمشكل تأمين المساكن بقصد التملك، أو حتى تيسير الاستئجار.. جهودا غير إستراتيجية؛ ذلك أنها تأخذ بحلول تعتمد على رؤى شخصية، أو أنها تبنى على تنظيمات قديمة لا تتناسب وواقع الحال الاقتصادي، وإن شئت الاجتماعي. تناولت غير مرة تجارب دول لا يتجاوز دخلها، عُشر دخل المملكة الوطني؛ لم نسمع أو نرى مشكلات في تأمين المساكن أو تملكها؛ وخذ على سبيل المثال المغرب وتونس.. الطريقة: تقوم الدولة بطرح الأراضي الكبرى (5 ملايين متر مربع مثلاً)، في مناقصة عامة، لإقامة قرية سكنية (حي سكني) يضم 8 إلى 10 آلاف وحدة سكنية مختلفة المساحة (فلل، شقق، دبلكسات).. يباشر المطور العقاري، التطوير والبناء، مقابل هامش ربح محدد، وضمانات للبناء، مقابل رسوم رمزية للتشغيل والصيانة، وكذلك استثمار الأراضي التجارية كمجمع استثماري يستفيد المطور من كل أو جزء من دخلها لفترة محددة.. هذا المثال (المتبع) في مثل هذه الدول؛ يثمر عن انتاج وحدات سكنية ذات تكلفة مناسبة، لماذا؟ لأن الأرض الممنوحة من الحكومة مجانية (يعني خفض التكلفة إلى 40%)، والبناء مؤسسي (يعني خفض التكلفة إلى 15%)، والخدمات مكتملة (يعني تعاظم القيمة مع الوقت للوحدة السكنية)، إضافة إلى تشجيع برامج التمويل الإسكاني للراغبين في الشراء، والأهم إمكانية البيع المبكر الذي يوفر في الدفعات ويختصر الوقت، ويضخ تمويلا للمطور العقاري قبل وخلال أعمال التشييد. هذا المثال يجسد (فقط) حلاً استراتيجيا للتوطين الإسكاني، من خلال (الشراكة الحكومية مع القطاع الخاص)، الدولة تقدم التسهيلات، والقطاع الخاص يقوم بدوره في التوطين دون استغلال وبفائدة مناسبة تعود على شركات التطوير العقاري. مع بدء العام الجديد تعود حالة الترقب من جديد للسوق العقاري السعودي خصوصاً وأنها تستعد لاستقبال تفعيل نظام الرهن العقاري الذي كان قد أقره مجلس الشورى. وتعكف المملكة حاليا على وضع اللمسات الأخيرة لمشروع نظام الرهن العقاري الذي من المنتظر أنه سيصدر قريباً، وهذا النظام هو أهم وسائل التطبيق لبلورة الشراكة الحكومية مع القطاع الخاص. وأثار نظام الرهن العقاري خلال السنتين الماضيتين الكثير من الجدل في الساحة المحلية السعودية، واستطاع خلال هذه الفترة أن يعيد الحيوية إلى قطاع العقار – قبل صدوره - خصوصا مع خسائر الأسهم المتلاحقة التي كانت قد أغرت أرباحها رساميل المستثمرين في القطاع العقاري. وتترقب الأوساط العقارية في المملكة تحولا جذريا في سوق العقارات من خلال التغيير في التشريعات والتنظيمات المتعلقة بالسوق، إذ دعا عدد من الخبراء والمهتمين بالقطاع العقاري إلى سرعة تفعيل نظام الرهن العقاري وتطبيقه على أرض الواقع بأسرع وقت ممكن قبل تفاقم أسعار العقار ومواصلتها الارتفاعات. من الظلم تحميل الدولة حل مشكلة الإسكان لوحدها، ومن الإجحاف تحميل القطاع الخاص قصور التوطين الإسكاني.. ولكن إزالة الحاجز، وإذابة جليد القيود بينهما، السبيل الوحيد للحل الذي أخذت به دول اقتصادها لا يوازي ربع اقتصادنا. هذه الرؤى هي التي تجسد الحلول لذوي الدخل المتوسط، وهم مقصد الرهن العقاري، الذي لن يحقق الحل المنشود إلا بتعزيز الشراكة التي أشرت إليها.. أما ذوي الدخل دون المتوسط أو المعدم، فهؤلاء هم من يجب أن يوجه لهم منتجات الهيئة العامة للإسكان، والمؤسسات الخيرية المتخصصة في التوطين الإسكاني التنموي.. انني أخشى أن تحول منتجات تلك الجهات إلى غير المستحقين ممن يتزاحمون على أبواب المسؤولين، بحثاً عن (البلاش). ويرى عاملون في القطاع العقاري السعودي أن نظام الرهن العقاري ستكون له فوائد بالغة التأثير، سواء على السوق العقاري أو البنوك نفسها التي ستضطر إلى تحديث برامجها وخدماتها وتطويرها إلى الأفضل حتى تتمكن من تلبية احتياجات القطاع العقاري خلال المرحلة المقبلة. ويصل حجم استثمارات السوق العقارية نحو 1.4 تريليون ريال، مرشحة للزيادة مع إقرار الرهن العقاري، إلا أن الوقت الحالي وفي ظل الصعوبات التي تشهدها سوق الإقراض بشكل عام وارتفاع تكاليفه على المطورين، يؤكد أن إقرار الرهن العقاري سيرفع الأسعار بشكل أكثر للاستفادة من تسهيلات القروض خلال الفترة المقبلة. وتشهد السوق العقارية السعودية طلباً حقيقياً، وحاجة واقعية للمساكن التي تواكب حاجة السوق، في الوقت الذي تحتاج لتكامل الدورة الاقتصادية العقارية من خلال إقرار منظومة التمويل العقاري، التي تتضمن المطورين والمسوقين والمستهلكين، مع دخول المشرعين من خلال نظام الرهن العقاري، الأمر الذي سيساهم في عمليات التطوير العقاري في المملكة. وأوضحوا أن الإسراع في تطبيق النظام سيسهم في توفير المسكن لكل مواطن، نظراً لأن نحو 80% من سكان المملكة لا يستطيعون تملك العقار من مواردهم الذاتية، وأن الرهن العقاري سيحقق المصلحة بالنسبة للمواطنين للحصول على العقار ولجهة التمويل لضمان حقوقها. وأظهرت الدراسات حاجة سوق العقارات في المملكة إلى شركات تمويل، لأن الطلب المتنامي أكثر من العرض على الوحدات السكنية، سينعكس إيجابا على حركة السوق عامة وإتاحة الفرصة لذوي الدخل المتوسط والمحدود لتملك مساكن مستقلة سواء فللا أو شققا لهم إلى جانب ضرورة إيجاد شركات تمويل عقارية عملاقة تسعى إلى تسهيل القوانين والأنظمة المتعلقة بإنشاء مثل هذه الشركات. من جهته، أكد تقرير شركة جونغ لانغ لاسال للدراسات العقارية نشر أخيرا، أن الرهن العقاري في السعودية سيعمل على إضافة نقاط إيجابية في السوق العقاري في المملكة، في الوقت الذي سيواجه أيضا عقبات تقف أمام تطبيقه. وبين أن النقاط الإيجابية تتمثل في أن الرهن العقاري سيكون الإطار الشرعي لمسألة الاقتراض، حيث يطبق الرهن قوانين الشريعة الإسلامية في التعاملات المالية مما سيساعد في ازدياد طالبي القروض وازدياد الطلب على السكن. بالإضافة إلى أن التقرير يؤكد أن الرهن سيعمل على ازدياد أعداد الراغبين في تملك السكن، وبالتالي نقص الطلب على الوحدات السكنية التأجيرية، وتحقيق جانب الضغط على أسعار الوحدات السكنية مما سيؤدي إلى انخفاض أسعار البيع والتنافس بين المطورين، ويحفز المطورين المحليين على زيادة بناء الوحدات السكنية مما يساهم في دفع عجلة التنمية من جانب قطاع المقاولات والجوانب المرتبطة به. واستبعد التقرير أن يمر الرهن العقاري في المملكة بأزمة كالتي حدثت في أميركا، قائلا ان النظام الجديد المزمع الإعلان عنه رسميا، قد تفادى في بنوده كل الاحتمالات التي يمكن أن تقود إلى نتائج غير جيدة سواء بالنسبة للقطاع العقاري أو المصرفي. وطالب عقاريون بأن يراعى في تطبيق نظام الرهن ذوي الدخل المحدود، مشيرين إلى أن ذوي الدخل المتوسط هم المستفيدون من هذا النظام. فيما توقع بعض العقاريين ارتفاع أسعار مواد البناء بعد تنفيذ هذا النظام، عن فترة ما قبل النظام، مشيرين إلى انخفاض هذه النسبة بعد قرار الدولة السماح باستيراد الحديد والأسمنت من الخارج، أكد بعضهم الآخر أن الرهن العقاري هو الحل للمملكة في هذه الفترة كونه سيخلق حالة نشاط هائلة في سوق العقار إضافة إلى أنه سيساعد عديداً من المواطنين على تملك مسكن خاص بدلا من تأجير المنازل لسنوات دون تملكها كما أن عدداً من المجالات المتعلقة بالبناء والتشطيب ستشهد انتعاشاً نتيجة إقبال المواطنين على البناء. ويعتبر العقاريون الرهن هو البديل الأمثل لحل الأزمة العمرانية ومشكلة عدم تملك السعوديين المباني، خاصة أن صندوق التنمية العقاري لم ينجح بالشكل الأمثل، مبينين أنه سيحد من انتظار المواطنين لأكثر من عشر سنوات للحصول على قرض من صندوق التنمية العقاري، كما أن الرهن العقاري سيوجد شراكة بين أعلى الجهات التمويلية وهي البنوك وأعلاها شرائيا وهو المواطن. من جهتها، تستعد البنوك السعودية لانطلاقة جديدة في تاريخها بالتزامن مع إقرار نظام الرهن العقاري ، الذي يتوقع ان يحرك السوق العقاري بشكل كبير، بجانب أثره على تعزيز القطاع المصرفي في المملكة. ودعا مستثمرون إلى وضع إستراتيجية تعاون بين البنوك المحلية والقطاعات الاستثمارية النشطة، وفي مقدمة ذلك القطاع العقاري، ورأوا أن نظام الرهن العقاري يمكن أن يكون (البوابة المناسبة) لمثل هذا التعاون. ويساعد الرهن العقاري على القضاء على معوقات السوق لجهة توفير التمويل اللازم الذي يحتاجه المطورون العقاريون والأفراد الراغبون في تملك المساكن.