تشهد المملكة خلال الساعات القليلة المقبلة، وصول القوات المشاركة في التمرين العسكري الأهم والأكبر في تاريخ المنطقة "رعد الشمال"، الذي ينطلق بمدينة الملك خالد العسكرية بمدينة حفر الباطن، شمال شرق المملكة، بمشاركة 20 دولة عربية وإسلامية، إضافة إلى قوات درع الجزيرة. ويشكل رعد الشمال، التمرين العسكري الأكبر من نوعه، من حيث عدد الدول المشاركة، والعتاد العسكري النوعي، من أسلحة ومعدات عسكرية متنوعة ومتطورة، منها طائرات مقاتلة من طرازات مختلفة، تعكس العتاد الكمي والنوعي الكبير الذي تتحلى به تلك القوات، فضلا عن مشاركة واسعة من سلاح المدفعية، والدبابات والمشاة ومنظومات الدفاع الجوي، والقوات البحرية، ويعكس أعلى درجات التأهب القصوى لجيوش الدول العشرين المشاركة، وهي: المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، الأردن، البحرين، السنغال، السودان، الكويت، المالديف، المغرب، باكستان، تشاد، تونس، جزر القمر، جيبوتي، سلطنة عمان، قطر، ماليزيا، مصر، موريتانيا، موريشيوس، إضافة إلى قوات درع الجزيرة. وكان المتحدث باسم قوات التحالف العربي، المستشار في مكتب وزير الدفاع السعودي، العميد الركن أحمد عسيري، قد أعلن في تصريحات سابقة أن "رعد الشمال" هو تمرين عسكري كبير، كان مرتبا له منذ فترة ويهدف إلى رفع الجاهزية القتالية، وتبادل المعلومات والتنسيق بين الدول المشاركة في التمرين. وفيما يتبين من الدول المشاركة أن جميعها ينتمي إلى دول التحالف العسكري الإسلامي الذي أعلنت عنه الرياض في شهر ديسمبر الماضي، ووسط تصريحات بأن المناورات تهدف إلى رفع نسبة جهوزية الجيوش العربية لحماية شعوبها من أخطار الإرهاب، وأن يكونوا على أهبة الاستعداد لمواجهة التحديات من التنظيمات الإرهابية، أهمها "داعش"، إلا أن مراقبين سياسيين أجمعوا على أن هذه المناورات بما تحمله من أعداد القوات المشاركة، والأسلحة المتنوعة، والفترة التي ستجري خلالها المناورات، فإنها تحمل إلى جانب الجهوزية المطلوبة لجيوش الدول المشاركة، الكثير من الرسائل على المستويين الإقليمي والدولي. 150 ألف جندي حسب مصادر غير رسمية، ومن خلال الأرقام المتداولة لحجم المناورات، والتي تبرز أهميتها، فإن القوات المشاركة في تمرين رعد الشمال تبلغ 150 ألف جندي، مع 2540 مقاتلة حربية، و20 ألف دبابة، و460 هليكوبتر هجوميا، سيشاركون لأيام عدة، وعمليا وبتقدير مراقبين وخبراء، يهدف هذا العرض العسكري إلى ما هو أبعد من ذلك، خصوصا أنها تأتي وسط تطورات ميدانية سريعة في سورية، خصوصا، وفي ظل أطماع إيرانية لا سابق لها في المنطقة. ووفقا لخبراء سياسيين فإنه "لا يمكن قراءة هذه المناورات على أنها تدريبات عسكرية فحسب"، فهي ذات دلالات عدة من حيث المشاركات، ووحدة الدول المشاركة، إضافة إلى الرسالة الضمنية التي تنطوي عليها، لجهة كونها عربية وخليجية وإسلامية مشتركة، مشيرين إلى دلالة إجراء المناورات شمال المملكة المحاذي للعراق، وعلى مرمى من إيران، وليس بعيدا من الساحة السورية الملتهبة. وقال خبراء: إن تمرين رعد الشمال يمثل رسالة واضحة بأن المملكة وأشقاءها وإخوانها وأصدقاءها من الدول المشاركة تقف صفا واحدا لمواجهة التحديات كافة، والحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة، إضافة إلى التأكيد على أن قيادات الدول المشاركة تتفق تماما مع رؤية المملكة في ضرورة حماية السلام وتحقيق الاستقرار في المنطقة. وأشار الخبراء إلى أهمية توقيت تمرين رعد الشمال، إذ إنه يأتي بعد جهود دولية مضنية من أجل فرض الحال السياسي بسورية، والتي انتهت بالتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار، لم تختبر جديته حتى الوقت الحالي، لافتين إلى أن الدول الغربية عندما ترى أن دولا عربية جادة في سعيها لمحاربة تنظيم داعش، سوف تتوقف عن ترديد الاتهامات القائلة إن الدول العربية متقاعسة، فهي الآن الأكثر استعدادا، والكرة الآن في ملعب الآخرين. توحيد العرب والمسلمين الباحث السياسي، سلمان الأنصاري، شدد على أن تمرين رعد الشمال، هو أكبر مناورة عسكرية عربية على مر التاريخ، مبينا أن 150 ألف فرد سيشاركون فيها. وقال: إن هذا التمرين يثبت بشكل كبير، أن المملكة أخذت على عاتقها إدارة تنسيق وتفعيل الدور الأمني العربي، وكذلك تعزيز فكرة ومفهوم المصير المشترك، كما يحمل رسالة مهمة للجماعات الإرهابية والميليشيات الفوضوية، بأن المملكة وحلفاءها لم ولن يتساهلوا مع المشاريع التخريبية والإرهابية التي تقوم بها في المنطقة، وأن مستوى الاستعداد الأمني، والعسكري، والسياسي، والجيوسياسي، على أكمله لمكافحة كل من يريد أمن المنطقة بالسوء. من جانبه، يرى المحلل السياسي، الدكتور حمدان الشهري، أن المناورات تسعى إلى توحيد صفوف الدول العربية والإسلامية، وتُعد أول مناورة حقيقية بعد الإعلان عن تشكيل التحالف الإسلامي لمواجهة الإرهاب، مبينا أنه يمثل رسالة قوية لإيران. مشيرا إلى أن المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، هي رأس رمح العالم العربي، ومن واجبها أن تتصدى للمشاريع الفارسية في المنطقة التي تهدد النسيج الاجتماعي والإسلامي، في العراق وسورية، موضحا أن المملكة ليست بعيدة عن هذه الأخطار، وذلك في ظل تخاذل المجتمع الدولي عن القيام بواجبه، وإنهاء المأساة السورية. وأضاف الشهري بأن حكومة المملكة، عندما لمست التخاذل الدولي في إيقاف المجازر، أبدت استعدادها للتدخل البري في سورية، مؤكدا بأن هذه الخطوة سوف تجبر إيران على إعادة حساباتها، كما تجعل روسيا تفكر بأن دخولها في سورية ليس للنزهة، وإنما تكلفته عالية. بدوره، أوضح الخبير فضل البوعينين، أن مناورات رعد الشمال تحقق للأمتين العربية والإسلامية عنصر الأمن الذي يساعدها على المضي قدما في التنمية، ودعم الاقتصاد بشكل عام، مشيرا إلى أن المناورات جزء من رفع جاهزية الجيوش العربية والإسلامية، وقدراتها، وإمكاناتها العسكرية، ضد أي أخطار تواجه الأمة، فالتكتل العربي والإسلامي، سيكون رادعا لأي تحركات طائشة في المنطقة. عودة حفر الباطن أكدت تقارير أنه بانطلاق تمرين "رعد الشمال" بمدينة حفر الباطن بما يحتويه من عدد قوات مشاركة من 20 دولة، فإن المدينة تعود مرة أخرى ليتداول اسمها في مراكز الاستخبارات والدراسات والتحليل العسكرية، للبحث عن مضامين الرسائل المتنوعة التي تبعث بها المملكة من خلال هذا التمرين المميز في مكانه وحجمه وتوقيته. وكانت حفر الباطن قد شهدت تمرين "سيف عبدالله" الذي أقيم في أبريل 2014، وحسب التقارير فإن المختلف هذه المرة بإجراء تمرين رعد الشمال، بعدما أثارته رياح الشرق سابقا، هو إظهار المملكة لقوتها السياسية والمكانية، وقدرتها على حشد التحالفات وقيادة العمليات، لا سيما أن السعودية تقود تحالفا يخوض حربا في الحدود الجنوبية، ويوشك على تحقيق النصر الحاسم خلال الفترة المقبلة، إضافة إلى ما أعلنته المملكة عن عزمها المشاركة في التدخل البري على الأراضي السورية لمحاربة "داعش". وقالت التقارير إن التمرين يهدف كذلك إلى التأكيد على ما أعلنته المملكة عن إنشاء التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب وتطمين شعوب المنطقة بأن العرب قادمون لاسترداد حقوقهم والتأثير في منطقتهم بدلا من انتظار ردود الأفعال. وبمقارنة سريعة للقوة العسكرية المشاركة في تمرين "رعد الشمال" عدة وعتادا، يلاحظ أن إجمالي عدد الجيوش التابعة للدول العشرين المشاركة، إضافة إلى قوة درع الجزيرة يبلغ 2,2 مليون مقاتل تدعمهم قوة طيران مكونة من 4923 طائرة، وتمتلك الدول المشاركة ما يزيد على 13642 دبابة و924 قطعة بحرية، إضافة إلى 2342 أنظمة صواريخ. حساب ب3 لغات دشنت المملكة حسابا رسميا على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" خاصا بتغطية أحداث تدريبات "رعد الشمال"، وقد أطلق الحساب باسم درع الوطن @diraalwatan باللغات الثلاث العربية والإنجليزية والفرنسية. وشملت أول تغريدة معلومات عن تدريبات "رعد الشمال"، التي تقودها السعودية، بمشاركة 20 جيشا من جيوش دول المنطقة، إضافة إلى قوات "درع الجزيرة"، حيث يهدف التدريب العسكري إلى إبراز القدرات القتالية العالية لهذه الدول. الشمري: التمرين أثار مخاوف طهران أبدى المتحدث باسم ثوار العراق، الدكتور سعد الشمري، ترحيبه بتمرين "رعد الشمال"، مشيرا إلى أهميته في إرسال رسالة واضحة إلى العالم بأن المسلمين يحاربون الإرهاب، بكل أشكاله ومسمياته، معربا عن أمله في أن يكون مؤشرا لعودة العرب والمسلمين إلى ساحة الأحداث. وقال في تصريحات إلى "الوطن"، "نرحب بأشقائنا من دول التحالف الإسلامي، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، لإرجاع العراق إلى دوره الريادي، لأن إيران تخطط ليلا ونهارا بمساعدة أذرعها في المنطقة، خصوصا التحالف الوطني في بغداد على طمس الهوية العربية في العراق. ونرى أن التمرين يعكس جدية الدول الإسلامية في محاربة الإرهاب، وبمجرد الإعلان عنه ارتفعت المخاوف الإيرانية". وأضاف "بعض القوى السياسية الموالية لطهران، بدأت في مهاجمة تلك التدريبات، وتزعم وجود تحركات سعودية على الحدود العراقية، وأنهم متخوفون من ذلك، ويحاولون جاهدين بالتعاون مع ملالي طهران منعها، وللأسف فإن هؤلاء لهم توجهات معروفة، وملالي قم وطهران يحاولون الزج بهم في حرب خاسرة للشيعة في العراق". وأضاف الشمري، أن التمرين العسكري يكتسب أهميته من ناحية عدد الدول المشاركة فيه، والقوات التي يضمها، واستخدام أحدث التقنيات العسكرية.