أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    ورشة عمل لتسريع إستراتيجية القطاع التعاوني    إن لم تكن معي    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإدمان .. تغيرات عميقة في الخلايا العصبية للمخ
العامل الحاسم في انتشارها أو انحسارها .. فهم حقيقتها العلمية
نشر في اليوم يوم 18 - 06 - 2015

وجد العلماء والمتخصصون أن مقدار العلم والمعرفة بخطر تعاطي المخدرات وآثارها المدمرة لصحة العقل والنفس والجسد هو العامل الحاسم في انتشارها أو في انحسارها بين أفراد المجتمع. ويشير المرجع العلمي المتخصص في مجال التثقيف بخطر تعاطي المؤثرات العقلية، الذي تنشره «اليوم» ضمن ملفها الشهري العاشر «خطر المخدرات .. ليس الإرهاب وحده يختطف شبابنا» إلى أن من يمتلكون معرفة قليلة وغير مستندة الى فهم علمي للحقائق كاملة ينظرون إلى خطر تعاطي المخدرات أو المؤثرات العقلية بشيء من التساهل، وينقلون صورا خاطئة تسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في انتشار خطرها.
في حين أن من يمتلكون مقدارا عاليا من المعرفة المتخصصة بخطر المخدرات وكيفية تفاعلها مع أنظمة العقل ويدركون بشكل واعٍ ما يترتب على تعاطيها من مخاطر صحية وسلوكية، يكونون فاعلين في حماية أنفسهم ومن حولهم من خطرها، فلا شيء يغير القناعات والتصرفات أفضل من عالم ناصح أمين.
وتشير نتائج الأبحاث الطبية - التي تم رصدها - إلى أن الآليات التي تشارك في تنمية تحمُّل الجسد للمخدر، من الممكن أن تؤدي في النهاية إلى تغيرات عميقة في الخلايا العصبية للعقل وفي دورة المخ العصبية، مع احتمال أن تؤثر هذه التسوية التوافقية الصارمة، على صحة ووظائف المخ على المدى الطويل.
ويشرح المرجع العلمي الذي ألفه الدكتور سعيد السريحة، مدير الدراسات والمعلومات باللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات، والدكتوراة مها المزروع مديرة المركز الإقليمي لمراقبة السموم في وزارة الصحة، ومستشارة اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات، تأثير المخدرات على الخلايا العصبية وأنظمة العقل.
مشيرا إلى أن المخدرات مواد كيميائية تعمل بطريقة خاصة في الجسم والعقل.
وأضاف: تعمل المخدرات في الدماغ من خلال اختراق نظام الاتصال العصبي، ثم تتداخل مع عمليات وطرق إرسال واستقبال الخلايا العصبية للمعلومات التي تعمل على معالجتها عقليا، ومن ثم تؤثر في أسلوب وطريقة معالجة المعلومات.
فمثلا: تؤثر مخدرات كالحشيش أو الهيروين، في أسلوب عمل الخلايا العصبية، لأن تركيبتها الكيميائية تتشابه مع تركيبة الناقل العصبي الطبيعي التي تسمح الخلايا العصبية عادة بدخولها إلى داخلها لإيصال الرسائل العصبية لخلايا العقل.
هذا التشابه في التركيبة الكيميائية بين الناقل العصبي الطبيعي والمخدر، يخدع المستقبلات العصبية التي تستقبل الرسائل، فتقوم بادخاله داخل الخلية العصبية في المخ، ومن ثم تفعيل الخلايا العصبية.
فإذا دخلت هذه المخدرات التي تحاكي كيميائية الناقل العصبي في المخ، تعمل بطريقة مختلفة وتقوم بتنشيط تفاعلية الخلايا العصبية تنشيطا مختلفا عما يفعله الناقل العصبي الطبيعي، ما يؤدي إلى نقل رسائل غير متساوية بين الخلايا العصبية، وغير واضحة ومشوشة، لا تفهمها الخلايا العصبية.
وعلى الخلايا العصبية أن تصدر استجابات لمثل هذه الرسائل، فتصدر مجموعة استجابات متغايرة غير مركزة ما ينم عن حالة عدم تركيز واضحة، وتصبح هذه الاستجابات مرسلة عبر الشبكة العصبية في المخ.
بينما مواد مخدرة أخرى مثل الإمفيتامين والكوكايين، تتسبب في إفراز الخلايا العصبية لكمية كبيرة من الناقل العصبي الطبيعي بخلاف المعتاد، أو تتسبب في منع إعادة التدوير الطبيعي لكيميائية المخ العصبية. وهذا التفاعل والمنع ينتج رسالة مضخمة، في نهاية المطاف تقوم بتعطيل قنوات الاتصال المسؤولة عن تدوير كيميائية المخ.
وهذا الاختلاف بين حجم هذه الرسائل المضخمة وحجم الرسائل الطبيعية، يتم تشبيهه بمثل من يهمس في الأذن ومن يصرخ في الميكروفون.
هرمون الدوبامين
وتطرق المرجع العلمي حول اختلال إفراز هرمون الدوبامين بسبب تعاطي المخدرات، مشيرا إلى أن الدوبامين هو الناقل العصبي الموجود في مناطق الدماغ التي تنظم الحركة والعاطفة والإدراك والدوافع ومشاعر السرور .
وحينما يقوم أي إنسان بعمل جيد يقوم نظام العقل بإفراز مقدار معين من هرمون الدوبامين يعم كافة الدورة العصبية.
ويعرف هذا العمل العقلي بنظام المكافآت الطبيعية في العقل (تعزيز داخلي) من أجل دفع الإنسان إلى تكرار السلوك الجيد.
ولكن حينما يقوم الإنسان بتعاطي المخدرات، فإنها - كمواد كيميائية - تؤثر على خلايا العقل العصبية، وتعمل على استهداف مباشر أو غير مباشر، لنظام المخ المرتبط بالمكافآت الموجود في كل إنسان، من خلال تسببها في إفراز كميات كبيرة من الدوبامين، الذي يغمر الدورة العصبية.
لكن حفز المخدرات المستمر لنظام المكافآت، هو حفز غير طبيعي يعمل على إنتاج آثار البهجة التي ينشدها متعاطو المخدرات، ويعلمهم هذا الحفز بنظام المكافآت تكرار سلوك التعاطي.
وعرج المرجع إلى أجزاء وأنظمة الدماغ، مؤكدا أن هذه الأجزاء موصولة بطريقة محكمة، معها يتم ضمان أن الشخص سيقوم بتكرار الأنشطة التي تبقيه على قيد الحياة والأنشطة التي تبهجه، عن طريق ربط فعل الأنشطة بنظام السرور العقلي الممثل في نشاط دائرة المكافآت التي تفرز كميات محددة من هرمون الدوبامين. فكلما تنشطت دائرة المكافآت.
يشير الدماغ إلى أن شيئا هاماً يحدث ويجب أن يتم تذكره، وبهذه الطريقة يتعلم الإنسان أن يكرر ذلك العمل مرة تلو الأخرى دون التفكير في سبب تكرار العمل.
وكون تعاطي المخدرات يحفز نفس الدائرة المعنية بنظام المكافآت الطبيعية في العقل، فإن الإنسان المتعاطي للمخدرات يبدأ بتعلم تكرار التعاطي بنفس الطريقة.
وأشار إلى أن العقل ونظام المكافآت لا يستجيب بشكل متواصل لعمليات الحفز غير الطبيعي لنظام اللذة الناتج عن تعاطي المخدرات، إذ يمتلك العقل قدرة هائلة على فرض تحكم مركزي على الإفراز غير الطبيعي لنظام المكافآت، ويعمل على خفض إنتاج هرمون الدوبامين الطبيعي وغير الطبيعي خلال أوقات قصيرة.
فالأمر يشبه تكيفنا مع الصوت المزعج الذي نعمل على خفضه، فتماما كما نخفض من صوت المذياع أو التلفزيون العالي والمزعج لنا، فإن نظام العقل العائد لمركز التحكم الأساس، يتكيف مع الكميات الكبيرة للدوبامين (وغيره من الناقلات العصبية) عن طريق فرض تحكم أعلى، إما لمنع إنتاج كميات الكبيرة من الدوبامين وبالتالي يوجه بإنتاج كميات أقل لهرمون الدوبامين، أو عن طريق خفض عدد المستقبلات التي يمكن أن تتلقى وترسل الإشارات العصبية، وهو الأمر الذي يؤثر على استشعار لذة الأفعال الأخرى التي يمارسها الشخص بشكل طبيعي خلال مشوار حياته اليومي.
التكيف الضار
وأردف المرجع العلمي: هذا التكيف للمخ وأنظمته مع موج الدوبامين الغامر المؤثر على دائرة المكافآت المنتَجة بسبب تعاطي المخدرات، لا يجعل أنظمة عقل المتعاطي تعمل بشكل سوي كما كان حالها قبل تعاطي المؤثرات العقلية.
ونظرا لما يحدث من خفض مركزي لكميات الدوبامين أو لعدد مستقبلاته كناقل عصبي، تنخفض قدرة المتعاطي على تذوق أي متعة أخرى.
كما أن هذا الخلل في عمل دائرة السرور يجعل المتعاطي يشعر بالفتور وقلة الحيوية والاكتئاب، كما أنه يصبح غير قادر على الاستمتاع بالأمور التي كانت تجلب له السعادة قبل التعاطي.
وبعد الوصول إلى هذه المرحلة من تغيرات وظائف المخ ونظم عمله، يصبح المتعاطون بحاجة لأخذ المخدرات فقط كي يستعيدوا المستوى الطبيعي لوظيفة الدوبامين، الذي فقد بسبب تعاطي المخدرات،
ما يدفعهم لمزيد من التعاطي من أجل الحصول على مستوى متوافق مع احتياجهم الطبيعي.
ولا يقف الأمر عند حد تكرار التعاطي، بل يحتم عليهم الوضع المتدهور لأنظمة عمل العقل أخذ كميات أكبر من المادة المخدرة التي أدمنوا على تعاطيها بشكل أكبر من تلك التي بدؤوا بها التعاطي. في سعي حثيث منهم للحصول على أثر مساوٍ لمتعة التعاطي التي حصلوا عليها جراء أول تجربة، وهذا ما يعرف بالقدرة على الاحتمال (تحمل المخدر).
وذهب المرجع العلمي إلى مصطلح تحمُّل المخدر، مبينا أنه حالة التكيف الخلوي مع المادة الفعالة (المادة المخدرة)، ما يجعل زيادة الجرعات أمرا مطلوبا لإنتاج نفس التأثير الجسدي أو النفسي الذي تم الحصول عليه مسبقا بجرعات أصغر، كما يسمى ( التحمل الأيضي).
وهذه العملية المسماة بتحمل المخدر، تدل على قدرة الجسم على رفض الاستجابة للمتغيرات الخارجية لفرض إرادة خارجية عليه لإفراز كميات مخالفة لمعايير طبيعته من هرمون الدوبامين واستشعار اللذة.
وهذا التغير يحمل نتائج ضارة على شعور المتعاطي، حيث يختل مستوى رضاه وسروره واستشعاره للذة نتيجة عمل العقل بطريقة إدارة أزمة الكميات الكبيرة المُفرَزة بغير مبرر معروف لديه.
هرمون التعلم
وأشار المرجع العلمي الى أن حمض الجلوتامت هو الناقل العصبي الذي يؤثر على دورة المكافآت في المخ ويؤثر أيضا على قدرة التعلم لدى الإنسان.
وعندما يتغير مستوى التركيز الأمثل لهذا الحمض بسبب تعاطي المخدرات، فإن المخ يحاول أن يجاري هذا التغيير، بنفس الطريقة التي يتحكم بها في إفراز الكميات الزائدة من هرمون الدوبامين بسبب التعاطي. هذا التحكم في كميات الجلوتامت، يعد عملية خطيرة، حيث يصبح مركز التحكم داخليا وخارجيا، وهو نظام العقل المركزي وسلوك التعاطي، ما يشير إلى إمكانية حدوث نقص في كميات الحمض واختلال مستوى تركيزه الأمثل في المخ، ما يسبب تلفا في الوظيفة الإدراكية المرتبطة بالتعلم الشرطي بالمخ.
من ناحية أخرى، يؤدي طول استمرار حدوث هذا التوافق بين التحكم الداخلي والتدخل الخارجي - بسبب الاستخدام الطويل للمخدر - إلى حدوث تغيرات كبيرة في طبيعة عمل نظام الذاكرة، إذ إن المثير الشرطي يعد أحد الأمثلة على التعلم المرتبط بالوظيفة الإدراكية في نظام الذاكرة.
ومع التعود على التعاطي تصبح المنبهات البيئية المحيطة بالشخص المتعاطي، مثيرا شرطيا لحدوث التعاطي، ويصبح نظام الذاكرة لدى المتعاطي مستعدا لهذه المثيرات الخارجية لتنبيه الشخص لأهمية التعاطي، وهو الأمر الذي يجعل من المنبهات الخارجية منطلقا لحالة من الاشتياق الدائم للمخدر لا يمكن التحكم فيها إذا تعرض الفرد لهذه المثيرات الشرطية في موقف لاحق حتى بعد الإقلاع عن التعاطي، كما أنها تعمل على حث اشتياقه لتعاطي المخدر حتى دون توافر المادة المخدرة.
ويرى المتخصصون - حسب المرجع العلمي - في مجال علم الإدمان أن هذا التعلم «اللا إرادي» لسلوك متعاطي المخدر، يصبح قويا جدا لدى المتعاطي، ويغدو كامنا في نظام ذاكرته، ويمكن أن ينبثق حتى بعد سنوات طويلة من الامتناع عن تعاطي المخدر.
عرفنا أن الإدمان يعرف بشكل عام بأنه مرض عقلي ينتج بسبب التعرض المكثف لتعاطي المخدرات، وتعاطي جرعات مكثفة من المخدرات يؤدي إلى اختلال أنظمة عمل العقل وتركيبة خلاياه، وحاول العلماء فهم الآلية التي يحدث بها الإدمان.
ميكانيكية المخدرات
وتطرق المرجع العلمي إلى ميكانيكية المخدرات، مفصلا رغم اختلاف كل من التركيب الكيميائي للمواد ذات التأثير العقلي التي يُساء استعمالها، وحركتها في الجسم من حيث امتصاصها وانتشارها في الجسم ومن ثم تكسيرها وطرحها خارج الجسم، وأيضا تأثيرها على أجهزة الجسم المختلفة، إلا أن جميع المؤثرات العقلية تتشابه في أنها تستهدف بشكل أولي مستقبلات الجهاز العصبي، والإصابة بمرض إدمان جميع المؤثرات العقلية.
ويشترك في آلية تأثيره العام على الدوائر العصبية الحاسمة في المخ، معظم المواد ذات التأثير العقلي التي يساء استعمالها - باستثناء بعض العقاقير التي من أشهرها البنزوديازبين - تزيد مستويات الناقل العصبي المسمى بالدوبامين، والعلماء يربطون بشكل كبير بين مرض الإدمان وتسبب المؤثرات العقلية في إفراز كميات كبيرة من الدوبامين.
والدوبامين عبارة عن ناقل عصبي أو مُغير عصبي يصاحب عملية المكافأة في المخ عادةً، وهو مسؤول عن الإحساس بالرضا والسعادة، وزيادة مستوى الدوبامين في المخ كنتيجة طبيعية لتعاطي المؤثرات العقلية تعزز التأثير الإيجابي المؤقت الذي يحس به متعاطي هذه المؤثرات العقلية، وهذا ما يجعل المتعاطي بشكل سلبي يكرر سلوك التعاطي، كما اتضح معنا سابقا.
تفسير الإدمان
الإدمان يعد من أكثر الظواهر المرضية تعقيدا من حيث التفسير العلمي، وفي هذا المقام سنسعى للتطرق وبشكل مبسط إلى أهم تلك النظريات العلمية والتفسيرات التي ظهرت لشرح آلية حدوث مرض الإدمان وملازمته للإنسان.
وأكد المرجع أن الحقيقة العلمية الكاملة لتفسير لحدوث مرض الإدمان لا تكمن في تفسير واحد منفرد وإنما قد تكون نتيجة لحدوث أكثر من طريقة في وقت واحد.
وفيما يلي استعراض لأهم هذه المداخل العلمية المفسرة للإدمان، من خلال ما أثبتته الأبحاث المتخصصة في هذه المجالات.
وقال المرجع العلمي: إنه من أهم المداخل العلمية المفسرة لعملية حدوث مرض الإدمان هو التفسير البيولوجي، إذ يرى هذا المدخل العلمي أن مرض الإدمان الإلزامي على تعاطي المخدرات، يحدث بسبب حساسية معظم الناس بنسبة (من 40% إلى60%) وسرعة تأثرهم بتفاعلات المادة الخارجية بعد تعاطيها ما دفع بالعديد من العلماء عبر سنوات ممتدة للبحث عن العوامل البيولوجية المساعدة أو المحفزة، التي قد تساهم في إصابتهم بمتلازمة الإدمان، وتقود بشكل خاص إلى الإقبال والاستمرار في تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية من خلال بحثهم على مستوى التغير الجيني. وأضاف: هناك تزايد في الأدلة العلمية التي تشير إلى أن التعرض المزمن للمواد ذات التأثير العقلي، يغير عوامل نسخ معينة في مناطق المخ، وهذا الفهم ساعد الأطباء والمتخصصين في تفسير ظاهرة التعود على التعاطي، واعتماد الجسد على المخدر.
كما ساهم في تفسير حدوث الأعراض الانسحابية المصاحبة للتوقف عن المخدر، نتيجة للإصابة بتغيرات جزيئية في المخ عند مستوى التعبير الجيني.
وتابع: رغم أن الإدمان كمرض لا يتبع قوانين مندل الوراثية إلا أن العديد من الدراسات الجينية قد وثّقت الدور الوراثي المركّب لعملية الوقوع في الإدمان.
وأرجعت هذا الأمر إلى الاختلافات الشخصية للأنظمة المتعلقة بالذاكرة في المخ، بالإضافة إلى اختلاف الأشخاص في الآليات التي قد تساهم في الضعف الظاهري نحو تعاطي العقاقير المخدرة والمؤثرات العقلية، ومن ثم الإصابة بمرض الإدمان، ومنها على سبيل المثال: الاختلاف في الأيض أو التوزيع الحيوي للعقار المخدر ، الاختلاف في الخصائص المكافئة للعقار، الاختلاف في السمات الواضحة على المدمن، الاختلاف في الاعتلالات النفسية المصاحبة للإدمان.
التأثير الجيني
وأشار إلى المرجع إلى أن معظم الدراسات في مجال التأثير الجيني في عملية الإدمان، أكدت أن العوامل الجينية وحدها ليست المسؤولة عن الإقبال على تعاطي المخدرات أو المؤثرات العقلية الأخرى أو حتى الحماية من خطرها.
لكن دورها قد يكون واضحا عندما تجتمع مع العوامل الأخرى مثل العوامل البيئية والاجتماعية التي تُشكل في مجموعها منظومة تجعل الشخص مُهيَّأً لتقبل فكرة الإقبال على تعاطي المادة المخدرة أو النفور منها.
وزاد : حسب علم حركة الدواء في الجسد، فإن ما تحدثه المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية المختلفة من تغيرات داخلية في أعضاء جسم المتعاطي، فإن أغلب هذه التغيرات تحدث على مستوى الخلايا وجزيئاتها، ما يفسر حدوث مرض الإدمان على هذه المواد.
وقد فسر العلماء هذه التغيرات بعدد من التفسيرات العلمية من أهمها: نظرية الإندورفين الداخلي عن مرض الإدمان: حيث من المعروف أن مادة الإندورفين تُفرز في أماكن عديدة من الجسم مثل: العقل، وأجزاء مختلفة أخرى من الجسم، وبكميات كبيرة، وهي مسؤولة عن التحكم العصبي في تلك المناطق.
لكن مع التعرض المستمر للمادة المخدرة يبدأ إفراز الإندورفين الداخلي في الانخفاض تدريجيا إلى أن ينعدم تماما، وعندها يعتمد الجسم كليا في تحكمه العصبي في مختلف مناطق الجسم على المادة المخدرة التي يتم تعاطيها من الخارج.
ولفت المرجع العلمي إلى نظرية التمثيل الأيضي لمرض الإدمان، مفصلا: التفسير العلمي الذي تقول به نظرية التمثيل الأيضي لحدوث الإدمان، ينطلق من حقيقة أن رحلة أي دواء أو مادة مخدرة داخل جسم الإنسان تمر بأربع مراحل مهمة تسمى بحركية الدواء داخل الجسم وهي كالتالي: الامتصاص للمادة المخدرة من مختلف مناطق الجسم، وعلى حسب طريقة التعرض لها أو تعاطيها، انتشار المادة في مختلف أجزاء الجسم عن طريق الجهاز الدوري الدموي، بحيث تنتشر المادة القابلة للذوبان في الدهون في الخلايا الدهنية داخل أجهزة الجسم المختلفة، وعادة تكون مدة بقاء هذه المواد في الجسم أطول من غيرها من المواد التي تبقى منتشرة في الجهاز الدوري الدموي فقط بسبب قابليتها للذوبان في الماء، التمثيل الأيضي في الكبد للمادة، الذي يعتمد على مجموعة من الإنزيمات تفرز عادة من الكبد، وتساعد في تكسير هذه المادة وتحويلها إلى مادة قابلة للذوبان في الماء استعدادا لطرحها خارج الجسم، طرح المادة خارج الجسم عن طريق أجهزة الإخراج المختلفة في الجسم، التي من أهمها الجهازان الكلوي والهضمي والجهاز التنفسي وغيرها.
التمثيل الأيضي
وقال المرجع: إنه من الأمثلة التي تلعب فيها عملية التمثيل الأيضي دورا مهما، مجموعة الأدوية المهدئة المعروفة باسم الباربتيورات.
وهي من الأدوية التي يُساء استخدامها والإكثار منها يؤدي إلى إدمانها، حيث إن هذا النوع من الأدوية يعرف بأنه من مجموعة الأدوية المحفزة لأنزيمات الكبد، التي يؤدي تعاطيها إلى زيادة إفراز هذه الإنزيمات بشكل كبير، وبالتالي فهي تسرع تكسير المادة المهدئة، ومن ثم إخراجها.
وعليه فان معدل الأيض في الكبد يزداد تدريجيا كلما زاد التعرض لهذه المادة، ما يقلل مدة بقائها في الجسم، وبالتالي يقلل مدة تأثيرها على الجهاز العصبي.
ولكي يتغلب المتعاطي على هذا الانخفاض يحتاج إلى الاستمرار في زيادة الجرعة من المادة المهدئة، لكي يتغلب على التزايد المستمر في معدل الأيض في الكبد، ويصل إلى التأثير المطلوب الذي تعوَد عليه جسمه. ومع هذه الزيادة المستمرة يحدث الإدمان، وقد يدخل المتعاطي في جرعات سامة وقاتلة نتيجة للزيادة المستمرة.
ولفت المرجع إلى أن منظور التغير الكيميائي لمستقبلات الخلية لتفسير مرض الإدمان، أثبت هذا المدخل في تفسيره لظاهرة التحمُّل، وبالتالي زيادة الجرعة المتعاطاة وحدوث الإدمان عليها أن التعرض المستمر للمادة المخدرة يؤدي إلى التنبيه الخلوي لمختلف خلايا الجسم خاصة خلايا الجهاز العصبي، بحيث تقوم الخلايا بزيادة عدد المستقبلات على سطح الخلية، ما يدعو إلى زيادة جرعة المادة المخدرة كي تستطيع أن تتغلب على ذلك العدد المتنامي من مستقبلات الخلايا وتحدث الأثر التخديري المطلوب لها، وتطرق إلى منظور التمثيل الغذائي لتفسير مرض الإدمان، مبينا:
يعتمد هذا المدخل العلمي على حقيقة أنه ورغم أن الشخص يبدأ في التعاطي لأجل الحصول على المتعة والنشوة التي يحدثها المخدر ، إلا أنه ومع الاستمرار في التعاطي تدخل هذه المادة المخدرة في المراحل الأساسية في التمثيل الغذائي والحيوي داخل جسم الإنسان.
وهكذا تصبح هذه المادة ضرورة للجسم في أداء عملياته الحيوية، ويصعب الاستغناء عنها، بسبب اعتماد أجهزة الجسم المختلفة عليها في أداء وظائفها الطبيعية.
وعرج إلى منظور الباب المفتوح لتفسير مرض الإدمان، قائلا: ترى النظرية العلمية المعروفة بالباب المفتوح أن استخدام أنواع بعينها من المؤثرات العقلية قد يؤدي إلى إفساح الطريق وفتح الأبواب أمام استخدام مواد مخدرة أشد ضررا وخطرا من تلك التي سبقتها.
فعلى سبيل المثال: تدخين التبغ في الصغر قد يهيئ الطريق للمراهقين لاستخدام الخمور مثلا أو غيرها من المخدرات أو المؤثرات العقلية المختلفة في المستقبل، حسب توافر هذه المادة (المواد) المخدرة في الوسط المحيط بهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.