في أحلك الأوقات، يبدو أن المشاكل تتواكب، فالمصاعب والتحديات عادة ما تأتي مجتمعة. هذا لسان حال الاقتصاد السعودي الذي يمر في العام 2015 بإحدى أكثر السنوات تحديا، على كافة المستويات، أمنيا وسياسيا واقتصاديا. فمع بداية العام انخفضت أسعار النفط بما يقارب النصف في وقت يمر فيه الطلب العالمي بتراجع نظرا لما يمر به الاقتصاد الصيني. تلا ذلك الاتفاق النووي للدول العظمى مع إيران، الأمر الذي سيعيدها بقوة إلى أسواق الطاقة والبتروكيماويات. ومع بدء مراجعة الانفاق الحكومي لمواجهة العجوزات المتوقعة، خصوصا بعد سحب الحكومة من الاحتياطي، جاءت أزمة انهيار سقف مبنى مسعى الحرم المكي نتيجة سقوط رافعة عملاقة لتهز قطاع الإنشاءات والمقاولات. ولحق ذلك حادثة التدافع المؤسفة في مشعر منى، لتطل علينا أخيرا وكالة ستاندارد آند بورز الائتمانية بتخفيض تصنيفها للسعودية وتأكيد النظرة المستقبلية السلبية لكامل قطاعها المصرفي. وزارة المالية وصفت قرار وكالة التصنيف سابقة الذكر بالمتسرع. وما لبثت موديز أن أكدت متانة الاقتصاد السعودي على الرغم من التحديات التي يواجهها. فلدى المملكة من الأصول المالية ما يصل إلى إجمالي الناتج المحلي، كما أن قدرتها على الاقتراض، والذي لجأت إليه مؤخرا بداية من المصارف المحلية، تعد من الأعلى على مستوى العالم. ويضيف الدكتور جون سفاكياناكيس، المختص في الاقتصاد السعودي ان الاقتصاد السعودي كان ينمو على مدى العقد الماضي ومازال بنحو 3% وهي وتيرة أعلى من معظم الدول النامية، الأمر الذي جعل من القوة الشرائية للاقتصاد السعودي تفوق مثيلتها الكندية. ولكن كل ذلك لم يشفع في تسجيل تكلفة التأمين على الديون السيادية السعودية مستوى تاريخيا، وارتفاع تكلفة الإقراض بين المصارف (سايبور) بنحو 40 نقطة أساس إلى ما يقارب الواحد بالمئة. وهو ما يشكل ضغطا على قدرة الاقتصاد السعودي على التوسع في الإقراض، خصوصا مع ارتفاع احتماليات قيام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع الفائدة. ونظرا لأن مواجهة الأزمات تبدأ قبل حدوثها، فمن الواضح أن السعودية استعدت جيدا لهذه الأزمة. فيمكن للحكومة بالاستمرار بالإنفاق على كامل برامجها الاجتماعية بدون أدنى تأثير على مخصصات الرواتب، المحرك الرئيسي لقطاع التجزئة. وكما أن الأزمات دائما ما يمكن توقعها، تبقى قدرة الاقتصاد على التغيير هي المحك الحقيقي لأداء الاقتصاد. وبدلا من أن يكون معيارنا في مواجهة الأزمة هو قدرتنا على امتصاص الصدمة، ليكن مدى تحسن وفعالية الاقتصاد في ظل المتغيرات والمعطيات الراهنة. بهذا الشكل يمكن تفعيل كافة المبادرات الاقتصادية لاستثمار الطاقات الكامنة للاقتصاد ورفع مستوى الاستثمار الأمثل للموارد. فنحن بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تحقيق طفرات نوعية سريعة في الانتاجية والإبداع في مجالات بعيدة عن النفط. فقد كان اعتمادنا هو السبب الرئيس وراء اهتزاز الثقة الحاصل في الاقتصاد السعودي. اهتزاز الثقة وان كان له مبرراته، إلا أنه يبقى وجهة نظر ضيقة تحصر الاقتصاد السعودي في النفط. لنخرج من ضيق النفط إلى سعة بقية قطاعات العمل السعودية. القوة الشرائية للاقتصاد السعودي تفوق مثيلتها الكندية