في بحثه عن العوامل التي تنشط المشاعر الإيجابية في نفسية الفرد كلف رائد علم النفس الإيجابي البروفيسور الشهير «مارتن سليجمان» طلابه بالقيام بنشاطين مختلفين أحدهما يهدف لتسلية الذات والآخر عمل خيري لخدمة آخرين، وطلب منهم رصد مشاعرهم الداخلية المصاحبة لكل نشاط ومقارنة الشعورين ثم كتابة ذلك ومناقشته، ولقد كانت النتائج مثيرة جدا للتفكير والتعلم، فقد لاحظ جميع الطلبة خفوت توهجهم المصاحب للأنشطة المسلية كالخروج في نزهة مع الرفاق أو مشاهدة فيلم ممتع أو تناول وجبة دسمة في مطعم شهير مقارنة بتأثرهم الانفعالي حيال أعمالهم الخيرية أو التطوعية، وأكد الجميع أن ممارسة النشاط الخيري قدم لهم مشاعر مشبعة بدرجة أعمق بكثير من الأنشطة الترفيهية. ما مقصد المشاعر الإيجابية؟ و ما دورها في رحلة الحياة؟ كيف يتمكن المرء من صناعة المزيد منها؟ يحتاج كل منا أن يجد إجابات شافية عن الأسئلة السابقة حتى يتمكن من العيش بشكل أفضل. ولذلك فقد اهتم جميع الأنبياء والمصلحين الاجتماعيين والزعماء الروحيين بإرشاد أتباعهم لكيفية السبل الصحيحة لتحقيق هذه الحالة الشعورية، كما أدى الفهم الخاطئ لدى البعض لوقوعهم في فخ استهلاك المتع والبحث عن الطرق المختصرة، لاعتقادهم الوهمي بإمكانية الاعتماد على ذلك في تحصيل مشاعر السعادة النفسية. إن استمرارهم في ذلك الوهم سيزيد معاناتهم مع الجوع الروحي رغم تمرغهم في بحبوحة العيش، بسبب خلطهم بين مفاهيم «الحياة الممتعة» و «الحياة الطيبة»، إذ يمكنك تحقيق بعض من عناصر الحياة الممتعة بامتلاك منزل كبير أو شراء سيارة جديدة، لكن الحياة الطيبة لا تتحقق إلا من خلال تأهيل داخلي وجهد صادق مستمر لتزكية الفضائل الإيجابية الذاتية القابعة داخل كل فرد منا، فالبعض يرويها يوميا حتى كبرت أغصانها فاستظل مرتاحا في فيء مشاعرها، والبعض الآخر يختبئ بداخله الكثير من البذور الكامنة في انتظار قطرات ماء تستثير نموها. يقولون: «إذا أردت أن تكون سعيدا لمدة ساعة اغف قليلا، لمدة يوم اذهب للصيد، لمدة شهر تزوج، لمدة عام احصل على ورثة عائلية، ولتكون سعيدا لبقية عمرك ساعد إنسانا مكروبا». وهذا ما أكده بحث د . سليجمان بالإضافة لعشرات الأبحاث السابقة بأن قوة الشعور الإيجابي للمرء ترتكز على أن يحيا المرء حياة ذات مغزى، وكلما تجاوز الهدف الذي تشغل به حياتك كبيرا حدود الأنا وتأمين شهواتك الشخصية زاد مغزى حياتك وازدادت وفرة المشاعر الإيجابية بداخلك. السعادة الحقيقية بعيدة تماما عن المنافسة، ولا تتحقق إلا من خلال دفع نفسك لمستويات وجود أعلى وليس من مقارنة نفسك مع الآخرين، و قد أفلح من زَكَّاهَا واستخدم رحلة وجوده في خدمة هدف كبير ذي مغزى.