هو سؤال محتمل أو افتراضي وأياً كان الأمر إلا أن تصور حدوث هذه الحالة المفاجئة سيقلب كل مفاصل الحياة رأساً على عقب وسيصيبها بالشلل التام، وإن كان بالطبع سؤالاً صادماً في شكله ومضمونه وفحواه إلا أن تصور ما ستؤول إليه الأمور بعد انقطاع شريان الحياة التواصلية لإنسان هذا العصر أمر لا يمكن تصوره أو تحمله فضلاً عن حدوثه. ولئن كانت أفلام الخيال العلمي تجعل المشاهد مشدوهاً لصناعة درامية ترتكز على توقعات مستقبلية للأرض والإنسان وما يمكن تخمين حدوثه كغزو كائنات فضائية للأرض وتدمير كل أثر للحياة عليها وتدور الأحداث في سياقات من الإثارة (الأكشن) ولهذا النوع من الأفلام محبون ومتابعون بالملايين تمتلئ بهم صالات السينما حول العالم. أما لماذا سقت هذا المثال السينمائي فهو المدخل المناسب للإجابة عن السؤال القابع في أعلى المقال إذ إن الإجابة لا بد أن يأخذ الخيال فيها حرية بلا حدود أو قيود ولا بد كذلك أن يقترن الخيال بعصف ذهني مختلف للإحاطة بجميع الاحتمالات المتوقعة. ولكي ندلف في التوقعات لا بد أن نعرف طبيعة ومستوى تأثير النت في حياتنا، فالمتأمل لحياة الناس في العقد الأخير سيرى بوضوح أنه أصبح جزءاً لا يتجزأ من حياة الإنسان الشخصية والأسرية وعلى مستوى عمله وتعاملاته ووصل إلى أن تجذر في عمق المكونين النفسي والاجتماعي لكل فرد في المجتمع، ولك أن تتخيل لو ابتعدت عن جهازك الكفي لبضع دقائق أو كنت في حالة ظرفية أو مكانية لا تمكنك من التواصل لعدم توافر النت كيف ستكون حالتك وكيف سيكون مزاجك؟! إن افتراض انقطاع النت وهو احتمال وارد لأي سبب من الأسباب ذلك أن أي اختراع مادي أو ابتكار صناعي عرضة للعطل أو التوقف بسبب اختياري أو إجباري حين يقرر من في يده التحكم والسيطرة العالمية على (النت). ان أول ما يمكن توقع حدوثه هو بروز حالة من الارتباك الشخصي والاضطراب المجتمعي بشكل فظيع وهائل، فالنت الآن لم يعد رفاهية أو ترفاً بل أصبح حاجة إنسانية كالطعام والشراب والنوم وتقدير الذات وغيرها من حاجات الإنسان الأساسية التي لا يمكنه الاستغناء عنها وحين يحرم الإنسان من هذه الحاجة ينعكس ذلك على سلوكه وطبيعته. تخيل أن يتحول جهازك الكفي إلى خردة، فتعود في تواصلك مع أهلك وأصدقائك وعملك ومواعيدك وطلباتك إلى الهاتف الثابت، ثم تخيل أن يتوقف تواصلك مع جميع برامج التواصل الاجتماعي (تويتر، أنستغرام، فيس بوك، سناب شات، ووو... غيرها). ستشعر حينها بحالة من الوحدة والقلق وربما تطور الأمر إلى التوتر والاكتئاب، هي حالة تشبه حد التطابق توقف المدمن المفاجئ عن التعاطي. تخيل أن تعود عقارب الساعة إلى الوراء فتحتاج إلى إنجاز تعاملاتك مع الجهات الخدمية أو البنكية للوقوف في تلك الطوابير الطويلة الكئيبة في هذا الصيف اللاهب ولساعات متواصلة وربما يأتيك الدور فيصدمك الموظف بتلك العبارة العتيدة (راجعنا بكرة). هذه التصورات والتخيلات والتوقعات الآنفة هي في المستوى الأدنى لكن ماذا سيحدث للحكومات الالكترونية ووزاراتها ومؤسساتها التي يعتبر النت بمثابة الوقود المحرك لها؟ وماذا يمكن توقعه للشركات الضخمة التي تتجاوز أصولها مئات البلايين من الدولارات والتي تعتمد في جميع أعمالها واستثماراتها على النت؟. إن مجرد تصور توقف النت هو في حقيقته أمر مرعب ومخيف لتلك الإمبراطوريات المالية الهائلة التي جعلت جميع بيضها في سلة واحدة. بل ماذا يمكن أن يحدث حين تنهار المنظومات السياسية والاقتصادية والعسكرية والطبية والعلمية جراء التوقف النهائي للنت؟. ربما يتجاوز عدد قليل جداً لا يكاد يذكر هذه الكارثة الحياتية فيعودون لطبيعتهم ويجدون وقتاً للتواصل المباشر مع من حولهم وربما اكتشف أحدهم أفراد أسرته وتعرف عليهم ووجد أنهم طيبون ومحبوبون كما تقول تلك الطرفة الواتسابية. ويبقى في حكم المؤكد أن التوقع المستقبلي يعتبر مرحلة متقدمة قد تقلل الخسائر والكوارث والمصائب إلى الحد الأدنى.