رأى محللون اقتصاديون ورجال أعمال أنّ السعودة وتوطين الوظائف ليست مهمة وزارة العمل وحدها، وإنما مهمة مؤسسات الدولة مجتمعة، بعد نجاحها في تعزيز مبدأ السعودة في الأسواق، عبر استراتيجية عامة، وحددت البرامج والأهداف، مؤكّدين على أنّ استراتيجية التوطين لابد أن تتغيّر من وقت لآخر، لمواكبة متطلبات العصر ومستجدات السوق، مشددين على أهمية الاعتناء ببرامج التدريب والتأهيل دون سواها لتعزيز التوطين، مبدين استياءهم من توظيف المواطن في القطاع الخاص، بقوة الأنظمة والقوانين وفرض العقوبات على المتقاعسين من أرباب العمل. واتفق الجميع على أنّ جزءاً من الشباب السعودي يستطيع أن يثبت نفسه في العمل الحر بعيداً عن وظائف القطاعين العام والخاص، موضحين أنّ هناك برامج كثيرة لتحفيز الشباب على هذا التوجه، ولكنها غير كافية، مطالبين بإنشاء هيئة عليا للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، تشرف على هذه البرامج، وتعمل على إيجاد الدعم المستمر أصحابها من الشباب في جميع المراحل، حتى لا تتعرقل مسيرتهم، أو تتوقف انطلاقتهم. قرارات وزارة العمل «لا يختلف عليها اثنان» في خفض نسبة البطالة ويبقى الأهم المشاركة في صناعة السوق دعم المبتدئين وذكر "صالح العجاجي" -محلل اقتصادي- أنّ الشاب السعودي قادر على إثبات نفسه في العمل الحر أكثر من عمله كموظف براتب ثابت في أي وزارة أو مؤسسة في القطاع الخاص، منوهاً أنّه إذا كانت وزارة العمل تركز على توظيف المواطن في القطاع الخاص، فيجب عليها أن تهتم بدعمه إذا اتجه للعمل الحر، وأن تساعده على افتتاح منشأته الخاصة، بمجموعة من المحفزات الحقيقية، إلى أن يثبت نفسه كرجل أعمال مبتدئ، وعندما يصل إلى هذه المرحلة، فيمكن أن تطالبه الوزارة بسعودة بعض الوظائف في منشأته، معتبراً أنّ هناك تناقضاً واضحاً بين ما تصدره وزارة العمل من برامج وقرارات تهدف لتعزيز مكانة العمالة الوطنية في سوق العمل، وبين توجهات الدولة التي تصب في القضاء على البطالة. وأضاف أنّه في الوقت الذي تشجع فيه الدولة الشباب على افتتاح منشآت صغيرة يعملون فيها؛ نجد أنّ وزارة العمل تتبنى برامج مماثلة عدة لتوطين العمالة في سوق العمل، من بينها برنامج "حافز"، و"نطاقات"، الذي يعاقب المتقاعسين من أرباب العمل عن توظيف السعوديين بنسب معينة، معتبراً أنّ الضوابط التي أصدرتها وزارة العمل لترسيخ السعودة في المنشآت الصغيرة والمتوسطة ضيقت على التي تزيد فيها العمالة الوافدة عن النسب المحددة، وهذا الأمر أربك العمل فيها، وأغلق عدداً كبيراً منها؛ لعدم مقدرتها على المواصلة في هذه الأجواء، مستدركاً: "يبدو أن الوزارة لم تلتفت لهذا الأمر، ولم تنتبه إلى أنّها بهذه القرارات أجبرت مئات المنشآت الصغيرة على الإغلاق وترحيل العمالة الوافدة، وتسريح العمالة الوطنية، وهذا لا يتوافق مع الأهداف التي تسعى لها الدولة، رغم قرار وزارة العمل بإسقاط رسوم رخصة العمالة البالغة (2400) ريال عن العامل الواحد، إلاّ أنّ ذلك لا يكفي أبداً". صالح العجاجي وأشار إلى ضرورة أن تعي وزارة العمل أنّ هذه المنشآت ترجع لسعوديين أرادوا أن يثبتوا أنفسهم كرجال أعمال مبتدئين في سوق العمل الحر، بعيداً عن العمل كموظفين في شركات القطاعين الخاص أو العام، وهذا يتطلب من الوزارة أن تقف بجانبهم، وتدعم منشآتهم باستثنائهم من القرارات والبرامج التي تصدرها لتنظيم سوق العمل -على الأقل في البداية- موضحاً أنّ جهود الدولة لتعزيز السعودة ودعمها في سوق العمل، تتطلب أن يكون الدعم مستمراً ومتواصلاً في مراحل تأسيس المنشآت الصغيرة والمتوسطة، مع الوضع في الاعتبار أنّ السعودة ليست مسؤولية وزارة العمل وحدها، أو مسؤولية القطاع الخاص، وإنما مسؤولية الدولة بجميع مؤسساتها، معتبراً أنّ القطاع الخاص مظلوم في تحميله جزءاً كبيراً من مسؤولية تلك السعودة، داعياً إلى محاربة ظاهرة التستر في سوق العمل، التي أربكت السوق وأوجدت منافسة غير عادلة بين العمال الوطنيين من جانب، والعمالة الوافدة التي تستحوذ على غالبية الأعمال والأنشطة في السوق، ولم تترك سوى القليل لأبناء الوطن. معاناة الشباب واعتبر "فضل البوعينين" -المحلل الاقتصادي- أنّ ما يتم تداوله من تسهيلات ومحفزات لتشجيع الشباب السعودي على إثبات ذاته بافتتاح منشآت صغيرة خاصة به، يبقى حبراً على ورق، خاصةً إذا علمنا أنّ هذا الشاب غالباً ما يصطدم بمعوقات عدة، تعطل مسيرته، وتوقف تقدمه في هذا الشأن، مبيّناً أنّ الشاب يستغرق قرابة ثمانية أشهر للحصول على التصاريح الرسمية التي يحتاجها لافتتاح منشأته، حيث يحدث هذا في الوقت الذي تؤكّد فيه جهات حكومية أنّها قلصت فترة الحصول على التصاريح إلى يوم واحد أو بضع ساعات، مستدركاً: "للأسف لم نستشعر هذا الأمر على أرض الواقع!". وأضاف أنّ الأمر لم يتوقف على معاناة الشباب في الحصول على التصاريح المطلوبة لافتتاح المنشأة الخاصة، وإنما يمتد إلى عدم وضوح الرؤية أمام هذا الشاب فيما يجب فعله من خطوات وإجراءات تمهد الطريق لافتتاح المنشأة التي يحلم بها، فلا توجد قائمة بالأشياء المطلوب توفيرها لافتتاح المنشأة، تجارية كانت أو صناعية، فيصطدم بطلبات عدة، واشتراطات لم يكن على علم بها مسبقاً، ولم تخطر له على بال، وقد يخضع هذا الشاب لجملة من النصائح والإرشادات الخاطئة من بعض المجتهدين الذين قد يسببون له مشكلات هو في غنى عنها، موضحاً أنّ معاناة الشاب تتواصل بعد الحصول على التصاريح اللازمة، وبدء العمل في منشأته، إذ يصطدم مرة أخرى ببيروقراطية الإجراءات، للحصول على الدعم المطلوب من المصارف أو مؤسسات التمويل، ثم يتفاجأ بمعاناة من نوع خاص، عندما يطلب استقدام عمالة وافدة، تعينه على أداء مهام منشأته، فلا تلبي له وزارة العمل رغبته، وقد تمنحه نصف العدد الذي يريده". وأشار إلى ضرورة إنشاء هيئة عامة تتولى رعاية المنشآت الصغيرة والمتوسطة، مطالباً بأن يكون لهذه الهيئة صلاحيات لتحديد احتياجات هذه المنشآت من الدعم المالي والفني والعمالة الوافدة، موضحاً أنّ (40%) من الشباب السعودي من خريجي المعاهد الفنية، وغالبية هؤلاء فشلوا في إيجاد وظائف لهم في شركات القطاع الخاص، ويبدو أنّهم مؤهلون أكثر لافتتاح منشآت خاصة بهم، معتبراً أنّ استراتيجية وزارة العمل لا تصلح للعناية بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة، خاصةً أنّ لوزارة العمل أهدافها العامة في توطين الوظائف، وللمنشآت الصغيرة والمتوسطة متطلباتها، التي لا تتحقق إلاّ بوجود هيئة عامة، تعمل وفق دراسات ميدانية، وتحدد الأدوات والوسائل التي تعزز مكانة هذه المنشآت في سوق العمل، مؤكّداً أنّ العديد من المنشآت الصغيرة نجحت في سوق العمل؛ لأنّها حظيت بقدرات وخبرات أصحابها، فيما فشلت منشآت أخرى، بسبب الظروف والإجراءات والبيروقراطية التي لازمتها. تغيير المسار وأكّد "عبدالرزاق العليوي" -رجل أعمال- أنّ الشاب السعودي قادر على إيجاد وظيفته بنفسه ولغيره أيضا، إذا تهيأت له الظروف لذلك، موضحاً أنّ وزارة العمل تستطيع أن تغير استراتيجيتها في مسألة السعودة، وأن تتوقف عن إصدارا القرارات والأنظمة التي عنوانها الأبرز التوعد والتهديد لشركات القطاع الخاص المتقاعسة عن تنفيذ برامج السعودة، وتستبدل هذه الاستراتيجية ببرامج تعزز مكانة السعودي في سوق العمل، ليكون مرغوبا أكثر لدى القطاع الخاص، مشدداً على أنّ جزءاً كبيراً من العمالة الوافدة التي تعمل في المملكة حالياً، لا تتمتع بالخبرات المطلوبة، وليست مدربة بما فيه الكفاية لتولي مهام وظائف معينة، مستدركاً: "أعتقد أنّ ما تملكه هذه العمالة، هو حب العمل والرغبة في الكسب وتعزيز الربح الذي تحصل عليه، ولذلك لا تمانع هذه العمالة في القبول بأي أعمال تُعرض عليها، وتجتهد في أداء مهامها، حتى لا تفقد وظائفها، وهذه الثقافة يجب أن ننقلها إلى العمالة الوطنية، ونرسخها فيهم". وأضاف أنّ كلمة السر في سعودة الوظائف في سوق العمل السعودي، تكمن في التدريب، موضحاً أنّه إذا أردنا أن نحقق ما نصبو إليه، يجب أن نعترف بالأمر الواقع، ونواجه مشكلاتنا بنوع من الصراحة والشفافية، وأول ما يجب أن نعترف به أن شبابنا غير مدرب بشكل كاف، معتبراً أنّ برامج التأهيل المعدة له غير جيدة، ولم تسفر عن جيل مؤهل لسوق العمل، في الوقت نفسه يوجد عمالة وافدة أفضل حالاً من ناحية التدريب والتأهيل كثر عليها الطلب في سوق العمل، وفشل القطاع الخاص في الاستغناء عنها؛ لأنّها تؤدي دوراً مهماً وحيوياً لا تسده العمالة الوطنية؛ مما يوجب إعادة النظر في برامج التدريب والتأهيل. الأنظمة واللوائح وبيّن "علي آل سرور" -رجل أعمال- أن هناك ضرورة ملحة لوجود آلية محددة لدعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، تسير بشكل منظم، وتعمل بالتوازي مع تنمية مهارات السعوديين، حيث انّ تغيير دفة اهتمامات وزارة العمل وتعديل استراتيجيتها يعزز أهدافها العامة في توظيف أكبر عدد من العمالة الوطنية في القطاع الخاص، لافتاً إلى أنّه من الخطأ أن يتم توظيف الشاب السعودي بقوة القانون والأنظمة واللوائح التي تهدد وتتوعد أرباب العمل في القطاع الخاص إذا لم يطبقوا السعودة فستتخذ في حق منشآتهم العديد من العقوبات، معتبراً أنّ هذا ليس حلاً لمشكلة البطالة، بل إنّه عيب في حق المواطن السعودي الذي يتم فرضه على القطاع الخاص، وكأنّه عمالة زائدة يجب على القطاع الخاص أن يرضى بها وإلا تعرض للعديد من العقوبات!. وقال إنّه من الضروري أنّ تعيد وزارة العمل صياغة استراتيجية السعودة، وتدخل عليها تعديلات جذرية تتماشى مع العصر وتواكب الأحداث، إذ لابد أن يقبل القطاع على توظيف المواطن السعودي رغبةً منه في استثمار خبراته وكفاءته في تطوير أعماله، وأن تتنافس شركات هذا القطاع على توظيف المواطن بأعلى الرواتب والمكافآت للفوز بخدماته، وليس براتب يبدأ بثلاثة آلاف ريال كحد أدنى حددته الوزارة!، مضيفاً أنّ هناك العديد من الأفكار قدمت بخصوص دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى تنمية مهارات وتدريب السعوديين، الذي سيساهم بشكل فعال في زيادة الطلب عليهم وتوظيفهم برواتب مناسبة، مبيّناً أنّ البعض يغفل أنّ مكتب العمل له دور مكمل للعديد من الجهات الأخرى التي لها اليد الطولى في تقديم الدعم، فعلى سبيل المثال تدعم البنوك المنشآت الصغيرة والمتوسطة وتضع هامش ربح بنسبة (1%)، حتى تعطى للمنشآت الفرصة في تنمية قدراتها وجعلها تدخل سوق المنافسة، ومع ذلك يخرج المسؤول ليؤكّد أنّ هناك برامج تمويلية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، وفي الحقيقة انّ هذا النظام يعطي البنوك هيمنة وسيطرة وتحكماً في مصير صاحب المنشأة وضرره يكون أكبر من نفعه. وأضاف أنّ الدعم المالي للمنشآت الصغيرة في البداية أمر مطلوب، وعندما يشتد عودها سيتوقف الشباب عن الاقتراض من البنوك، وعندما تنجح برامج تدريب وتأهيل السعوديين سيحلون محل العمالة الوافدة في المنشآت، التي ستكون قادرة في المستقبل على إيجاد المزيد من الوظائف لأبناء الوطن، ولكن الأمر الواقع مخالف لما نطمح إليه، حيث إنّ الشباب الآن يقع ضحية كل هذه المعوقات، فما بين مطرقة وزارة العمل وسندان القرارات التي تصدرها يتعثر الشاب ولا يستطيع النهوض، فالقرارات الفجائية التي تصدر كساند وكرخصة العمل (2400) ريال وغيرها تؤثر سلباً على المنشآت، وتأكل مداخيلها، بل وربما تأكل من رأس المال، متسائلاً: كيف يكون صاحب المنشأة مطالبا بالمساهمة في تعزيز الاقتصاد الوطني وهو يعجز عن تعزيز نفسه؟ علي آل سرور عبدالرزاق العليو قرارات وزارة العمل ساهمت في خفض نسبة البطالة بين الجنسين المرأة نجحت في حجز مواقع العمل في السوق ولكن بحاجة إلى نقل وحضانة الأطفال