من الرائع جدا أن نحتفي بالمتميزين؛ ونكرم المستحقين، ونعزز إيجابية المخلصين؛ من الموظفات والموظفين؛ وما احتفالنا وتكريمنا لحارس المدرسة رقم 373 للبنات بالرياض إلا نموذج حيّ يُغري أقلامنا ككتاب لفتح ملف حساس كان يجب تناوله بجدية وبشفافية تامة، وهو ملف (التكريم) في مؤسساتنا عامة؛ فالحقيقة التي لا مهرب منها أن التفاتتنا لهذا الرجل المُجد جاءت بمحض الصدفة، لأن رصده لم يكن بكاميرا مؤسسة إعلامية رسمية إنما بكاميرا جوال أحد المارة؛ بعد أن اُعجب بصنيعه الرائع، وبتفانيه وإخلاصه في عمله اليومي، فقام بتصويره في هذا المقطع القصير الذي قلب الموازين بين ليلة وضحاها، ويتلخص عمله في الحرص على التلميذات الصغيرات بأقصى درجات الأبوية والحنو؛ آخذاً بأيديهن واحدة تلو الأخرى إلى سياراتهن وقت الدخول والانصراف للمدرسة. سنتفق جدا مع ردة الفعل السريعة التي جاءت من أعلى مستوى في وزارة التعليم؛ حين صرّح معالي وزير التعليم مباشرة بعد انتشار المقطع بتغريدة بثها على حسابه الخاص في تويتر، تضمنت خبر تكريم الحارس المخلص في "حفل التميز" الذي تقيمه الوزارة؛ ونقدر أيضا مبادرات الهدايا والحوافز التي أعلنت عنها العديد من المؤسسات الخاصة تقديرا لهذا الرجل؛ وعلى الرغم من هذا كله اسمحوا لي أن استدرك بكلمة؛ هذا جميل ومبهج وواجب (ولكن)...!! ولكن: ماذا لو لم يقم هذا المصور العابر – كما قلنا بمحض الصدفة - بتوثيق ما يقوم به هذا الحارس البسيط المجتهد وبشكل شبه يومي؟؟؛ ثم ماذا لو لم يقم بنشر ما صوره مستثمرا سرعة قنوات التواصل الاجتماعي؟ هل سيكون هذا الحارس محل اهتمامنا ورعايتنا وتقديرنا؟؟، هل سندري عنه أصلا؟؟. ألا يحق لنا طرح هذه الفرضيات؛ فهي على أقل تقدير تقودنا إلى حقائق أكبر وأوقع؛ فعدم توثيق إخلاص حارس مدرسة 373 سوف يُبقي على إخلاصه وتفانيه بعيدا عن أنظار التكريم والتقدير واهتمام المسؤول؛ أليس كذلك؟؛ الأمر الذي يعني وجود خلل في آلية تقييم الموظفين المخلصين في مجمل دوائرنا الحكومية وغير الحكومية؛ بعد أن بات التقييم والتقدير والتكريم والتحفيز رهن المصادفة والاجتهادات. من جانب آخر وهو الأهم؛ هل تساءلنا عن عدد المخلصين بين مكاتب دوائرنا الحكومية؛ ثم هل أحصينا عدد الموظفين المستهترين الذين يتثاقلون عن القيام بأدنى واجباتهم وأبسطها، وطالما افتقدنا هذه الآلية المقننة سنبقى بانتظار من يوثق بجواله من يستحق ومن لا يستحق، وانطلاقا من هذه الأرضية هل نرى في القريب العاجل إجراءات وآليات واضحة ومقننة لتقييم موظفينا، وفرز من يخافون الله في السر والعلن ويقدمون ضعف ما يطلب منهم، فمما لا شك فيه أن تساوي المستهتر والمخلص في التقييم جدير بوضع مؤسساتنا بمنأى عن الجودة والتطوير، وربما أدى ذلك لأن يتخاذل المخلصون عن أداء عملهم أو الاستمرار في السير على طريق التميز والتفاني، كونهم سيكتشفون أن تفانيهم وعدمه واحد، وهي حقيقة مؤلمة أخاف كثيرا أن نصل إليها يوما ما!!، ومثل هذا الخوف وهذا التوجس يعودان بي إلى الملف الأصل، ملف التكريمات و"بلاويها"، لأنه ملف كبير ومكتظ بالملابسات والمجاملات وأحيانا اللا منطقية، لذا سأواصل الحديث فيه من خلال مقالي القادم بإذن الله؛ والذي سيكون تحت عنوان: "تكريمات مدفوعة الثمن"، وسنكتشف من خلاله المآسي التي بدأت تصل إليها حفلات التكريم حين انتقلت من الجديرين إلى الوصوليين!!