المعوق الرابع من معوقات السعودة في المنشآت الصغيرة هو تعقيد الإجراءات الحكومية وتضارب بعض قوانينها، وهذا يعتبر سببا رئيسيا لخروج الكثير من المنشآت من السوق، بل يمثل تهديدا رئيسيا لموظفي هذه المنشآت. يعاني أصحاب المنشآت الصغيرة -المنشأة التي تبيع أقل من عشرة ملايين سنويا- من جبل جليدي ضخم يتمثل في وزارة العمل، فقانون وزارة العمل المكتوب والمعلن عنه جميل وعظيم وعادل، إلا أن المعضلة الكبيرة في التنفيذ على الأرض. فإن كنت تحتاج إلى تسعة عمال أو أقل في منشأتك، يشترط عليك توظيف سعودي واحد، وقد يكون هذا السعودي هو أنت، وإن زاد ما تحتاج إليه على عشرة موظفين، فتستطيع استقدامهم شرط المحافظة على نسبة سعودة لا تقل عن 10 في المائة. كل هذا جميل، ولكن إذا نفذ على أرض الواقع! فإن وظفت سعوديا واستقال بعد شهرين فستوقف التأمينات الاجتماعية خدماتها عن منشأتك بإيعاز من وزارة العمل، وستتهم بالسعودة الوهمية - مع أنه من مصلحتك بقاء الموظف حتى يتم احتسابه في نسبة السعودة - وهو اتهام غريب جدا، فكيف لي أن أتحكم بالموظف بألا يستقيل إن وجد فرصة أخرى أفضل؟ المهم، لو لم يترك الموظف السعودي العمل، ستذهب لمكتب العمل لتقدم أوراق الاستقدام، إلا أن أكثر من 90 في المائة من الطلبات المستوفية للشروط لا يوافق عليها من قبل مكتب العمل، لأن المراقب لا يكون مقتنعا بأنك تحتاج إلى ثمانية عمال مثلاً، فيوافق على ثلاثة أو أربعة! ولو سألته لماذا؟ سيقول هذه قناعتي! إن نسبة معاناة المنشآت الصغيرة مع وزارة العمل كبيرة. أما بالنسبة لتضارب وتداخل سلطات بعض الدوائر فحدث ولا حرج، فبينما تشترط وزارة الصناعة ألا يقل حجم المصنع خارج مدن عن 400 متر مربع، تشترط البلديات ألا تقل المساحة عن 1000 متر مربع، ولا تمنح ترخيصاً إلا باسم معمل مع عدم اختلاف النشاط، مما يحرم صاحب المصنع من الكثير من المزايا مثل تأييد العمالة والإعفاء الجمركي. اليوم يتحايل كثيرون من أصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة على السعودة وقوانين مكتب العمل لأنها لا تستطيع البقاء إذا نفذت هذه القوانين، وهذا ليس لأن أصحاب هذه المنشآت أشرار أو لا يحبون وطنهم، بل لأن قوانين وزارة العمل تصطدم بأبسط قواعد الاقتصاد الحر، فهم يتحايلون على عدم منطقية القوانين لا على مبدأ القانون نفسه، وإذا أردنا التصحيح فلابد أن نبدأ بدراسة هذه القوانين التي يصطدم بها مجموعة كبيرة من الناس قبل عملية التصحيح. الاقتصاد ينظم بالاقتصاد وقوانينه، لا بفرض وجهات النظر التي تصطدم مع روح الحركة الاقتصادية. فعند اصطدام إدارة المنشأة بعقبة تعقيد الإجراءات الحكومية وتأثر عمليات الشركة ووضعها المالي بهذه العقبات، فإن تسريح الموظفين سيكون أحد الخيارات المطروحة أمام إدارة المنشأة. إذا كانت وزارة العمل تستهدف حل مشكلة البطالة حقاً، فلتحدد حدا أدنى للأجور للجميع، سعوديين وغير سعوديين، عندها فقط، ستستطيع الوزارة تخفيض معدلات البطالة بين السعوديين، وستكون التكلفة موحدة على جميع المنتجين في أي صناعة. عدا ذلك، لن تساهم الوزارة في حل المشكلة، بل ستساهم في استفحالها.