هناك من يستخدم عبارات طنانة رنانة لكن يعوزها سند، كمقول أحدهم إن مجلس الشورى الموقر صوت على عدم ملاءمة مناقشة إصدار نظام للوحدة الوطنية بدعوى "عدم وجود فراغ". واستند من قال ذلك إلى أن النظام الأساسي للحكم قد تناول "الوحدة الوطنية". فالمادة الثامنة من النظام تقول: يقوم الحكم في المملكة العربية السعودية على أساس العدل، والشورى، والمساواة، وفق الشريعة الإسلامية. كما أن الباب الثالث برمته، الذي يتناول مقومات المجتمع السعودي، فإن جميع مواده تتناول قضايا مؤثرة وجوهرية تتصل بالوحدة الوطنية، حيث تنص المادة التاسعة على "الأسرة، هي نواة المجتمع السعودي، ويُربى أفرادها على أساس العقيدة الإسلامية، وما تقتضيه من الولاء والطاعة لله، ولرسوله، ولأولي الأمر، واحترام النظام وتنفيذه، وحب الوطن والاعتزاز به وبتاريخه المجيد." وتقول المادة العاشرة: "تحرص الدولة على توثيق أواصر الأسرة، والحفاظ على قيمها العربية والإسلامية، ورعاية جميع أفرادها، وتوفير الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم." وتنص المادة الحادية عشرة: "يقوم المجتمع السعودي على أساس من اعتصام أفراده بحبل الله، وتعاونهم على البر والتقوى، والتكافل فيما بينهم، وعدم تفرقهم."، وتنص المادة الثانية عشرة، وهي المادة الارتكازية التي تتناول موضوع الوحدة الوطنية:" تعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام." فيما تضع المادة الثالثة عشرة الخطوط العريضة لسياسة التعليم في مملكتنا الغالية، حيث يقول نص المادة: "يهدف التعليم إلى غرس العقيدة الإسلامية في نفوس النشء، وإكسابهم المعارف والمهارات، وتهيئتهم ليكونوا أعضاء نافعين في بناء مجتمعهم، محبين لوطنهم، معتزين بتاريخه." وهكذا، نجد أن النظام الأساسي للحكم اهتم بقضية الوحدة الوطنية أيما اهتمام، شأنها في ذلك شأن القضايا الجوهرية ذات الصلة بتنظيم الدولة من كل النواحي، لكن النظام الأساسي للحكم لا يُفسر تفصيلاً، بمعنى أنه يضع الأسس، ولذا سُميَ "أساسي"، وبعد ذلك تنطلق الأنظمة (التفصيلية) لتبين تحديداً ووفق مواد مترابطة لتبين الأحكام ذات الصلة، بما في ذلك الغرامات والعقوبات. فمثلاً، انطلاقا من مواد قليلة في عددها تتناول الجوانب الاقتصادية، أصدرت الحكومة الموقرة ما يربو على الخمسين نظاماً (قانوناً) تتعاطى مع تنظيم ممارسات المال والأعمال والاقتصاد في المملكة. وهكذا، فمن المبرر صدور أكثر من نظام متخصص يصون ويحمي، بل حزمة أنظمة لتذود عن الوحدة الوطنية من جانب ولتشجع وتُكرم من يحامون عنها ويعززونها بدمائهم وعرقهم وفكرهم ووقتهم ومالهم، ولا ننسى أن قضية تفصيلية -إذا ما قورنت بحماية الوحدة الوطنية- مثل الرهن والتمويل العقاري اقتضت المصلحة أن تصدر بصددها حزمة من خمسة أنظمة لتقنين الأحكام وحماية الحقوق والحفاظ على الصالح العام. وفيما يتصل بالحفاظ على الوحدة الوطنية، فمن المسلم به أن النظام الأساس للحكم قد اعتنى بالأمر عناية غير خافية، فوحدة وطننا -ترابا وشعباً- ليست محل أخد أو رد، ولكن النظام الأساسي للحكم ينص بأن لا غرامة إلا بنظام، ولا عقوبة إلا بنظام. ومع عدم وجود نظام محدد يصون الوحدة الوطنية، فستكون كل العقوبات التي تصدر عن المحاكم تعزيرية، أو تتفاوت وفقاً للمحكمة التي تنظرها، وكيف نسبت الدعوى، ثم كيف كُيفت. في حين أن وجود نظام يتعامل مع هذه القضايا التي تشق اللُحمة الوطنية والالتفاف الوطني وتؤدي إلى التفرقة، أو تلك التي تنشر كذباً وبهتاناً وتفتئت على الحاكم، أو على سواد الشعب، أو على مكون من مكونات شعب المملكة العربية السعودية.. هذه لا بد أن تخضع لنظام يوصف تلك المخالفات وأوضاعها، ويضع لها مخالفات متدرجة وعقوبات رادعة. ولا يمنع أن تنسب لمن يؤذي وحدة المملكة أكثر من تهمة إن كان قد خالف أكثر من نظام. وحالياً، فالفراغ الذي نعايشه يؤذي البلاد جملةً، كما أن نظاما للوحدة الوطنية (أو أي تسمية أخرى واصفة) لن يهدف لحماية مكون أو طيف بعينهِ بل سيسعى لاستباق من يريد أن يعبث في استقرار البلاد عبر مشاغبة جهاز من أجهزتها بقصد التخريب، أو مكون من مكوناتها بقصد التفريق، أو عنصر من عناصرها بقصد إشعال فتنة. أختم بالقول، أن سقوط المبادرة عند التصويت من حيث الملاءمة لا يعني عدم مقدرة مجموعة الأعضاء أو سواهم من معاودة الكرة، ولا يمنع من أن تأخذ الحكومة الموقرة زمام المبادرة وتُعدّ نظاماً مختصاً يمكن تسميته "نظام مكافحة جرائم الافتئات على الوحدة الوطنية".