( وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ) ومن عجب أني أحن إليهمو فأسأل عنهم من لقيت وهم معي وتطلبهم عيني وهم في سوادها ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي الحب على المحبين فرض، وبه قامت السموات والأرض، من لم يدخل جنة الحب، لن ينال القرب، بالحب عُبد الرب، وتُرك الذنب، وهان الخطب، واحتمل الكرب . عقل بلا حب لا يفكر، وعين بلا حب لا تبصر، وسماء بلا حب لا تمطر، وروض بلا حب لا يزهر، وسفينة بلا حب لا تبحر . بالحب تتآلف المجرة، وبالحب تدوم المسرة، بالحب ترتسم على الثغر البسمة، وتنطلق من الفجر النسمة، وتشدو الطيور بالنغمة، أرض بلا حب صحراء، وحديقة بلا حب جرداء، ومقلة بلا حب عمياء، وأذن بلا حب صماء . شكا ألم الفراق الناسُ قبلي وروع بالجوى حي وميْتُ وأمّا مثل ما ضمت ضلوعي فإني ما سمعت ولا رأيتُ بالحبِّ تُرضعُ الأم وليدَها، وتروم الناقة وحيدَها . بالحب يقع الوفاق، والضم والعناق، وبالحب يعم السلام، والمودّة والوئام . الحب هو بسِاط القربى بين الأحباب، وهو سياج المودة بين الأصحاب . بالحب يفهم الطلاب كلام المعلم، وبالحب يسير الجيش وراء القائد ويتقدم، وبالحب تذعن الرعيّة، ويعمل بالأحكام الشرعية، تصان الحرمات، وتقدس القربات . بيت لا يقوم على الحب مهدوم، جيش لا يحمل الحب مهزوم . لكن أعظم الحب وأجلّه، ما جاءت به الملّة، أجمل كلمة في الحب قول الرب : ( يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) . فلا تطلب حباً دونه . ليس حباً قطعة معزوفة من يراع الشاعر المنتحب ليس حباً غزلٌ يمطرنا في سطور الكاتب الحر الأبي أو خطابٌ بارعٌ نمقه والهٌ يروي صنوف العتب ما قفا نبكي هو الحب ولا ظبية البان وذكرى زينب ما درى مجنون ليلى سره عبثٌ ذاك هيام الصخب إنما الحب دم تنزفه في سبيل الله خير القرب أو دموع ثرة تبعثها سَحراً أصدق من قلب الصبي أو سجودٌ خاشع ترسمه فوق خد الطين فاسجد واقرب أحب امرؤ القيس فتاة، وأحب أبو جهل العزى ومناة، وأحب قارون الذهب، وأحب الرئاسة أبو لهب، فأفلسوا جميعا، لأنهم أخطؤوا خطأً شنيعا . أما حب بلال بن رباح، فهو البر والصلاح . سحب على الرمضاء، فنادى رب الأرض والسماء، انبعث من قلب المحب أَحدٌ أَحد، لأن في القلب إيماناً كجبل أُحد . إذا كان حب الهائمين من الورى بليلى وسلمى يسلب اللب والعقلا فماذا عسى أن يصنع الهائم الذي سرى قلبُه شوقاً إلى العالم الأعلى مهر الجنة عند بلال السنة، ركعتان ودمعتان . الحب لا يعترف بالألوان ولا بالأوطان، والدليل بلال وسلمان، بلال أبيض القلب أسود البشرة، فصار بالحب مع البررة، وأبو لهب بالبغض ليس من أهل البيت، وسلمان نال بالحب جائزة سلمان منا أهل البيت . دعني من حب مجنون ليلى، ومحبوب سلمى، ومعشوق عفرا، فلطالما لطخت بأشعارهم الطروس، وضاقت بأخبارهم النفوس، وخدعت بقصائدهم الأجيال، واتبعهم الضلال . حدثني عن أنباء الأنبياء، وهم من أجل حب الرب يهجرون الآباء والأبناء. فإبراهيم يتبرأ من أبيه، ونوح من بنيه، وامرأة فرعون تلغي بنفسها عقد النكاح، لأن البقاء مع الكافر سفاح . هذا هو عالم الحب بتضحياته، بأفراحه وأتراحه، وهو حب يصلك برضوان مَنْ رضاه مطلب، وعفوه مكسب . والله ما نظرت عيني لغيركمو كل الذين رووا في الحب ملحمة يا واهب الحب والأشواق والمهج في آخر الصف أو في أسفل الدرج امرؤ القيس يصيح في نجد، وقد غلبه الوجد، قفا نبكِ فإذا بكاؤه على الأطلال، وإذا دموعه تسفح على الرمال، إنه هيام العقل بلا وازع، وحيرة الإنسان بلا رادع . ورسولنا صلى الله عليه وسلم يذوق الويلات، ويعيش النكبات، ثم ينادي مولاه في ومناجاة إخبات، ويقول : لك العتبى حتى ترضى . لا تضع عمري بشعر طرفة بن العبد، وهو يشكو الحب والصد، حب ماذا، يا هذا، أما علمت أن أحد الأنصار، كان يقرأ ) قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ( بتكرار، فسئل عن المقصود، قال : لأن فيها مدح المعبود، وأنا أحب تلك البنود، فدخل الجنة بالمحبة، لأن الله أحبه . دعني أمسح فوق الروض أجفاني فالنور موقده من بعض أشجاني نسيت في حبكم أهلي ومنتجعي فحبكم عن جميع الناس ألهاني شغلونا بالروايات الشرقيّة، والمسرحيّة الغربيّة، ويل هذا الجيل ويله، سهر مع غراميات ألف ليلة وليله، وفي الذكر المنزل، والحديث المبجل، قصص الحب الصادقة، والمعاني الناطقة، ما يخلب اللب، ويستميل القلب . الحب ليس رواية شرقية بأريجها يتزوّج الأبطال الحب مبدأ دعوة قدسية فيها من النور العظيم جلالُ أخرجونا يا قوم من ظلمات عشق الأعراب، والهيام في الأهداب، فكل ما فوق التراب تراب، وأدخلونا في عالم الحب الراقي، والدواء الواقي، الذي تطير له الأرواح، وتهتز له الأشباح، في ملكوت الخلود، وعلى بساط رب الوجود .