في ظل حالة الحراك الجارية حاليا والسعي الحثيث من قبل وزارة العمل للدفع مجددا ببرنامج السعودة والبحث عن حلول واقعية لحل مشكلة البطالة وتوطين الوظائف، أعلنت وزارة العمل الأحد الماضي عن برنامج تحفيز المنشآت لتوطين الوظائف «نطاقات»، ومع إيماني بحرص الوزارة على تلافي أخطاء الماضي لضمان نجاح البرنامج الجديد، ومن باب {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}، فأود التعرض لمقالين سبق أن نشرتهما بجريدة «اليوم» شهر أغسطس الماضي، تحت عنوان « السعودة كما ينبغي أن تكون». قلت فيهما إن السعودة فشلت لأنه تم الترويج لمفهومها على أنه إحلال موظف سعودي محل موظف غير سعودي، وكان من الأجدى أن تضيف - الجهات المعنية بالسعودة - لذلك المفهوم «شرط أن يتمتع السعودي بنفس المهارات والقدرات والكفاءة»، لذا فإن السعودة لكي تتم كما ينبغي يجب على الجهات المعنية بالسعودة أن تعطي الأولوية لإكساب المواطن المهارة التي يتطلبها سوق العمل حتى لا يتذرع رجال الأعمال بأن الموظف السعودي غير مؤهل، وزارة العمل بمفردها لن تستطيع حل مشكلة البطالة وتوطين الوظائف، فالسعودة يجب أن تكون هدفا مشتركا للجميع، وزارة العمل والمواطنين والقطاع الخاص والجهات الحكومية الأخرى، وخصوصا المواطن، فيجب ألا يعتبر إعانة برنامج حافز حلا لمشكلته، ولا ينظر للسعودة على أنها طوق نجاة لانتشاله من البطالة لمجرد كونه مواطنا وإن كانت هذه الأولوية قد وضعها صندوق تنمية الموارد البشرية- الذراع المالية (التمويلية) لوزارة العمل- نصب عينيه عندما أطلق «برنامج ماهر» والعديد من البرامج والتي تهدف إلى زيادة عرض القوى العاملة الوطنية المتخصصة ذات التأهيل النوعي للعمل في القطاع الخاص وذلك من خلال توجيه طالبي العمل للالتحاق بالبرامج التأهيلية التي يحتاجها سوق العمل، فإن الأمر يستلزم زيادة دعم البرنامج وإطلاق برامج مماثلة وتوسيع نطاقها رأسيا- من حيث عدد ونوعية مجالات التدريب- وأفقيا –من حيث اتساع المساحة الجغرافية-، واقتراح إعطاء ميزات نسبية - يتم تحديدها لاحقا - لرجال الأعمال الداعمين للبرنامج والمتعاونين معه. وظني أن البرنامج الجديد قد أخذ في اعتباره تلك الملاحظات، بل وقدم رؤية أوسع وأكثر واقعية لضمان حل هذه المشكلة من الجذور، لا سيما أن معالي وزير العمل المهندس عادل فقيه أوضح أنه خلافا لنسب التوطين «السعودة» السابقة، التي حددت مسبقاً نسبة شبه موحدة لتوطين الوظائف بقطاعات العمل الخاص، فإن معدلات برنامج «نطاقات» واقعية ومستوحاة من واقع السوق، حيث تم مراعاة خصوصيات أنشطة وأحجام العمالة بالمنشآت، تلك الواقعية لاشك أنها ستغلق باب التحايل على قرارات الوزارة، ثم ستساعدنا لاحقا في تقييم موضوعي لفشل أو نجاح البرنامج. كذلك كانت لفتة ذكية من وزارة العمل تصنيف منشآت القطاع الخاص- عبر برنامج «نطاقات»- إلى ثلاثة نطاقات ملونة (الخضراء والصفراء والحمراء) حسب معدلات التوطين المحققة بتلك المنشآت بحيث تقع المنشآت المحققة لنسب توطين مرتفعة في النطاق الأخضر بينما تقع المنشآت الأقل توطينا في النطاقين الأصفر ثم الأحمر على التوالي، وثم وربط برنامج» نطاقات» تلك المنشآت بمصفوفة متدرجة من الحوافز والتسهيلات التي تتأهل لها المنشآت حسب معدلات توطين الوظائف بها، فمثلا سيتم حرمان المنشآت الواقعة في «النطاق الأحمر» من تجديد رخصة عمل العمالة الوافدة، كما ستمنح المنشآت الواقعة في «النطاق الأخضر» حرية انتقاء وتوظيف ونقل كفالة العمالة الوافدة من المنشآت الواقعة في النطاقين الأحمر والأصفر دون موافقة صاحب العمل. وختاما، لا شك أن هذه جهود طيبة، ولكن وزارة العمل بمفردها لن تستطيع حل مشكلة البطالة وتوطين الوظائف، فالسعودة يجب أن تكون هدفا مشتركا للجميع، وزارة العمل والمواطنين والقطاع الخاص والجهات الحكومية الأخرى، وخصوصا المواطن، فيجب ألا يعتبر إعانة برنامج حافز حلا لمشكلته، ولا ينظر للسعودة على أنها طوق نجاة لانتشاله من البطالة لمجرد كونه مواطنا، بل يجب عليه السعي قدر استطاعته لامتلاك المهارة التي يتطلبها سوق العمل حتى لا يتذرع أيا من كان بأن الموظف السعودي غير مؤهل للعمل. [email protected]