على الرغم من أن قطاع الإنشاءات والتعمير يعد من أهم القطاعات الاقتصادية السعودية، إلا أنه يبقى الأكثر عشوائية، وبالذات فيما يخص بناء الوحدات السكنية. فمنذ الطفرة الأولى، ومع إنشاء صندوق التنمية العقارية، ثم اعتماد النموذج الفردي لتطوير المساكن، الأمر الذي فتح الباب أمام قطاع المقاولات للعمل بمستويات محدودة للرقابة. فكانت النتيجة مع التوسع العمراني الهائل تدني مستوى جودة المباني حتى ظهرت وراجت مسميات غريبة مثل «فيلا هدد» و«عمارة قديمة» فضلا عن البيوت الشعبية والعشوائيات، ما يعكس خللا في القطاع العقاري السعودي. فالمفترض في العقار أن يكون معمرا، ولا يرتبط بتاريخ صلاحية. فنجد في العديد من الأسواق الأوروبية عقارات أعمارها بمئات السنين، بل إن ذلك قد يرفع من قيمتها. وقد امتد داء عشوائية التنظيم إلى عمليات الترميم والصيانة. فالمشكلة تبدأ من تدني جودة مواد البناء لتشمل العمالة القائمة على مشاريع البنايات السكنية الفردية. فحتى خبرة العمالة- إن توفرت- لا تشفع بإخراج منتجات تضمن الحد الأدنى من الجودة، وذلك لغلبة الثقافة التجارية على القطاع ككل، فضلا عن الغش الذي يعد من أصعب أنواع الغش اكتشافا. فعلى سبيل المثال، بدلا من استخدام طوب يحوي أدنى مقومات العزل المطلوب، والذي يزيد سعره عن مثيله العادي بهللات معدودة، فإن المقاول عادة ما يفضل الاختيار الأقل جودة والأقل سعرا، ليوفر ما يقارب 10 إلى 15 ألف ريال لكل طابق. على الرغم من إمكانية تحميل هذه التكلفة الإضافية على المشتري الذي سيفضل أن تكون وحدته السكنية معزولة بشكل أكفأ. الأثر السلبي لهذه الثقافة التجارية في البناء جعل القطاع السكني السعودي الأكثر هدرا في استهلاك الكهرباء. فنسبة لا تقل عن 70% من البنايات السكنية تفتقر إلى أدنى درجات العزل الحراري المطلوب. الأمر الذي يرفع وتيرة استهلاك الكهرباء صيفا لتبريد منازل هي في الأساس لم تكن تحتاج للتبريد لو أنها كانت معزولة. ولذلك نجد أن الفرد السعودي هو من أعلى سكان الأرض استهلاكا للطاقة ولكن بدون انتاجية موازية تبرر حجم الاستهلاك. وكذلك فإن معدلات نمو استهلاكنا المحلي من النفط تفوق معدل النمو السكاني. فرض نظام متكامل يضبط عمليات قطاع الإنشاءات والتعمير بشكل كامل قد يشكل معوقا أمام توفير احتياجات السوق السعودية من الوحدات السكنية. فكلما قلت القيود والضوابط، ارتفعت وتيرة الانتعاش والحيوية في أي قطاع اقتصادي. ولكن من غير الممكن ترك الحبل على الغارب لقطاع واحد أن يجر كامل الاقتصاد إلى الهاوية. فاستمرارنا باستهلاك معدلات عالية من الطاقة على مستوى العالم لمجرد توافر النفط في باطن أرضنا أمر غير مستدام. وقد أثبتت الأزمة المالية العالمية أن عدم التقنين يؤدي إلى فورات غير محمودة العواقب. فضلا عن أن الطريقة الفردية للتطوير العمراني لم تعد قادرة على حل أزمة السكن. ولذلك فإن الوقت الآن هو الأنسب لأن تتبنى وزارة الإسكان بالتعاون مع المركز السعودي لكفاءة الطاقة لتقنين البناء على كافة المستويات وصولا إلى البناء الفردي.