لا تَعْذُلِ المُشْتَاقَ في أشْواقِهِ حتى يَكونَ حَشاكَ في أحْشائِهِ إنّ القَتيلَ مُضَرَّجاً بدُمُوعِهِ مِثْلُ القَتيلِ مُضَرَّجاً بدِمائِهِ تُنازِعنا أمورٌ شتَّى لا نملك لها صَرْفاً، ولا عنها ابتعاداً، كونها مُرتبطةً بالمشاعر والأحاسيس الداخلية، وأفعال القلوب التي هي بين أصبعين من أصابع الرحمن يُقلِّبها كيف يشاء، كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه أنس بن مالك، وكان عليه الصلاة والسلام يُكثر من قول: «اللهم يا مُقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك». الحب والشَّوق والحنين وأضدادها جزءٌ من هذه الأحاسيس التي قد نُلامُ عليها رغم أنها لا تخضع لإرادتنا، ويصعب علينا- مهما فعلنا- أن نُوجِّه القلب يميناً أو يساراً بعد أن يجد ضالته، ويُحدِّد بوصلته. ومن نافلة القول إن كل ما يترتب على هذه المشاعر من أقوال وأفعال يُعدُّ لا إرادياً أيضا ولعل لا بأس بها ما لم تُدخلنا في دائرة الشرك أو مخالفة أمر الله ورسوله. ولننتقل من الأبيات الآنفة الذكر لأبي الطيب المتنبي التي جاءت ضمن قصيدة «القَلْبُ أعلَمُ يا عَذُولُ بدائِهِ» إلى قصائد قيس بن الملوح النجدي أو «مجنون ليلى» كما عُرف حيث قال: أمرُّ على الديارِ ديارِ ليلى أُقَبِّل ذا الجِدار وذَا الجِدارا وما حُبُّ الدِيارِ شَغَفْنَ قلبِي ولكنْ حُبُّ مَنْ سَكَنَ الدِّيارا ويذهبُ به الحنين والشوق إلى أبعد من ذلك وأعمق بعد أن رفض أهلها زواجه منها وهام على وجهه في البراري فيقول: البين يؤلمني والشوق يجرحني والدار نازحة والشمل منشعب كيف السَّبيلُ إلى ليلى وقد حُجِبَتْ عَهْدي بها زَمَناً ما دُونَهَا حُجُبُ ثم يعود مرة أخرى متأسياً على حاله فيُنشد: وإنْ تَكنِ القُلوبُ كمثل قلبي فلا كانَتْ إذاً تِلكَ القُلوبُ وليس ببعيدٍ عنه ذلك الفارس الأمير أبو فراس الحمداني الذي قاد البطولات وحقق الانتصارات ببسالة وقوة بأس ثم قال في لحظة تجل لمشاعرٍ يحملها لسيف الدولة: يا طولَ شَوْقيَ إن قالوا: الرّحِيلُ غدا، لا فَرّقَ اللَّهُ فِيمَا بَيْنَنَا أبَدَا يا منْ أصافيهِ في قربٍ وفي بعدِ وَمَنْ أُخَالِصُهُ إنْ غَابَ أوْ شَهِدَا راعَ الفراقُ فؤاداً كنتَ تؤنسهُ وَذَرّ بَينَ الجُفُونِ الدّمعَ والسُّهُدا وتتراءى لي رومانسية «عنترة بن شداد» أشهر فرسان العرب وأشعرهم، وهو المعروف بشعره الجميل وغزله العفيف ب «عبلة» وأنا أقرأ له: يا طائر البان قد هيَّجتَ أشجاني وزِدْتَني طرَباً يا طائرَ البانِ إن كنتَ تندب إلفاً قد فجعتَ بهِ فقد شجاكَ الذي بِالبينِ أشجاني وهكذا كان العرب وما برحوا رغم ما فرضته عليهم معيشة الصحراء القاحلة من قسوة، واعتياد على الترحال والتقلُّب في الفيافي طلباً للغيث وسعياً خلف الكلأ، وهرباً بالروح من أتون الحرب التي لا تُبقي ولا تذر.. وقد كان ولا يزال من حقِّنا جميعاً أن نشتاق ونحنُّ إلى آبائنا وأمهاتنا وأزواجنا وذرياتنا وإخوة لنا في كل بقاع الأرض، وأن نُعبِّر عن هذا الاشتياق بعباراتنا البسيطة دون تكلُّف، كي لا نُصاب ب «الأرق»، والذي أثبتت دراسة حديثة في جامعة كاليفورنيا الأمريكية أنه- وإن أُصبنا به لليلة واحدة فقط فلم نأخذ كفايتنا من النوم- يؤدي إلى مشاكل صحية ملحوظة، ويجعل علامات الشيخوخة تظهر على الوجه، لما يُحدثه من تلف في خلايا الدم. قبل الوداع: سألتني: ما موقفك من التفجيرات الأخيرة في المملكة ودول الخليج العربي؟ فقلت: أردد في كل مرة: «حسبنا الله ونعم الوكيل»،، نعم.. حسبنا الله على مَنْ غَرَّر بأبنائنا، حسبنا الله على مَنْ امتهن ترويع المسلمين الآمنين، حسبنا الله على مَنْ تبنى فكراً ضالاً ودعا إليه، حسبنا الله على مَنْ أراق دماء المسلمين بغير وجه حق، وحسبنا الله على مَنْ شوَّه صورة الإسلام النقية وهو يدَّعي الانتساب إليه. وأتذكر في كل مرة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه البخاري ومسلم. * رئيسة قسم الإعلام الاجتماعي النسائي بالمنطقة الشرقية