من البشر من تحطمت صورته في عيني وتناثرت شظاياها، وبات من الصعب والعسير، إن لم يكن من المستحيل نفسيا ومعنويا أن أجمع هذه القطع المتناثرة، في محاولة لإعادة تركيبها، على نحو ما يفعل الصغار في ألعابهم التي يشكلون من خلالها صورا للكائنات، ثم يبعثرون أجزاءها، ويعيدون تركيبها مرة أخرى، فكرامة المرء، ورجولته، تأبى أن تصر على مشاهدة المتحطمة صورهم خوفا على الإحباط المنقول منهم، فليرحلوا عن كوننا الأنيس، ولا بد من مقابلتهم بتجاهل أكثر صلابة، فكما يقال في قوانين الفيزياء: لكل فعل رد فعل، مساو له في المقدار. وكم لدينا من أناس نعتز بمحبتهم وأخوتهم، نبادلهم نفس المشاعر والأحاسيس، بل ربما نمدهم بأكثر مما يمدوننا به، فالله جل شأنه قد خلق البشر أصنافا وأنواعا، منهم من تظل صورته أمام عيون الآخرين ثابتة، لا تتغير ولا تهزها الريح، ولا تغرها الدنيا بما فيها، يسعى أصحابها بذكاء بالغ إلى انتزاع محبة الآخرين، بالود، وبالتقرب، دون عجرفة أو تكبر، بينما نقابل صنفا آخر يتفننون في فقد الأصدقاء، وإقامة الحواجز بينهم وبين الآخرين، بل ويعمدون إلى جرح مشاعرهم، بالتعالي عليهم تارة، وبتجاهلهم تارة أخرى، ونسيان كل جميل ويتمسكون بقشور السلب. وربما أشر من هؤلاء جميعا ذلك الصنف الذي يدوس المحبة بنعليه، بل ربما رأى في هذين النعلين قيمة تعلو على قيمة العلاقة بينه وبين الآخرين، فلا يهمه اتصال الود، ومراعاة المشاعر، ظانا وهو حتما على خطأ أنه يعيش على سطح كوكب آخر، يمتلكه، ويتصرف في أرجائه كيف يشاء، ولا يدري أنه لا يستطيع العيش دون المحبين. عجيب بحق أمر هؤلاء، فهو إذا فتح الله تعالى عليه بنعم الدنيا، تلك النعم التي ستزول يوما، اعتقد أن بإمكانه أن يعيش بمفرده محتضنا أمواله وعقاراته، يناجيها، يسامرها، فهي الصديق والرفيق، متوهما أن المحبين والأخلاء ليسوا إلا منتفعين ومستفيدين، وإلا عدم الحب والإخاء. تدبرت هذه الأصناف كلها، ووجدتها قائمة بالفعل في حياتنا، بل إنني شخصيا قابلت وعرفت العديد منها، واكتويت بجحود من كنت أظن أنهم من الأوفياء، كدت أفقد الثقة في هذا الزمان المتلون، لولا وجود أحباء وأوفياء آخرين صامدين بعيدين عن الشك والريبة، ثم إنني أدركت كم كان القدماء على حق حينما اعتبروا أن «الخل الوفي» هو أحد ضروب المستحيل في هذه الحياة. لكني لم أفقد الإيمان بعد، بأن الله تعالى كما خلق الأشرار قد خلق الأخيار، وكما زرع في نفوس البعض كبرا وغطرسة وجحودا ونكرانا، ملأ قلوب الكثيرين تواضعا ورقة وليونة وحبا. تلك مشيئة الله تعالى في خلقه، ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، وما على المرء إلا أن يحسن الانتقاء، في كل شيء، انتقاء المأكل والمشرب والملبس، والصديق أيضا. نعم، الأوفياء في زمننا هذا قلة، مقارنة بالنقيض، لكننا لن نعدم وجودهم، والمطلوب منا فقط أن نحسن الاختيار، وأن نتذكر دائما أن الله تعالى قد خلق النفس البشرية وألهمها فجورها وتقواها، وحقا: قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها، فلنعمل بكل جهودنا من أجل تزكية أنفسنا: والذي نفسه بغير جمال لا يرى في الوجود شيئا جميلا فتمتع بالصبح ما دمت فيه لا تخف أن يزول حتى يزولا والله المستعان [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 177 مسافة ثم الرسالة