للأماكن حديث لا يشعر به إلا أولئك الذين شهق في صدورهم وجد ولهفة, ونُحت على جدران ذاكرتهم مواقف تستعصي على النسيان, ما أجملها تلك الأزقة التي تبعث في النفس سيرة الحنين عندما ترقص الحواري حينا وتبكي حينا آخر, تنتشي الأقدام عندما تطأ أرضا كان لها بين الأضلاع نبضٌ وشجن, وتبتهج الروح كلما زارنا عبق لتلك الأيام التي استأنسنا بها الفتنا حتى الانتماء وألفناها حتى الاندماج, وهج المكان لا يبرح أن يشتعل كلما عانقنا الشوارع والبيوت في تلك المنافذ الضيقة والممرات التي امتلأت (بالدكات), ألوانٌ خالطها الطين ورسم الملح خرائط على الحيطان ليروي للترحال قصصا من جهاد الوقت, غصاتٌ وأنين, صبرٌ وجلد, فرحٌ قليل لكنه مؤثر, قلة وضعف يصنع قوة وإصرارا, حاجة لا تُحكى لأن الرضا والبساطة ينثران في البيادر حلما لا ينتهي وأملا لا يخفت وميضه.وهجُ المكان لا يبرح أن يشتعل كلما عانقنا الشوارع والبيوت في تلك المنافذ الضيقة والممرات التي امتلأت (بالدكات), ألوانٌ خالطها الطين ورسم الملح خرائط على الحيطان ليروي للترحال قصصا من جهاد الوقتتشربت العروق لقاحا مقاوما لكل التغيرات كان صدى المكان يمتد مع امتداد العمر, الأبواب و(المرازيم) (الدروازة) و(السباط) (العاير) مقهى الأجداد ومقر تبادل (السوالف) البراحة ملاذ الصبية ومحل متعتهم ولعبهم, أماكن رحلنا عنها وأماكن رحلت عنا ولكن تبقى اللحظات الحلوة حبيسة المخيلة نتنفسها في الزوايا نشربها في الزلال نتفيأها في الظل. أحياء قديمة معاصرة تنازع في قلب الذكريات التي مزقت ثياب السكون وجعلت من الماضي حليفا للحاضر ولكن بشيء من التأرجح, ربما نحاول أن نقتات من خبز التحول ما يُشبع جوع الواقع في معمعة التطورات واندماج الثقافات واللغات والأديان التي اختلطت في الأحياء القديمة ما واجبنا نحو تلك الأماكن التي خرّجت أدباء ومثقفين ومفكرين ماذا تركت من اثر؟ والى أين عبرت بنا؟ وكيف نحمل المكان إلى حيث نعيش؟ أتمنى أن نوجه اهتماما خاصا للأماكن وما تحمله من بوح فبلادنا غنية بأماكن تروي أحداثا هامة تضاف لسجل التاريخ, فالأحساء ليست جبل القارة وقصر إبراهيم, والرياض ليست قصر المصمك, وحائل ليست قصر وقلعة القشلة فقط, بل هناك أماكن وحوارٍ احتكت بنا منحتنا الكثير خذلناها وتنكرنا لها, المكان وطن ولا بد أن نخلص لأوطاننا.