كلمة الكاتب التركي أورهان باموك بمناسبة فوزه بجائزة نوبل لعام 2006 هذا إذاً كان ما يحركني وأنا افتح حقيبة أبي للمرة الأولى. هل كان أبي يخبئ سراً في حياته، مصدر تعاسة لم أعرف عنه شيئاً، شيئاً كان يمكنه تحمله فقط من خلال التعبير عنه فيما يكتب؟ حالما فتحت الحقيبة استعدت رائحة الرحيل فيها، تعرفت على عدد من اليوميات، ولاحظت أن أبي كان قد أراني إياها قبل عدة أعوام، لكن دون أن يطيل في الحديث عنها. كان معظم اليوميات التي أخذتها بيدي ضمن ما كتبه حين تركنا إلى باريس في شبابه، في حين أنني كنت شأن معظم الكتاب الذين كنت معجباً بهم - الكتاب الذين قرأت سيرهم - كنت أتمنى أن أعرف ما كتبه أبي وما فكر فيه حين كان في عمري حينئذٍ. ولم يمض وقت طويل قبل أن أدرك أنني لن أجد شيئاً من ذلك. ما أزعجني أكثر من غيره كان عثوري هنا وهناك في اليوميات على صوت الكتابة لديه. لم يكن ذلك صوت أبي، قلت لنفسي؛ لم يكن صوتاً حقيقياً، أو على الأقل لم تكن له صلة بالرجل الذي عرفته أباً. تحت مخاوفي ألا يكون أبي هو أبي عند الكتابة كان ثمة خوف أعمق: الخوف ألا أكون في أعماقي أصيلاً، ألا أجد شيئاً جيداً في ما كتبه أبي، كل ذلك زاد من مخاوفي أن أكتشف أن أبي وقع تحت تأثير هائل لكتاب آخرين وأن أهوي نتيجة ذلك في حالة من اليأس التي عانيت منها بشكل سيىء حين كنت شاباً، على النحو الذي أثار الأسئلة حول وجودي نفسه، رغبتي في الكتابة وما أنتجته. خلال الأعوام العشرة الأولى في الكتابة شعرت بصنوف القلق هذه بعمق أكبر، وحتى حين تخلصت منها، فإني كنت أحياناً أخشى أن أضطر يوماً ما للاعتراف بالهزيمة - تماماً كما حدث لي مع الرسم - وأن أتخلى نتيجة الخضوع للقلق عن كتابة الرواية أيضاً. لقد أشرت مسبقاً إلى الشعورين الأساسيين اللذين غمراني حين أغلقت حقيبة أبي ووضعتها جانباً: الشعور بأنني ألقي بي في الريف، والشعور بأنني لم أكن أصيلاً. ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي يتحرك فيها هذان الشعوران. فعلى مدى سنوات، خلال قراءتي وكتابتي، كنت أدرس، أستكشف، وأعمق هذه العواطف بكل ما فيها من تنوع ونتائج غير مقصودة، بكل ما فيها من توتير للإعصاب، ومحفزات، وألوان متعددة. وبالتأكيد فإن معنوياتي كانت تتأثر سلباً بالارتباكات والحساسيات والآلام الخاطفة التي تفاجئني بها الحياة والكتب، لاسيما حين كنت شاباً. غير أن تأليف الكتب وحده هو الذي أوصلني إلى فهم متكامل لمشكلات الأصالة (كما في روايتيّ اسمي أحمر والكتاب الأسود) من ناحية، ومشكلات العيش على الأطراف (كما في ثلج وإسطنبول). فبالنسبة لي، أن يكون المرء كاتباً هو أن يعترف بالجروح السرية التي نحملها في دواخلنا، الجروح التي تبلغ من السرية أننا أنفسنا لا نكاد ندركها، وأن يستكشفها، ويعرفها، ويضيئها، إلى حد الامتلاك وجعلها جزءاً محسوساً من روحنا وما نكتب. إن الكاتب يتحدث عن أشياء يعلمها الجميع لكنه لا يعلم أنهم يعلمون. استكشاف هذه المعرفة ورؤيتها تنمو، شيء ممتع؛ فالقارئ يزور عالماً مألوفاً وعجائبياً في الوقت نفسه. حين يغلق الكاتب على نفسه الباب سنوات متواصلة ليطور حرفته - ليخلق عالماً - فإنه لو استعمل جراحه السرية سلاحاً، سيضع، سواء علم أم لم يعلم، قدراً كبيراً من الثقة في الناس الآخرين. ثقتي تأتي من الإيمان بأن البشر يشبهون بعضهم، أن الآخرين يحملون الجراح ذاتها - أنهم لهذا السبب سيدركون. كل الأدب الحقيقي يتنامى من هذه الثقة الطفولية، الثقة العامرة بالأمل، أن الناس يشبهون بعضهم. حين يغلق كاتب الباب على نفسه في غرفة لسنوات متواصلة، فإنه بحركته هذه يوحي بأن ثمة إنسانية واحدة، عالم بلا مركز. ولكن العالم، كما يتبين من حقيبة أبي والألوان الباهتة في حياتنا في إسطنبول، له مركز وهذا المركز بعيد عنا. في كتبي وصفت ببعض التفصيل كيف تستثير هذه الحقيقة الأساسية شعوراً تشيكوفياً بالريفية وكيف، بطريقة أخرى، قادت إلى تساؤلي حول أصالتي. إنني أدري من التجربة أن العدد الأكبر من الناس على هذه الأرض يعيشون بهذه المشاعر، وأن الكثيرين يعانون من إحساس أعمق مما لدي بعدم الاكتفاء، من الافتقار للأمان والإحساس بالمهانة. نعم، إن أكبر المآزق التي تواجه البشرية ماتزال عدم امتلاك الأرض والتشرد والجوع... ولكن في عالمنا اليوم تقوم محطات التلفزة والصحف بتوفير المعلومات حول هذه المشكلات الأساسية بطريقة أسرع وأبسط مما يستطيع الأدب القيام به. ما يحتاج الأدب إلى التحدث عنه والبحث فيه قبل أي شيء آخر هو المخاوف الأساسية للإنسانية: الخوف من الاستبعاد، الخوف من التهميش، ومن الشعور بأن لا تكون للمرء قيمة، الشعور الذي يصاحب تلك المخاوف؛ مجموع الإهانات، نقاط الضعف، الاستهزاءات، الاحتجاجات، الحساسيات، الإهانات المتخيلة، والادعاءات القومية والانتفاخات اللصيقة بها... كلما واجهتني تلك العواطف، كلما واجهتني لغة المبالغات اللاعقلانية التي يعبر من خلالها عن تلك العواطف، تبين لي أنها تلمس حيزاً مظلماً داخلي. كثيراً ما رأينا شعوباً ومجتمعات خارج العالم الغربي - شعوباً ومجتمعات يمكنني التماهي معها بسهولة - وهي تخضع لمخاوف تقودها أحياناً إلى ممارسة حماقات بسبب ما لديها من حساسيات بالإضافة إلى مخاوفها من الإهانة. وأعلم كذلك أن في الغرب - العالم الذي يمكنني التماهي معه بالسهولة نفسها - هناك شعوب تتباهى أكثر مما ينبغي بما لديها من ثروة، وبأنها أتتنا بعصر النهضة والتنوير والحداثة لكنها تخضع لنوع من الرضى عن الذات لا يكاد يقل حماقة. يدل هذا على أن أبي لم يكن وحده، أننا جميعاً نبالغ في الاحتفاء بفكرة عالم ذي مركز. هذا في حين أن ما يدفعنا لإغلاق الأبواب على أنفسنا لسنوات طويلة لكي نكتب هو إيمان بنقيض تلك الفكرة، الإيمان بأن ما نكتبه سيقرأ ويفهم ذات يوم، لأن الناس يتشابهون في كل مكان. غير أن هذا، كما تبين لي من كتابتي وكتابة أبي، لا يعدو أن يكون تفاؤلاً مهزوزاً، تفاؤلاً مجروحاً بالغضب الناتج عن كوننا محشورين في الهامش، كوننا متروكين في الخارج. كل الكتاب الذين كرسوا حياتهم لهذه المهمة يدركون هذه الحقيقة: العالم الذي نصطنعه بعد سنوات وسنوات من الكتابة والأمل، وبغض النظر عن هدفنا من ذلك، سينتقل في النهاية إلى أماكن أخرى مختلفة. إنه عالم سيأخذنا بعيداً عن الطاولة التي عملنا عليها بحزن أوغضب، يأخذنا إلى الجانب الآخر من ذلك الحزن والغضب، إلى عالم آخر. ألم يكن بوسع أبي أن يصل إلى عالم كذاك بنفسه؟ مثل الأرض التي تبدأ معالمها بالاتضاح وهي تعلو تدريجياً من الضباب بألوانها مثل جزيرة تلوح بعد رحلة بحرية طويلة، يشدنا هذا العالم بسحره. نُسحر مثل الرحالة الغربيين إذ يأتون عبر البحر ليروا إسطنبول وهي تعلو من الضباب. بعد رحلة انبعثت من الأمل وحب الاستكشاف هاهم يشاهدون مدينة من المساجد والمنارات، خليطاً من البيوت والشوارع والتلال والجسور والمنحدرات، عالماً بأكمله، عالماً نود حين نراه أن ندخله ونذوب فيه، مثلما في كتاب. بعد الجلوس إلى طاولة مدفوعين بإحساسنا بالريفية، بالاستبعاد، بالهامشية، أو بعد إحساس غامر بالكآبة، ها نحن نعثر على عالم يتجاوز هذه الأحاسيس. ما أحس به الآن هو نقيض ما شعرت به طفلاً وشاباً: لقد صار مركز العالم بالنسبة لي هو إسطنبول. وهذا ليس لأني عشت هناك حياتي كلها، وإنما لأنني على مدى الثلاث وثلاثين سنة الماضية كنت أروي شوارعها، جسورها، ناسها، كلابها، بيوتها، مساجدها، ينابيعها، أبطالها الغريبين، دكاكينها، شخصياتها الشهيرة، نقاطها المظلمة، أيامها ولياليها، جاعلاً هذه كلها جزءاً مني، محتضناً إياها كلها. لقد وصلت إلى نقطة صار فيها العالم الذي صنعته بيدي، هذا العالم الذي كان موجوداً في رأسي فحسب، أكثر حقيقية من المدينة التي عشت فيها فعلاً. كان ذلك حين بدا كل هؤلاء الناس والشوارع، والأشياء والبنايات وكأنهم يتحدثون بعضهم إلى بعض، حين بدوا كما لو كانوا يتفاعلون فيما بينهم بطرق لم أتخيلها، كما لو أنهم لم يعيشوا فقط في خيالي أو في كتبي، وإنما لأنفسهم. هذا العالم الذي خلقته مثل رجل يحفر بئراً بإبرة سيبدو عندئذٍ أكثر حقيقية من أي شيء آخر. خطر لي وأنا أنظر إلى حقيبة أبي أنه كان يمكن له أن يكتشف هذا النوع من السعادة خلال الأعوام التي أمضاها في الكتابة: علي ألا أتعجل الحكم عليه. كنت ممتناً له على أية حال: فهو لم يكن أباً آمراً أو ناهياً أو مسيطراً، مثل آباء آخرين، وإنما كان أباً يترك لي الحرية، دائماً يريني أشد الاحترام. كثيراً ما بدا لي أن اعتمادي على مخيلتي بين الحين والحين، سواء كان ذلك على نحو متحرر أو طفولي، فإن السبب يعود إلى أنني على عكس كثير من أصدقائي في الطفولة والشباب لم أكن أخشى أبي، وفي بعض الأحيان كنت أثق في أعماقي أنني صرت كاتباً لأن أبي، في شبابه، أراد أن يكون كاتباً هو أيضاً. لقد كان علي أن أقرأه بأريحية - ساعياً إلى فهم ما كتبه في تلك الغرف الفندقية. لقد مضيت إلى الحقيبة تدفعني هذه الأفكار المفعمة بالأمل. كانت الحقيبة ما تزال حيث تركها أبي. هناك، مستمداً كل ما لدي من إرادة، قرأت المخطوطات واليوميات القليلة. فما الذي كتب عنه أبي؟ أتذكر بعض المشاهد القليلة التي رآها من شبابيك الفنادق الباريسية، بعض القصائد، المفارقات، التحليلات... وبينما أكتب الآن أحس أنني مثل شخص تعرض للتو لحادث سيارة ويصارع لتذكر كيف حدث ذلك، بينما ترعبه فكرة استعادة بعض التفاصيل. حين كنت طفلاً وكان أبي وأمي على وشك الخصومة - حين كانا يصلان إلى واحدة من فترات الصمت القاتلة - كان أبي يفتح الراديو، ليغير الأجواء، وكانت الموسيقى تساعدنا على نسيان كل شيء بسرعة. اسمحو لي أن أغير الأجواء ببعض الكلمات اللطيفة التي ستفعل، كما أرجو، فعل تلك الموسيقى. كما تعلمون، السؤال الذي يوجه لنا معشر الكتاب غالباً، السؤال المفضل، هو: لماذا تكتبون؟ إنني أكتب لأن لدي حاجة ذاتية للكتابة! أكتب لأنني لا أستطيع القيام بعمل عادي مثل بقية الناس. أكتب لأنني أريد قراءة كتب كالتي أكتب. أكتب لأنني غاضب منكم جميعاً، غاضب من كل أحد. أكتب لأنني أحب الجلوس للكتابة في غرفة طوال اليوم. أكتب لأنني لا أستطيع المشاركة في الحياة الواقعية إلا بتغييرها. أكتب لأنني أريد الآخرين، أريدنا كلنا، العالم كله، أن يعرف أي حياة عشنا، وما نزال نعيش، في اسطنبول، في تركيا. أكتب لأني أحب رائحة الورق، والقلم والحبر. أكتب لأني أؤمن بالأدب، بفن الرواية، أكثر مما أؤمن بأي شيء آخر. أكتب لأن الكتابة عادة، عاطفة. أكتب لأنني أخشى من أن أنسى. أكتب لأني أحب المجد والاهتمام الذي تجلبه الكتابة. أكتب لكي أكون وحيداً. ربما كنت أكتب لأني آمل أن أفهم لماذا أنا غاضب جداً جداً منكم جميعاً، لأنني غاضب أشد الغضب من كل أحد. أكتب لأني أريد أن يقرأني الآخرون. أكتب لأني بمجرد أن أبدأ في كتابة رواية، أو مقالة، أو صفحة، أريد أن أنهيها. أكتب لأن كل واحد يتوقع مني أن أكتب. أكتب لأن لدي اعتقاداً طفولياً بخلود المكتبات، وبالطريقة التي تجلس بها كتبي على الرف. أكتب لأن من المثير تحويل كل ما في الحياة من جمال وثراء إلى كلمات. أكتب لا لأروي قصة، ولكن لكي أنشئ قصة. أكتب لأني أريد الهرب من الهاجس المزعج بأن ثمة مكاناً لابد لي من الذهاب إليه ولكني - كما يحدث في الحلم - لا أستطيع الوصول. أكتب لأني لم أستطع يوماً أن أكون سعيداً. أكتب لكي أكون سعيداً. بعد أسبوع من مجيئه إلى مكتبي وتركه الحقيبة، عاد أبي ليزورني مرة أخرى، وكالعادة أحضر لي قطعة شيكولاته (نسي أنني كنت أبلغ الثامنة والأربعين). وكما يحدث دائماً تحدثنا وضحكنا حول الحياة والسياسة وما في الحياة العائلية من قيل وقال. ثم جاءت لحظة اتجهت فيها عينا والدي إلى الركن حيث ترك حقيبته ورأى أنني حركتها. نظر كل منا إلى عين الآخر، وتبع ذلك صمت ثقيل. لم أخبره أنني فتحت الحقيبة وحاولت قراءة محتوياتها؛ بدلاً من ذلك نظرت جانباً. ولكنه فهم. تماماً كما فهمت أنه فهم. ولكن كل هذا الفهم وصل إلى أقصى نقطة في ثوانٍ. لأن أبي كان إنساناً سعيداً ومرحاً وواثقاً من نفسه، ابتسم لي بالطريقة التي يبتسم دائماً. وأثناء مغادرته البيت كرر الأشياء الحلوة والمشجعة التي كان دائماً يقولها بوصفه أباً. كالعادة رأيته يغادر وأنا أحسده على سعادته ومزاجه المنفتح بطمأنينة. ولكني أتذكر أنني في ذلك اليوم أحسست ببارق متعة داخلية شعرت بالخجل منها. كان دافع تلك المتعة خاطرة أنني قد لا أكون مرتاحاً في حياتي مثله، أنني ربما لم أعش حياة سعيدة ومنطلقة مثل حياته، ولكنني كرست حياتي للكتابة - ولعلكم فهمتم... أنني شعرت بالخجل من أن تخطر تلك الأشياء ببالي على حساب والدي. فمن بين الجميع لم يكن أبي يوماً مصدراً لمعاناتي - كان الشخص الذي يمنحني الحرية دائماً. كل ذلك ينبغي أن يذكرنا بأن الكتابة والأدب متصلة، وعلى نحو حميم، بافتقارٍ ما في مركز حياتنا، بشعورنا بالسعادة وإحساسنا الذنب. لكن لقصتي اتساقاً يذكرني رأساً بشيء آخر حدث ذلك اليوم، شيء ولّد لدي شعوراً أعمق بالذنب. فقبل أن يأتي إلي أبي بحقيبته بثلاثة وعشرين عاماً، وبعد أربعة أعوام من قراري، وأنا في الثانية والعشرين من العمر، أن أكون روائياً، وأن أغلق على نفسي غرفة، بعد أن تخليت عن كل شيء، كنت قد أنهيت كتابة روايتي الأولى سيفديت بيه وأبناؤه. مددت لأبي، بأصابع مرتعشة، نسخة مطبوعة على الآلة من الرواية التي لم تكن قد نشرت لكي يقرأها ويقول لي رأيه فيها. ولم يكن ذلك لمجر أنني كنت أثق بذوقه وفكره: كان رأيه شديد الأهمية بالنسبة لي لأنه، على عكس والدتي، لم يعارض رغبتي في أن أكون كاتباً. حين حدث ذلك لم يكن أبي معنا، وإنما بعيد عنا. كنت أنتظر عودته بفارغ الصبر، وحين وصل بعد أسبوعين أسرعت لفتح الباب. لم يقل أبي شيئاً وطوقني بدلاً من ذلك بذارعيه بطريقة أوحت لي بأنه كان يحب ذلك فعلاً. للحظات غرقنا في ذلك الصمت المربك الذي كثيراً ما يصاحب لحظات العاطفة المتوهجة. بعد ذلك، حين هدأنا، وبدأنا نتحدث، شرع أبي في استعمال لغة شديدة المبالغة للتعبير عن ثقته بي وبروايتي الأولى: قال لي إنني يوماً سأفوز بالجائزة التي أتيت هنا لتسلمها بكل سرور. قال ذلك ليس لأنه كان يحاول إقناعي برأيه الإيجابي، أو لكي يجعل هذه الجائزة هدفاً؛ قال ذلك مثل أب تركي يدعم ابنه ويشجعه بأن يقول له: "يوماً ما ستكون باشا!" وعلى مدى أعوام بعد ذلك، كان كلما رآني يشجعني بالكلمات نفسها. توفي أبي في ديسمبر 2002.اليوم، وأنا أقف أمام الأكاديمية السويدية وأعضائها الأجلاء الذين منحوني هذه الجائزة - هذا الشرف الكبير - وأمام ضيوفهم المحترمين، أتمنى لو أنه كان بيننا. ترجمتها عن التركية مورين فريلي