بعد نقاشات طويلة وحامية بين أعضاء البرلمان حول مشاركة إسلام أباد في عملية «عاصفة الحزم»، التي أطلقتها السعودية ضد الحوثيين في اليمن، تفاجأ المراقبون والرأي العام الخليجي بقرار البرلمان، الذي فضل الحياد وعدم المشاركة الفعلية في العمليات العسكرية. وأعتقد أن أسباب عدم المشاركة تنطوي على شقين: شق أمني، وشق اقتصادي، ويمكن تلخيصهما في أربع نقاط رئيسية: أولا: ارتباط جناحي القاعدة في باكستان واليمن. يقول جيدو شتاينبيرج، أحد كبار خبراء الإرهاب في ألمانيا "إن أعضاء القاعدة في اليمن والذين يقدر عددهم بحولي 300 عضو، لهم علاقات وثيقة للغاية مع جناح القاعدة في باكستان ويرجع الفضل الأكبر في ذلك إلى انصهار كل من جناحي القاعدة اليمني والسعودي معا" – تحت مسمى قاعدة الجزيرة العربية - ومقرها اليمن. فالسعوديون أنصار القاعدة مرتبطون منذ زمن طويل بأسامة بن لادن "يمني الجنسية"، وأن هذا الارتباط هو سر تبادل الأشخاص والعلاقات المالية بين الجناحين الباكستاني واليمني، مشيرا إلى أن الحدود الأفغانية الباكستانية يوجد بها -حسب تقديرات المختصين- حوالي 400 إلى 600 عضو من أعضاء القاعدة، مدعومين بأكثر من عشرة آلاف عنصر من عناصر طالبان بشقيه الافغاني والباكستاني. ولهذا فإن التهديد المتصاعد من القاعدة وطالبان كان أهم الأسباب التي تشغل باكستان، وأن فرعها في باكستان لا يزال يمثل مكمن الخطر الأكبر الذي تنطلق منه الهجمات الإرهابية. ثانيا: محاولة انفصال إقليم بلوشستان. فهذا الإقليم يشهد تمردا منذ الخمسينات، إلا أن السنوات الأخيرة تصاعد التمرد البلوشي مطالبا بانفصال إقليمهم عن باكستان، مما اضطر الحكومة إلى أن تأخذ الموضوع بجدية، وأن تطرحة للنقاش في مجلس الشيوخ، والذي على إثره شكل لجنة خاصة برئاسة وزير الدفاع نويد قمر لزيارة الإقليم وعقد مباحثات مع المتمردين البلوش في محاولة للتوصل إلى حل سلمي للأزمة وايقاف التمرد. وهناك شعور أن الهند تقف وراء هذا التصعيد، وقد عزز هذا الشعور برقية نشرتها ويكيليكس تؤكد "اعتراف دبلوماسيين هنود بأن تدخلهم في بلوشستان يأتي ردًا على التدخل الباكستاني في كشمير، وأن الدعم الهندي يأتي بصورة أسلحة روسية وصينية، وعادة ما تتم اللقاءات في دبي". وبحسب جام يوسف، رئيس وزراء إقليم بلوشستان الأسبق "فإن المخابرات الهندية تدير أكثر من أربعين مركز تدريب على طول الحدود مع الإقليم، والهند تستخدم المعارضين لباكستان منذ أيام الانفصال؛ فهي تريد إبقاء الضغط على باكستان من أجل استغلال بلوشستان مقابل التخلي عن كشمير". فهذا الإقليم الذي يقع على امتداد غرب باكستان وشمال غرب الحدود مع إيران وأفغانستان يشكل وفقًا لما قاله الخبراء تهديدًا أكبر لوجود الدولة الباكستانية. ثالثا: خط الغاز بين إيرانوباكستان، وهو عبارة عن خط لنقل الغاز من حقل "بارس" في جنوب غرب إيران إلى منطقة "نواب شاه" بالقرب من كراتشي على الساحل الجنوبي الشرقي لباكستان، بطول يبلغ 1800 كلم وتقدر كلفته الإجمالية ب7.5 مليار دولار. وقد تم توقيع الاتفاق في يونيو 2010 ووضع حجر الأساس في عام 2013. وبموجب الاتفاق توفر إيران نحو 21.5 مليون متر مكعب من الغاز يوميا إلى باكستان لمدة 25 عاما بداية من ديسمبر 2014، ستمكن باكستان من توليد نحو 3000 - 4000 ميجاوات من الكهرباء. وقد أوفت ايران بالتزاماتها ومدت أنبوبا بطول 900 كلم إلى الحدود الباكستانية، لكن الدولة الباكستانية لم تستطع إكمال حصتها من مد الأنابيب، ما يرتب على باكستان دفع غرامة مقدارها 200 مليون دولار شهرياً حتى إنهاء بناء الأنبوب. إلا أن إيران تخلت بصورة مشروطة عن تغريم باكستان 200 مليون دولار شهرياً حول الغاز. لذلك باكستان مضطرة الى مراعاة مصالحها الاقتصادية مع إيران، ولا تريد تفويت فرصة نادرة للحصول على الغاز من إيران، والتي تعاني أصلا من أزمة طاقة متفاقمة. فانقطاع التيار الكهربائي المستمر في باكستان أدى إلى خسائر فادحة بالقطاع الصناعي في باكستان وخصوصاً صناعة الغزل والنسيج، التي تعتبر الصناعة الأولى فيها. وفقاً ل"مفوضية التخطيط الباكستانية" فإن انقطاع التيار الكهربائي قد كلف باكستان ما بين 3 - 4% من إنتاجها القومي الإجمالي، خلال العامين 2011 - 2012، حيث تخسر باكستان نحو 12 مليار دولار سنوياً بسبب هذا الانقطاع الكهربائي عن مصانعها. رابعا: التهديد الطائفي، فباكستان لديها أكبر تجمُّع للشيعة في العالم بعد إيران. فبحسب المصادر الرسمية الباكستانية فإن نسبة الشيعة في باكستان تتراوح ما بين 15- 20%. كما أن باكستان تشترك مع ايران بحدود طويلة. وفي دراسة للدكتورة فاطمة الصمادي "باكستانوإيران: مصالح متشابكة وعلاقات متعثرة" تذكر الباحثة أنه "خلال العقدين الأخيرين شهدت باكستان تصاعدًا في حالات الاختطاف والقتل المنظم لأسباب طائفية، وتغيَّرت خريطة "العنف الطائفي" بين السُّنَّة والشيعة بشكل كبير في باكستان؛ ففي خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي كانت المشكلة خطيرة في كراتشي، إلا أن العدوى انتقلت لتشمل أقاليم "السند" و"البنجاب" و"بلوشستان" و"روالبندى"، وأماكن أخرى". وبالتالي فباكستان المنهكة في الداخل في محاربتها مع القاعدة وطالبان وعلى الحدود في محاربتها المتمردين البلوش والتصدي للخروقات الهندية، لا تود أن تفتح جبهة أخرى مع إيران، مما قد يزيد من زعزعة الاستقرار في الداخل. ولهذه الغاية فإن زيارة وزير خارجية إيران ظريف إلى باكستان، كانت محملة بهذه الأوراق مما اضطر باكستان إلى عدم الانضمام إلى «عاصفة الحزم» والاكتفاء باتخاذ موقف حيادي، يدفع في اتجاه حل سلمي لمشكلة اليمن، وايقاف الحملة العسكرية. * محلل سياسي