إن رتابة الحياة الزوجية تعني الاستقرار والثبات وزوال حالة الطوارئ وليس زوال الحب ولا التبدُّل أو التغير لأي منهما فعقد الزواج هو أهم عقد يحصل بين طرفين إنه أوثق العقود وأحقها بالاحترام والرعاية والالتزام وهو العقد الذي يراد له الديمومة بتناغم وانسجام لذلك فإن كل الثقافات الإنسانية تتفق على الاهتمام الشديد بمؤسسة الزواج واحترام الأسرة والعناية بأن تتوفر مقومات التوافق بين الزوجين قدر الإمكان حرصاً على متانة بناء الأسرة والتزاماً بأسباب الدوام لهذا البناء فالأسرة هي أهم المؤسسات الاجتماعية لكن جهل الناس بطبيعتهم التلقائية قد أدى إلى شيوع شكوى الأزواج والزوجات في كل العالم من احباطات وارتباكات ورتابة وملل الحياة الزوجية مما جعل الهروب في مجتمعنا من البيوت إلى جلسات الأصدقاء ظاهرة متفشية وكذلك الخلافات الزوجية الحادة التي كثيراً ما تنتهي وما ينتج عنه من مشكلات كثيرة تمتد إلى المجتمع كله.. إن ظاهرة الطلاق بسبب الملل وفتور العلاقة هي ظاهرة عالمية واسعة الانتشار ولو علم الرجال والنساء أن طبيعتهم التلقائية هي التي تتسبب في هذه الرتابة وهذا الملل لكانوا أحرى بأن يتجنبوا هذه النهايات المأساوية إن انقلاب الحياة الزوجية الجياشة الحميمة إلى حياة رتيبة ثقيلة مملة هو أحد الشواهد المهمة التي تدعم صحة نظرية تلقائية الإنسان فهو يمل من المكرر مهما كانت روعته فدماغه يتكيف بمرور الوقت فلا يثيره ويسعده ويبهجه إلا ما كان طارئاً عليه وهذه النتيجة هي التي تهمني في الدرجة الأولى لأن إثبات هذه النظرية يترتب عليه نتائج كبيرة في مختلف المجالات الإنسانية وأهمها مجال التنمية والتعلم والتعليم واكتساب المهارات المهنية والفكرية والمهارات الاجتماعية ومهارات الحياة المتنوعة أما عن رتابة الحياة الزوجية فإن الناس حين يعلمون بأن الارتباكات الشديدة التي تصيب مؤسسة الزواج والرتابة المحبطة والملل الملازم وغيرها من المنغصات تعود إلى طبيعة الإنسان التلقائية فإنهم سوف يكونون أقدر على التكيف معها والتلاؤم مع متطلباتها والتعامل الواعي مع المشكلات الناجمة عنها.. إن ظاهرة الطلاق بسبب الملل وفتور العلاقة هي ظاهرة عالمية واسعة الانتشار ولو علم الرجال والنساء أن طبيعتهم التلقائية هي التي تتسبب في هذه الرتابة وهذا الملل لكانوا أحرى بأن يتجنبوا هذه النهايات المأساوية إن المقبل على الزواج سواء كان فتى أم فتاة يندفع للزواج بحثاً عن حياة زاخرة بالفرح والبهجة والإثارة والحب والسعادة ويريدها أن تأتي بذلك كله وأن تبقى بتمامها في الحياة الواقعية وتستمر مطابقة للتصورات التي كانت تملأ خياله إن الفتاة تظل تحلم بزوج وسيم وكريم زاخر بالنبل ويفيض بالحب إنها قبل الزواج تشعر أن حياتها محصورة بالرتابة والجفاف وأنها مفصولة عن جزئها الآخر فتظل مشتاقة إلى ذلك الجزء المنفصل لتكتمل به وترتاح إليه فينتهي الجفاف وتدخل إلى عوالم عاطفية مليئة بالحب والإثارة والدلال والسعادة إن الفتاة وخصوصاً إذا كانت في مجتمع محافظ تشعر أن حياتها الحقيقية لا تبدأ إلا بالزواج لأنها لن تحس بأنها باتت مستقلة إلا به فتصير في بيت يكون لها فيه الأمر والنهي وتصبح محور الاهتمام وبذلك تجد ذاتها الحقيقية أو هكذا ما كانت تتوقع حصوله إنها تبحث عن الاهتمام والحنان والحب والإصغاء والاطراء وتريد أن يستمر كل ذلك من غير فتور ولا تعرف أن تلقائية الإنسان تعيده إلى الانتظام في الرتابة كما أنها تنسى الأهمية البالغة للاستقرار العاطفي الذي يقتضيه انتظام الحياة.. أما الفتى فتختلف نظرته وآماله وتوقعاته ورغباته فهو في الغالب يكون متعطشاً للمرأة أيا كانت هذه المرأة فأحلامه أثناء مراهقته وقبل زواجه يغلب عليها الجانب الحسي إنه يعشق المرأة ويتلهف إليها إن هدفه الأول هو إطفاء اللهفة وإشباع الرغبة والوصول إلى ذلك الكائن الجميل والغامض والمثير إنه مدفوع برغبة عارمة إلى اكتشاف ذلك السر العميق والعجيب الذي تنطوي عليه المرأة مادامت بعيدة فهو يتخيله ولا يعرف طبيعته فما أن يتوفر له الاكتشاف وتتحقق له المعرفة حتى تتلاشى اللهفة وتنطفئ الإثارة ويسيطر الملل إن لم يدرك السبب ويتلاءم معه.. إن الفتى والفتاة كلاهما يفاجأ بعد مرور وقت ليس بالطويل بالرتابة المملة التي تغلف الحياة الزوجية لأن طبيعة الإنسان التلقائية المنتظمة تطفئ الإثارة الطارئة وتستعيد الإنسان إلى الرتابة والانتظام والملل فالإثارة في الغالب تكون عند الرجل مرتبطة بالجنس ومن البداهة أن الجنس رغم كل ما قيل عنه فإنه ليس سوى عامل واحد من عوامل السعادة الزوجية لكن هذا لا يمنع من الاعتراف بأن مسرات العلاقة الحميمة بين الرجل والمرأة من أقوى دوافع الحركة والنشاط والفعل ومن أشدها تأثيراً في بناء العلاقات أو هدمها بل إن مدرسة التحليل النفسي تعتبر الدافع الجنسي هو مفتاح الطبيعة البشرية وأنه الدافع المحوري المحرك للنشاط الإنساني وأنه المنبع لكثير من الدوافع الأخرى بما في ذلك الدوافع العليا العظيمة البانية في مجالات الفكر والعلم والعمل والانجاز والابداع وذلك بواسطة التصعيد والتسامي والإعلاء والتحويل... إن طبيعة الإنسان التلقائية تبقيه مأخوذاً بالانتظام والرتابة في كل أنماط نشاطه وفي جميع تجليات سلوكه لأن السلوك فيضان تلقائي مما تبرمج به فلا يخرج من الانتظام الدائم ويرتفع عن الرتاببة المستحكمة إلا بمثير تتناسب قوته مع قوة الانتظام ولأن الانتظام له أولوية مطلقة وهيمنة دائمة فإن الفرد لا يخرج منه بأي مثير إلا ليعود إليه بفقدان أو ضعف أو انطفاء مفعول المثير فالرتابة هي الحالة الطبيعية الدائمة أما الإثارة فهي الحالة الاستثنائية الطارئة العابرة... إن أي مقبل على الزواج من الفتيان والفتيات يكون مأخوذاً بأغنى الخيالات إشباعاً وأشد المباهج إثارة وتنوعاً واستمراراً ولكن طبيعة الدماغ الإنساني لا تسمح بتحقيق ذلك لأن هذه الطبيعة تتكيف مع المثير وتستوعب الموقف الجديد ثم تضيفه إلى الحالة التلقائية المنتظمة فالمثير يفقد بالتكرار قدرته على الإثارة أو تتضاءل هذه القدرة أو تنطفئ ولذلك فإن الزوجين يعتاد أحدهما على الآخر بسرعة فتنطفئ البهجة المتوقدة حتى الدافع الجنسي يضعف بالاعتياد والتآلف فتسود الرتابة ويهيمن الانتظام وتنطفئ الأشواق التي كانت ملتهبة وقد فطن لذلك شكسبير في إشراقة باهرة من اشراقاته المدهشة فهو الذي قال: «العسل شديد الحلاوة إلى درجة يصبح معها مراً فغزارة الطعم تفقدنا الذوق»!! فالإنسان لا يخرج من رتابة الانتظام إلا بمثير طارئ ثم يعود إلى الانتظام والرتابة فحتى حلاوة العسل تنقلب إلى مرارة بالتكرار الذي يطفئ قدرة التذوق فمهما تجدد المثير الطارئ ومهما كانت روعته فإن الإنسان يعتاد عليه سريعاً فيضعف الاحساس به بالإكثار منه ويخفت الدافع إليه بتكراره والاعتياد عليه فيرجع الوضع إلى الرتابة فيصاب الإنسان بالاحباط لأنه يجهل أسباب هذا الخمود أو هذا الضعف أو هذا الانطفاء فيحاصره ملل الرتابة ويفاجئه هذا الانقلاب فيهرب الزوج بانتظام من البيت إلى مجالس الأصدقاء ويصير البيت رمزاً للملل إنها نتيجة محبطة لكليهما وهذا هو الوضع السائد في الحياة الزوجية عند الأغلبية من الناس فالرتابة هي القاعدة أما استمرار الإثارة وتجدد التوقد فهو الاستثناء وينبغي التعامل مع هذا الانتظام بأنه إعلان لبلوغ الغاية وتحقق الاستقرار العاطفي وانتظام حياة الأسرة... إن الأصل في الحياة الإنسانية في مختلف مؤسساتها الفردية والاجتماعية والثقافية هو الرتابة والتكرار والاستقرار والانتظام والتلقائية أما الإثارة والاقتحام فحالات استثنائية طارئة إنها مطلوبة فقط سواء على المستوى الاجتماعي أو الفردي للتعلم والابتكار والتغيير والتطوير فالانتظام هو الأصل الدائم أما الإثارة فهي الاستثناء العابر فالأصل في الزواج أنه لبناء أسرة مستقرة ومنتظمة ونامية إنه مشروع العمر بطوله وهذا يتطلب الاستمرار والانتظام والاستقرار ويتنافى مع دوام الإثارة التي تستنزف الطاقة وتستهلك الوقت وتستنفد الاهتمام لكن الإنسان بطبيعته يسعى إلى اللذة ويطلب الاهتمام غير أن أي لذيذ مهما بلغ من الروعة والجاذبية والإغراء يفقد الكثير من لذته إذا تكرر ولنفس السبب يتلاشى الاهتمام بما كان مثيراً لأن الإنسان يتكيف معه ويعتاد عليه فلا يكون مثيراً له فيصير رتيباً ويصاب المرء بالملل لأن الملل هو البديل للإثارة إن الإنسان ينفر من التكرار ويضيق من الرتابة في الأمور اليومية ويمل من المألوف في مجال الرغبات الشخصية إنه يطلب اللذة ويريد استمرارها ويحرص على أن تبقى في نفس المستوى من الامتاع والإثارة غير أن هذا ليس ممكناً في الحياة الزوجية ولا تسمح به الطبيعة البشرية التلقائية فالتكيف والرتابة والتكرار والاعتياد مآل حتمي كما أن استمرار الإثارة ليس في صالح الحياة لأنه استنزاف للطاقة واستهلاك للوقت واستغراق للاهتمام في مجال سلبي وغير إنتاجي... إن العلم يؤكد ان انطفاء الإثارة بالتكيف والتعود هو نتيجة حتمية طبيعية لأنه كما يؤكد عالم النفس مارتن سليجمان فإن: «الخلايا العصبية مبرمجة بحيث تستجيب للأحداث الجديدة ولا تنفعل إذا كانت الأحداث لا تقدم معلومات جديدة» وهذا يعني ان المرأة التي كانت شديدة الإثارة والجاذبية قبل التكيف مع وجودها والتآلف معها والاعتياد عليها تفقد الكثير من الإثارة إذا باتت زوجة ملازمة فتتقلص الرغبة ويتلاشى الاهتمام لأنه تكرار للشيء ذاته فالتكرار يؤدي إلى التكيف والتآلف والاعتياد والرتابة وزوال أو ضعف الإثارة وبذلك يفقد الزوج ذلك المحرك القوي الذي يشده إليها وتفقد الزوجة ما كانت تتلقاه من اهتمام وتدليل وإطراء ولكنهما لو أدركا السبب البيولوجي لهذا التحول لتكيفا معه دون غضب ولا تلاوم فإذا كانت الإثارة مطلوبة ثقافياً وحضارياً من أجل الابتكار والتغيير والتطوير فإن الاعتياد مطلوب من أجل الانتظام والاستقرار والانتاج ويسر الأداء فلا إنتاج إلا بانتظام فلو استمرت الإثارة في مجال اللذة الخالصة لما كان في صالح الحياة لأن الحياة تقتضي الانتظام فاستمرار الإثارة والانغماس في اللذة هو استنزاف للطاقة وصرف للإنسان عن ايجابيات هذه الطبيعة البشرية... ومما يؤكد أن ظاهرة الملل والانصراف أو الانطفاء هي نتيجة حتمية بالتكيف والاعتياد والتآلف والانتظام ان هذه النتيجة عامة في كل الآمال والرغبات والطموحات فوقائع الحياة تؤكد أن أي شيء مرغوب تكون البداية معه مدفوعة برغبة قد تكون جامحة ولكن كل ذلك يتبخر بالتحقق والاعتياد والتآلف والانتظام فيسود الملل ويصاحب الملل جوع إلى الإثارة ولكن مهما تكررت الإثارة فإنها تنطفئ وتحل محلها الرتابة والملل لأن الانتظام هو الأصل في الحياة الإنسانية فالرغبة وسيلة تحريك ودافع عمل وحافز نشاط وليست هدفاً ولا غاية فإذا اكتشف الإنسان هذه الحقيقة فسوف يتوقف عن الركض خلف اللذة المحضة التي تستنزف الطاقة وتبدد الاهتمام ويستثمر طاقة الملل وجموح رغبة الإثارة ويتسامى بها ويحيلها إلى مجالات الفكر والعلم والعمل والابتكار والابداع فيحرص على إِثراء عقله وبناء أخلاقه وتكوين المهارات اللازمة له وتطوير ذاته إلى الحد الأقصى وهذا هو الكسب الحقيقي العظيم للأفراد والمجتمعات والإنسانية أجمع... إن الطبيعة الأساسية للإنسان هي تلقائية الانتظام المستقر والثبات الدائم ومهما أثير الفرد فإنه يتكيف بمرور الوقت مع المثير فيعود إلى الانتظام والرتابة وقد أصبحت هذه الحقيقة معروفة علمياً كما أكد ذلك العالم مارتن سليجمان وغيره إن تلقائية التكيف مع أي واقع والانتظام عليه هو الذي أبقى الإنسانية عشرات القرون تجتر خرافاتها ومستسلمة لأوهامها ومغتبطة بالأوضاع السائدة فيها وهو أيضاً السبب في عجز المجتمعات المتخلفة في هذا العصر عن مبارحة الانتظام في التخلف كما أنه السبب في بقاء الأفراد في كل المجتمعات مغتبطين بما تبرمجوا به في طفولتهم مهما كان محتوى هذا التبرمج فهم يبقون منتظمين تلقائياً بهذه البرمجة التي تشرَّبوها تلقائياً كما أن تلقائية الانتظام هي السبب في رتابة الحياة الزوجية.. إن الرجل في الحياة الزوجية يتنازعه عاملان قويان متعارضان فطبيعته التلقائية التي تميل إلى التعود والانتظام تجعله بعد أن يعتاد على الحياة الزوجية يصاب بالفتور والملل وفي الوقت نفسه فإن الدافع الجنسي يستمر فيتوهم نقصاً في جاذبية زوجته ويظن أن الأخريات أفضل فهو يجهل السبب فيظلم زوجته ويضايق نفسه فيكفُّ تلقائياً عن الاهتمام القوي بزوجته ويتوقف عن التدليل لها ومن هنا تأتي المفارقة المزعجة والملل الشائع والخصومات الزوجية بأسبابها الخفية أما المطلوب من الفرد فهو أن يتسامى بهذه الطاقة ويحيلها إلى طاقة مستطلعة مستكشفة بانية مبتكرة أما إذا لم يتحقق الارتقاء بهذه الطاقة الجياشة فإن الحياة الزوجية يعتريها الكثير من المشاكل فالرجل يريد استمرار الإثارة والانجذاب بنفس مستوى اللقاء الأول والمرأة أيضاً تريد استمرار الاهتمام واللهفة ويجهل الزوج ان طبيعته التلقائية وميله التلقائي إلى التكيف مع أي مثير ينزع من زوجته قوة الإثارة التي كانت لها قبل التعود عليها فيتقلص اهتمامه بها ويتلاشى تدليله لها ويختفي ثناؤه المتكرر عليها فيصاب كل منهما بالاحباط فالإثارة القوية الدائمة والاهتمام المستمر ليسا ممكنين في الحياة الزوجية الرتيبة فالإثارة الدائمة تتعارض مع جدية الحياة ومع متطلبات العيش ومع انتظام الأسرة لذلك يرى جورج باتاي بأن: «الحياة قد صنعت من جزءين متنافرين لا يتحدان أبداً أحدهما عاقل يظهر في الوعي وأما الآخر فصاحب السيادة يختفي عن الوعي» فالزواج والانتظام عليه والتكيف معه يعني الاعتياد على العيش برتابة وانتظام ومن غير إثارة تلقائية جياشة وهو يعني أيضاً أن تفقد الزوجة ما كان يغمرها به الزوج من اهتمام متوقد وتدليل منعش!! فعليهما أن يدركا بأن هذا الانتظام هو إعلان للثبات والاستقرار وهو يعني بأن ينصرفا للأمور الحيوية وينشغلا بالاهتمامات الجادة من أجل التعلم والعمل وتنمية الحياة والحصول على الرزق وتحصيل المعارف والتشبع بالمهارات والاسهام في بناء الحضارة.. إن الانتظام التلقائي شرط لقيام واستقرار المجتمعات الإنسانية ولولا قابلية الانتظام لدى الناس والمعايير المنظمة لهذا الانتظام والسلطات الاجتماعية القائمة عليه لصارت الحياة فوضى فظيعة فإذا كان وجود السلطة السياسية في أي مجتمع هو شرط انتظامه واستقراره وحماية الناس بعضهم من بعض وتوفير الأمن والخدمات العامة للجميع ومنع الفوضى وتنظم النشاطات لتكون في الصالح العام فإن وجود الأسرة أيضاً وانتظامها والالتزام بما تقتضيه من غياب للإثارة ومن خصوصية ورتابة وانتظام هو من ألزم الأمور الإنسانية فتستبدل الإثارة المستنزفة بالعمل المنتج المصحوب بالوفاء والاخلاص والمشاركة والاحترام وتكامل النشاط وتناغم في الاهتمامات وتعاون على أعباء الحياة وتقاسم للمسؤوليات إن هذا هو الأساس للوجود الاجتماعي بأكمله فالنظام السياسي ليس خيراً محضاً وإنما خيراته ومنافعه ومزاياه وايجابياته تفوق ما ينتج عنه من قيود ومضايقات ونقائص وسلبيات ومثل ذلك يقال عن نظام الأسرة ومؤسسة الزواج فالذين يتوهمون أن الزواج خير محض ويقدمون عليه مأخوذين بهذا الوهم لن يستطيعوا التلاؤم معه ولا تحمُّل تبعاته ولا النهوض بمسؤولياته ولا الصبر على رتابته ومن هنا يكثر الشجار وتشيع خيبة الأمل وتتفاقم ظاهرة الطلاق فالكل يعتقد أنه لم يجد ما كان يتوقعه ولم تتحقق له البهجة الدائمة المثيرة التي كان يتوهم أنها سترافقه طول عمره... هكذا هي الحياة الإنسانية لا شيء من غير ثمن ولا ربح في جانب من دون خسارة في جانب آخر لذلك فإن الأحكام تبنى على التغليب والترجيح وليس على الخير المحض ولا الشر المحض هذا من ناحية أما من ناحية أخرى فإن الناس لو أدركوا أن الاعتياد على الحضور الدائم للطرفين والتعايش المنتظم لابد أن يؤدي إلى الرتابة وغياب الإثارة وليس إلى غياب الحب لتعاملوا مع هذا الواقع الحتمي الطبيعي بترحيب وانشراح لثقتهم بأنه لا يدل على اهتزاز الحب ولا على تغيُّر المشاعر وإنما هو عودة تلقائية إلى الانتظام إنه حركة تلقائية واستجابة عفوية للطبيعة البشرية...