تحمل مناورات "رعد الشمال" العسكرية، التي تستضيفها المملكة العربية السعوية، عقيدة السلام العربية، ورسائل الحرب لمواجهة أعداء الأمة، في تعبير عن ميلاد القوة العربية الأولى في العصر الحديث. دلائل متعددة ل "رعد الشمال" لا تخفى على أحد، فالمنطقة - التي ظلت تحت الهيمنة عقوداً - تتحرر اليوم، وتؤسس لمجدها التليد، وترفع الراية العربية من على أرض مملكة العرب والمسلمين، وبقيادة خادم أقدس البقاع عند المسلمين، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أيد الله ملكه. "المنطقة تصنع تاريخها الحديث" هذه هي الرسالة، أما الغاية فهي بناء المستقبل بسواعد الأمة، وبحامية عربية إسلامية، لا تبتغي الحرب، لكنها تستعد لها، ولا تقبل إلا سلاماً عزيزاً، يبقي الجباه مرفوعة لا تنحني إلا لله عز وجل. "السعودية تصنع مجد الأمة" يقول عضو البرلمان الأردني المخضرم النائب خليل عطية، مضيفا : "منذ تولي خادم الحرمين الشريفين سدة الملك في السعودية، بدا واضحاً أن للأمة راية سترفع، وهامات ستنتصب مجدداً، في وجه أعداء الأمة والساعين إلى الهيمنة عليها، وما مناورات رعد الشمال إلا جزء من مشروع النهوض العربي، الذي طال انتظاره". ويرى النائب عطية، الذي استطلعت رأيه "اليوم" حول "رعد الشمال" أن "الأمة العربية، التي تتخذ من السلام عقيدة، تقترب يوماً تلو الآخر من امتلاك إرادتها الوطنية والقومية، التي فقدتها على مدى عقود عديدة، فيما تأتي المناورات لتكريس تلك الإرادة في قوة عربية - إسلامية". وينفي عطية أن تكون الأمة ساعية إلى الحرب، أو استعداء الآخر، كائناً من كان، لكنها "تستعد لتماديه، وتعد العدة لكف شروره، وحماية شعوبها، عبر ميلاد أول قوة عربية - إسلامية في العصر الحديث". ويبين عطية أن "رعد الشمال" تأتي متزامنة مع استغاثات الشعب السوري، الذي يُذبح كل يوم بآلات القتل الأسدية، ومن خلفها الفارسية والروسية، وكذلك يتزامن مع تمادي طهران على الأمة، وسعيها إلى الهيمنة عليها بمختلف الوسائل، وهو ما أدركت القيادة السعودية ضرورة ووجوب التحرك لمواجهته وقطع دابره". ويرى رئيس لجنة الشؤون العربية السابق في مجلس النواب بسام المناصير - وهو خبير في "الجغرافيا العسكرية" وضابط رفيع في الجيش الأردني - أن "مناورات رعد الشمال" تأتي - أولاً : ل "إعداد الجيوش العربية، ورفع كفاءتها العسكرية، وتعزيز قدراتها لمواجهة المخاطر التي تستهدف الأمة". ويضيف النائب المناصير، ل "اليوم" أن المناورات تؤسس - ثانياً - ل "عقيدة عسكرية مشتركة بين الجيوش المشاركة، تجعلها أكثر انسجاماً وتوافقاً حيال الأخطار والتحديات التي تستهدف المنطقة وشعوبها، وبما يمكنها بشكل جماعي من حماية الذات العربية والإسلامية، ونجدة الملهوفين ممن أصابهم الضيم". وثالثاً - وفق المناصير - أن المناورات تحمل "رسالة واضحة للأطراف الإقليمية والدولية، وتحديداً لنظامي طهران ودمشق، اللذين يثيران أكثر الصراعات دموية في المنطقة والعالم، وهي رسالة الاستعداد والتأهب، والتحذير من التمادي، خاصة في ظل محاولات طهران اختطاف سوريا كما فعلت سابقاً في العراق". ويعتبر المناصير أن "رعد الشمال تعتبر - رابعاً - استعداداً عربياً لحماية مصالح الأمة عبر ايجاد توازن استراتيجي مع إيران، ويدفع طهران إلى إعادة حساباتها في محاولات الهيمنة على الشرق العربي، ويعيد حسابات الأطراف الدولية في التعامل مع المنطقة". ويصف المناصير "القوة العربية" المشاركة في "رعد الشمال"، ب "العقلانية والموضوعية" في سياق إجابته عما إذا كانت المناورات تعني اقتراب "الحرب البرية"، مبيناً أن "القوة العربية تستند إلى معيار أخلاقي وقانوني، ولم يعرف عن دولها الخروج على القانون الدولي، وهو ما يضفي إليها - إضافة إلى قوة الحق - قوة أخلاقية وقانونية". ومن جهته، ويقدم الخبير والمحلل الاستراتيجي راكان السعايدة، الذي استطلعت رأيه "اليوم" فهماً مركباً ل "مناورات رعد الشمال"، ويرى أنها في أحد أوجهها "رسالة سياسية إعلامية ضاغطة على النظام السوري، ورادعة لحلفائه، بما يحبط مسعاهم لعرقلة التسوية السياسية للأزمة، ومن ثم إحداث تغييرات جوهرية في موازين القوى بشمال وجنوب سوريا، بما يحجّم وضعية نظام الأسد في أي ترتيبات سياسية مستقبلية". والوجه الآخر ل "رعد الشمال" - وفق السعايدة - هو "تحضير البيئة العسكرية والسياسية الإقليمية والدولية لتدخل عملياتي فعلي حال واصل النظام وحليفاه الروسي والإيراني الاندفاعة العسكرية الراهنة، عبر عمل بري ومهمات تخوضها القوات الخاصة، أو من خلال تكثيف العمليات الجوية وتوسيع دعم المعارضة السورية وكسر الخطوط الحمراء الأمريكية حول نوعية تسليحها". ويعتبر السعايدة أن "الاحتمالات كافة مفتوحة على مصراعيها، مهما كانت الكُلف والتبعات، لاعتبارات عديدة، أهمها : أن مصالح الدول العربية مهددة تهديداً حقيقياً، وبالتالي فإن توفير عناصر القوة اللازمة لإحداث التوازن، أو استعادة التوازن بين القوى المتصارعة في سوري أمر واجب ومُلِح". وحول التفصيلات العملياتية ل "رعد الشمال"، يقول السعايدة : إن "المناورات لا تعني أنها محاكة لعملية مشابهة في سوريا - جنوباً أو شمالاً - وإنما فحص للقدرة على التنسيق المشترك وإدارة العمليات المشتركة، لكن أنماط التدخل في شمال سوريا تحديداً سيكون له أنماط مختلفة ومتنوعة، تبعا لطبيعة التدخل المفترض وأهدافه، وبما يشمل حسابات الموقفين الأمريكي والأوروبي الغامضين وغير الحاسمين". ويتوقع السعايدة أن "رعد الشمال" ستذهب تجاه أحد احتمالين، الأول: بناء تحالف دولي، بقيادة أمريكا، يتدخل في سوريا، وتشارك فيه القوة العربية بفعالية؛ والثاني: بناء تحالف من غير أمريكا للتدخل وإعادة ضبط التوازن، لكن مثل هذا التدخل يضاعف المخاطر واحتمالات التصادم مع الجانب الروسي الذي يضع سوريا - وشمالها خصوصاً - تحت الحماية والحصانة الجوية". وينصح السعايدة - في إطار دراسته لأفضل الخيارات - ب "اعتماد خيار تسليح المعارضة بسلاح نوعي، ودفع مجموعة من المستشارين العسكريين المحترفين من الدول الداعمة لمساعدة المعارضة في توجيه العمليات وتنسيقها وتخطيطها، وهو ما سيمنع التصادم مع الروس، ويقطع طريق نشوب حرب إقليمية واسعة، ويحول دون حدوث تطورات غير محسوبة بدقة قد تصيب بعض الدول بأضرار كبيرة وتهديدات وجودية". وعلى خط مواز، يرى الخبير والمحلل في الشأن العسكري خالد المجالي - وهو عقيد ركن متقاعد من المخابرات الأردنية - أن "مناورات رعد الشمال هي مناورات أمر طبيعي، ويجب أن تجري بشكل متواصل، خصوصا بين دول مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر، ورغم أنها تأخرت قليلاً إلا أن توقيتها مهم لاستعادة التوازن في جبهة القتال الرئيسة، وهي سوريا، التي مالت العمليات فيها لصالح خصوم الأمة بالتدخل الروسي، بعدما كان بشار الأسد يعد العدة للرحيل". ويشير المجالي، في حديثه ل "اليوم" الى أن "التدخل السوري أدى إلى خراب كبير، حال دون التوصل إلى تسوية سياسية في مؤتمر جينيف 3، وهو ما يستدعي فرض قوة على الأرض تفرض واقعاً جديداً، قوامه قوة عسكرية موازية وتتفوق على القوة الإيرانية". ويشدد المجالي على "ضرورة توصل القوى الإقليمية والدولية إلى توافق سياسي بشأن الصراع، يضمن للشعب السوري حقه في تقرير مصيره، بعيداً عن آلة القتل الأسدية، وبما يؤدي إلى هزيمة المشروع الفارسي في سوريا والمنطقة برمتها". وينبه المجالي إلى خطورة تكرار تجربة العراق في سوريا وإسقاطها في السلة الإيرانية، وهو ما أدركت ضرورته المملكة العربية السعودية، واتخذت - وفقاً له - العديد من الخطوات، تستهدف تحطيم الحلم الفارسي الآثم في الاستيلاء على المنطقة". ويراهن المجالي على "القوة العسكرية السعودية، إضافة إلى قوتها الأخلاقية والسياسية في العالم، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، للنهوض بالمنطقة والإقليم في مواجهة المشروع الفارسي". وعلى ذات الصعيد، قال الخبير الاستراتيجي اللواء الركن المتقاعد أديب الصرايرة : إن "مناورات رعد الشمال العسكرية، تمثل رسالة واضحة من الدول المشاركة بأنها تقف صفاً واحداً في مواجهة كافة التحديات التي تعترض الأمة ومشروعها الحضاري". ويرى الصرايرة - الذي استطلعت رأيه "اليوم" حول المناورات العسكرية، أن "الغاية النهائية لرعد الشمال هي الحفاظ على السلام والاستقرار الإقليمي، والتصدي لمشاريع الهيمنة على المنطقة، الهادفة الحيلولة دون الأمة وسيادتها الوطنية والقومية". ويشير الصرايرة إلى أهمية المناورات العسكرية، التي تجريها الجيوش، في إدامة الجاهزية العسكرية التامة، والحفاظ على أمن وسلام المنطقة والعالم، ومنع الانزلاق إلى حواف خطرة". ويؤكد الصرايرة أن "محاربة الإرهاب والتطرف، وحماية السلام، وتحقيق الاستقرار في المنطقة، غايات ايجابية، وتستدعي الجاهزية التامة، خاصة في ظل المتغيرات والتطورات المتلاحقة التي يشهدها الإقليم منذ اندلاع الأزمة السورية". من جانيه، يرى عضو مجلس النواب العراقي طه اللهيبي، الذي استطلعت رأيه "اليوم" أن مناورات "رعد الشمال" خطوة في الاتجاه الصحيح، تهدف إلى لم شمل الأمتين العربية والإسلامية في تحالف هو الأكبر في تاريخها، بعد أن اتضح أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تقف في صف روسياوإيران من أجل ابادة أهلنا في سوريا، وبما يتعارض مع مصالح الأمة". ويشير اللهيبي - بأسف - إلى أن "الأمة ليس لها خيارات إلا أن تقف متحدة، بعد أن سعى العالم كله إلى الوقوف ضد إرادتها، وبما يحول دون تمكنها من غدها". ويستبشر اللهيبي خيرا ب "رعد الشمال"، ويقول : إن "الأمة العربية ليست لديها خيار إلا أن تواجه وتتوحد، لتصنع انقلاباً في ميزان القوى، وتستعيد الإقليم والمنطقة من مشاريع تستهدف النيل من الأرض والإنسان". المراقبون والخبراء ينظرون إلى "رعد الشمال" باعتبارها مناورات تحمل رسالة سلام لمن أراد السلام، ورسالة استعداد وتأهب لمن أراد الشر والحرب في المنطقة، وهي رسائل من شأنها استعادة التوازن الإقليمي، الذي طالما افتقد في العرب مكانتهم وتأثيرهم الفعلي. ويُنظر إلى "رعد الشمال" باعتبارها الأرضية اللازمة لوقف تداعي النظامين الإقليمي والعربي، اللذين تعرضا لاهتزازات عنيفة خلال موجات الربيع العربي، فيما استغلت طهران هذا الواقع لمد نفوذها الآثم في الفراغ الجيو-سياسي المتشكل، وهو ما تتحرك من أجل ردعه الأمة بقيادة المملكة.