كما أخبرتكم في المقال السابق أنني زرتُ لأول مرة معرض الرياض الدولي للكتاب هذا العام، وقد استثمرتُ ذلك وواعدتُ صديقتي على أن نلتقي ونسكن في ذات الفندق حتى نقضي يومين كاملين دون أن نفترق، صديقتي غابت طويلًا الفترة الماضية بسبب ظروف أبعدتها قسراً عن كل ما تحب وعن كل من يحبها للدرجة التي عاشت فيها عزلة نفسية وجسدية قاسية جداً، وذلك دون أن نتمكن بأي شكل من الأشكال من الوصول إليها، أو تخفيف وطأة ما كانت تعانيه وحدها. كنتُ طوال فترة غيابها أشعر كمن سقط فجأة من أعلى (سلّم) خشبي، ولكنه لم يستشعر الألم، ولم يعلم في لحظتها أن ارتطامه بالأرض قد تسبب له في رضوض وكسور وآلام شبه دائمة، إلاّ أنه في الأيام التالية بدأ يشعر بوجع وتورّم في عظامه وعضلاته، كما ظهرت الندبات الزرقاء على جسده شيئاً فشيئاً حتى أصبحت سوداء توجع الناظرين. ومع الأيام.. بدأت (تصعب عليه نفسه) ويتساءل كيف حصل السقوط بهذه السهولة، ودون القدرة على تفاديه ولو قليلاً؟، وكيف أن هذه الآثار التي تركتها حادثة السقوط ستبقى زمناً طويلاً دون أن تتعافى، لتذكّره كلّ لحظة ب (السلّم) الذي اعتلاه.. والذي لن يعتليه مجدداً. اكتشفتُ خلال فترة الغياب القسري لصديقتي أنني لم أفقد القدرة على البكاء اليومي، وأنني مازلتُ قادرة على النحيب والتلوّي، وليس كما كنت أظن أو أدّعي، لا.. بل العكس (طلعت أعرف أبكي بجد.. وبحرقة والله). المهم الآن أنني أصبحت أجيد سكب «دموع الفرح» أيضاً، وقد عرفتُ ذلك بعد أن التقيت بصديقتي أخيراً في بهو الفندق، ولكن بعد عودتي لحجرتي وحدي. من حكم الدنيا أنها لا تتيح لنا «دموع الفرح» في كل الأوقات، خاصة في تلك التي تتنافس فيها المشاكل والتحديات والظروف القاسية على الظهور، القلّة منّا فقط من يحاول أن يكون ممتناً للمصائب ومتفائلاً في (عزّ) الوجع والخذلان. بينما أغلبنا بالطبع سيعترف بأنه تعلم كثيراً من تلك الأوقات الصعبة، إنما بعد أن تنتهي للأسف. ولهذا بعد أن التقيتُ صديقتي مجدداً، وبعد سقوطي وارتطامي بسلّم الغياب، بدأتُ أتساءل: لماذا علينا انتظار الأوقات الصعبة حتى تمرُّ وتنتهي لكي نبدأ بالتعلم منها؟!. نعم لماذا لا نتعلّم الآن، أقصد قبل فوات الآن. من الغياب قبل أن يعود الغائب، من المرض قبل أن يشفى المريض، من الهموم قبل أن تنجلي، ومن الموت قبل أن ننسى الأموات؟. ٭ ماجستير تربية خاصة ، مدرب معتمد