بعدما أنهى الأهلي الدور الاول لدوري عبداللطيف جميل متوجاً بلقب بطل الشتاء، أصبح لزاماً عليه ألا يصغى لمن يردد أنه صاحب نفس قصير ودوري المحترفين يحتاج للنفس الطويل. تحركات الإدارة الأهلاوية لتدعيم صفوفها في فترة الانتقالات الحالية تؤكد - بما لا يدع مجالاً للشك - أنهم ماضون في طريقهم لتحقيق اللقب الغائب منذ ما يزيد على ثلاثة عقود. ثلاثة عقود ونيف من الزمن كفيلة بتثبيط همم الجمهور ، واحباط همم الإدارات المتعاقبة في اعادة لقب الدوري لقلعة الراقي، وكفيلة بقتل الانتماء بين جدرانه، لكن ثقافة الانتماء، للكيان وليس للأشخاص، بدليل حضور جمهوره كل الألعاب وليس لعبة واحدة، وهذا سبب عدم موت الحلم الأهلاوي رغم طول السنين. لقد أجبر الأهلي كل من يملك قلما أن يبتعد عن الرتابة في كتابة الأحرف والكلمات والجمل، لأنه ببساطة نادٍ مغرٍ يمتلك عنصر المفاجأة في ولادة النجوم، ولغة التجديد في الخطاب والإدارة، والجنون من على المدرجات، والفن داخل المستطيل الأخضر، حتى أضحى البليد في ممارسة الكتابة على الورق أو الكيبورد "معلم" مفردة، و"ملحن" أغنية، و"شاعرا" رومانسيا، و"مطرب" فرح لا يعرف طريق الحزن. عندما تتصفح التاريخ، وتجد أن القلعة الخضراء كانت من مهد الكرة السعودية متزينة بالذهب، مرتدية الألماس، مطرزة بالفضة، حينها لا تحتاج إلى عصر فكرك للتوصل إلى عمالقة الأهلي محليا وخارجيا، فهو التاريخ الذي عزف لحن الفرح منذ نعومة أظافره لمحبيه وعشاقه. الأهلي عبق الماضي، ووردة الحاضر، وزهرة المستقبل، واحد من الأندية التي تزرع الأمل للكرة السعودية على مر العقود، فهو من الأندية الولادة للنجوم حتى لو خالف قاعدته وضم لاعبا هنا أو هناك من أندية أخرى، لكن السواد الأعظم من نجومه هم صناعة محلية تتدرج من الأكاديمية إلى الناشئين إلى الشباب إلى الفريق الأول، وفق استراتيجية أهلاوية لا تستطيع من خلالها إلا «تعظيم سلام» للقائمين على هذا الصرح الكبير. لقد صبر وانتظر جمهور الأهلي على أرصفة الحزن سنين طويلة، لكنه لم يفقد ثقته في صلابة قلعته، وعودة تاريخها من جديد. بكى سنوات عجافا لعب الحظ فيها كثيرا عندما كان يصل للنهائيات، ويخرج صفر اليدين في مناسبات مختلفة، ورغم الحرقة والألم في فرحة موسم تطير كل حلاوتها وسعادتها في النهائيات، إلا أن جمهور الراقي مشى على جمرة العشق ليتماسك ويورث هذا العشق للأجيال القادمة التي نجحت في عملية محترفة منذ ثلاث سنوات ومن على المدرجات في إعادة صياغة أخضرها من جديد، صياغة لا تعترف بالخسارة في النهائيات أو المباريات الحاسمة، صياغة حقق فيها الأهلي الألقاب ولم ينل فقط شرف الوصول للنهائيات كما كان سابقا. لقد أعاد الجمهور الأهلاوي روح القلعة المفقودة في نفس الحي ونفس الشارع، الذي تصدح بضحكات التاريخ مساء الأربعاء الماضي باستيقاظ همم رجالها وعشاقها ومحبيها من جديد، مذكرين بمجدهم وتاريخهم وشموخهم. نعم منذ زمن طويل والقلعة تراوح في غربتها، أعياها المرض، فلم تعد تلك «القلعة» التي تبهر العين في ارتفاعها ونقوشها وجدرانها، وتفاصيل أجنحتها وغرفها وحدائقها، كل سنة تترك جانبا من تراثها، حتى نسي محبوها السابقون واللاحقون ما كانت تحتفظ به من خزائن ونفائس ودرر، لكن جمهور الراقي أعاد ترميمها من جديد، بل أعادها أكثر جمالا، وأبهى للناظرين. لقد أعاد الجمهور الأهلاوي روح القلعة المفقودة في نفس الحي ونفس الشارع، الذي تصدح بضحكات التاريخ مساء الأربعاء الماضي باستيقاظ همم رجالها وعشاقها ومحبيها من جديد، مذكرين بمجدهم وتاريخهم وشموخهم.