فقد الوطن وفقدت أسرة الجعفري الطيار بالأمس أحد رجالاتها الكبار الأفذاد الذين خصهم الله بفضيلة التواضع والكرم وحب خدمة الناس كل الناس دون تمييز، رجل خدم الوطن بكل تجرد وأمانة وصدق وإخلاص، الراحل عنا هو ابن العم الأستاذ عبدالرحمن بن عبداللطيف الجعفري والمعروف بيننا وفي المنطقة الشرقية «بأبي طارق»، الرجل الإنسان الذي قضى جل حياته في خدمة وطنه وأهله، تدرج في الوظيفة الحكومية إلى أن أصبح «مديراً عاماً لمكتب العمل في المنطقة الشرقية». كان رجلاً زاهداً في المظاهر لا يعشق الأضواء، يعمل بصمت لإحقاق الحق، في مكتب كان من أهم المكاتب الحكومية في المنطقة الشرقية، مكتب أحدث لتنظيم علاقة العمال بصاحب العمل، وفي الأساس كان لتنظيم علاقة عمال شركة الزيت العربية الأمريكية مع شركة «أرامكو» قبل وبعد أن أصبحت سعودية، وعاصر فيما بعد فترة شهدت تطور الأعمال وازدياد توظيف السعوديين وغير السعوديين في قطاع الأعمال المتنامي الذي صاحب ما شهدته البلاد من تطور وتنمية غطت مجالات الاقتصاد كافة. لقد كان أبو طارق رحمه الله الرجل الأمين على حقوق العمال والاجتهاد في تطبيق نظام العمل الذي جاء للحفاظ على حقوق العامل والدفاع عن مصالحه أمام صاحب العمل، وكان البديل لنقابات العمال التي تقوم بذلك الدور في المجتمعات الأخرى، كان أبو طارق مدركاً للدور المهم وللوظيفة التي انتدب للقيام بها في حفظ الحقوق وتطبيق النظام بعدل وأمانة، فكان خير مدافع ومنافح عن حقوق العمال، الجانب الضعيف في المعادلة. أبو طارق الإنسان كان محباً لعمل الخير والتورع عن إظهار ذلك الجانب الإنساني الجميل من شخصيته الفذة، بطبيعته كان يرى أن عمل الخير والبذل سر بين الخالق والمخلوق، لا يجب إظهاره أو التحدث عنه، وكان من الأوائل في البذل عند بروز الحاجة يتقدم مسيرة عمل الخير ويحث عليه. قد يكون في إجابته يوم سألته عن شخصية الأمير سعود بن جلوي رحمه الله، وعن شدته وما قيل عن نوع من قسوته وتسرعه في تنفيذ الأحكام، فقال لي: «لقد عملت عن قرب مع الأمير سعود نظراً لطبيعة عملي في مكتب العمل، وما وجدته هو أنه رجل يكره الظلم والكذب والرياء ويحب إحقاق الحق، وتنفيذ أحكام الشرع، ينفذ الأحكام الصادرة من القضاء ولا يتخطاها، مات وهو لا يملك حتى المنزل الذي كان يسكنه». هذا القول ينبئ عن شخصية فقيدنا، الذي لم يكن يتوانى في قول الحقيقة والبعد عن ترديد ما يشاع عن رجالات أفاضل عاصرهم. لقد حافظ على أن يكون له مجلسه الأسبوعي كل جمعة عامراً بقاصديه يستقبل ضيوفه ببشاشته المعهودة يسأل عن أحوال زواره ويستطلع أخبارهم، حتى بعد أن داهمه ضعف الذاكرة كان يغالبها بالصبر والحمد والشكر لله. رحل عنا أبو طارق في الواقع بجسمه الذي أضناه المرض، ولكنه خلف لنا ثروة بشرية منتجة ومحافظة على غرسه الذي غرسه بالحب والتضحية وخدمة الناس والوطن، ترك بنات فاضلات خادمات لدينهن ووطنهن، ورجالا أفذاذاً تشربوا بما رباهم والدهم عليه من محبة للخير وحب للوطن وبر بالوالدين وخدمة لأهليهم، وجميع من حولهم. كلمة أخيرة للمرأة الفاضلة التي رافقته في مشوار حياته فكانت خير شريك وخير رفيق في السراء والضراء، وكان يسميها «السيدة» وهي كذلك، لكِ يا أم طارق مني ومن العائلة جميعاً تعزية خالصة من القلب، جبر الله مصابك ومصاب أبنائك وبناتك وأحفادك ومصابنا جميعاً في أبي طارق. تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جناته.. «إنا لله وإنا اليه راجعون».