إعلان الموازنة العامة للسعودية جاء بطريقة غير معتادة عن كل سابقاتها، حيث أعلنت في مؤتمر صحفي استمر قرابة اليوم، أفصح فيها كل مسؤول عن معطيات الميزانية. فنظرا لما يمر به الاقتصاد السعودي من تراجع في الإيرادات بسبب انخفاض أسعار النفط، فقد تعلقت الأنظار بإعلان الميزانية لتوضيح اتجاهات الحكومة في العام المقبل. وكعادة التحليلات، فقد ركزت على مستوى الانفاق الحكومي للعام المقبل مقارنة بالعام الحالي، وكذلك محاولة تخمين سعر النفط الذي بنيت عليه توقعات الإيرادات النفطية. واعتقد أن بيان وزارة المالية المختصر وما تبعه من قرارات لمجلس الوزراء تمكن من الإجابة عن معظم التكهنات حول السياسة المالية للحكومة على المديين القريب والمتوسط، كما أنه نجح في تطمين الجهات المعنية بالاقتصاد السعودي إلى قدرة الحكومة على مواجهة العجز بكفاءة عالية. أهم ما تغير في بيان الميزانية هو المستوى العالي للشفافية الذي يؤسس لعهد جديد من المسؤولية والانضباط في الإنفاق الحكومي. فمشكلة الموازنة السعودية لم تكن أبدا مشكلة إيرادات، كونها لم تواجه أسعار نفط متدنية بهذا الشكل، إنما هي مشكلة في المصروفات، والمصروفات الزائدة عن الحاجة، الأمر الذي أثر على كفاءة الإنفاق الحكومي والعائد. بالإضافة إلى ذلك، فقد كانت الزيادة في حجم الانفاق الحكومي فوق التقديرات أمرا طبيعيا، حتى أصبح رقم تريليون ريال هو رقم التخمين الأقرب لمصروفات كل عام. أظهر بيان الميزانية الفعلية للعام 2015 انضباطا غير مسبوق في حجم الإنفاق الحكومي، بحيث لم يزد عن 13.4% عن التقديرات. فقد وصل حجم المصروفات إلى 975 مليار ريال في حين رصدت ميزانية العام السابق نحو 860 مليار ريال. وعند مقارنة هذه الأرقام بالعام 2014، فإن نسبة الزيادة في مصروفات العام 2014 عن التقديرات كانت 28.7% أو 245 مليار ريال. بالإضافة إلى ذلك، فإن تبريرات الزيادة في المصروفات عن التقديرات دائما ما كانت غائبة أو شبه غائبة في بيانات الميزانيات السابقة. في حين فصل بيان ميزانية العام 2015 الفعلية حجم الزيادة عن التقديرات الذي انخفض إلى 115 مليار ريال حتى آخر ريال، ما أظهر بعض البنود غير المتكررة أهمها صرف رواتب إضافية بمبلغ 88 مليار ريال، والتي ان استثنيت، سينخفض حجم زيادة الانفاق فوق التقديرات إلى 3% فقط. هذا الانضباط يؤكد قدرة الحكومة على الالتزام بما رصدته الميزانية لمصروفات العام 2016 بواقع 840 مليار ريال، وهو أقل مما قدر للعام 2015، بدون أي تأثير جوهري على كفاءة أداء الاقتصاد بشكل عام. بالإضافة إلى ذلك فقد اعتمدت الميزانية مبلغ 183 مليار ريال كبند لدعم الموازنة في حال انخفاض الإيرادات، توجه للصرف على المشاريع. وهو من وجهة نظري ليس إلا بندا للمصروفات الإضافية بحيث لا تزيد المصروفات الحكومية على التقديرات. بالإضافة إلى أنه يدعم الإنفاق الرأسمالي الذي قدر بنحو 118 مليار ريال - بانخفاض قيمته 67 مليار ريال عن ميزانية العام السابق- الأمر الذي يتيح الاستمرار في الإنفاق على المشاريع إن دعت الحاجة إليها. باختصار، فإن موازنة العام 2016 تنبئ بانضباط أكبر، ومع تغيير هيكلة الدعم فإن ذلك سيتيح لها سيطرة أفضل على العجز.