منذ سنوات طويلة كان المرشد علي خامئني يعاني المرض وسرطان البروستاتا الذي وصل مراحل متقدمة، والذي انتشر في جميع أنحاء جسمه، وهنا لا نتشفى بمرضه، وانما هو شخصية أذريه ارتقت مكانا هاما في السلطة السياسية في ايران، عقب وفاة الخميني، وقد واجه خامئني ضغوطا كبيرة من رجال الدين والمنافسين له، اضطرته أن يلقي بجميع قواه خلف الحرس الثوري الايراني، ليكون القوة الموازية لمواجهة الضغوط عليه، لكن الحرس استغل هذه العلاقة، وبنى دولة داخل الدولة، وتوحش كثيرا، وسيطر على غالبية مرافق ومفاصل الدولة، وأصبح خامئني أسيرا لرجال الحرس، ولهذا فرض أعضاءه في مرافق الدولة والحكومة، وسيطروا على العلاقات الخارجية، وأصبحت له منافذه البحرية بعيدا عن رقابة الحكومة، ويتصرف دون اذن من الحكومة أو الخارجية. اليوم خامئني في المرحلة الرابعة من سرطان البروستاتا، وان العمليات الجراحية التي اجريت له لم تؤد الى نتيجة، وان معلومات تؤكد انه أرسل الى المانيا للعلاج والى روسيا، ولكن بلا نتيجة، وان طهران التي تكتمت كثيرا على مرض المرشد، تعيش حالة صراع داخلي بين المؤسسات وبين الحرس الثوري، الحرس الذي يرى أنه قدم الكثير لايران، وأن عليه ان يختار هو دون غيره المرشد، رغم ان مجلس الخبراء هم أهل الاختصاص في هذا الأمر. المتنافسون على منصب المرشد كثر، من بينهم خطيب جامع طهران (احمد خاتمي) واحمد جنتي رئيس مجلس صيانة الدستور، ومساعده مصباح يزدي، وصادق لاريجاني شقيق علي لاريجاني، وهاشمي رفسنجاني رئيس مصلحة تشخيص النظام، غير أن التوقعات تشير إلى ان مجتبى خامئني الذي يدير ميليشيات الباسيج التابعة للحرس الثوري، هو أبرز مرشحي الحرس الثوري، ومهمة ميليشيا الباسيج داخلية كونها تهيمن على الأمن الداخلي، وتهابها مختلف مؤسسات الدولة. الملفت للانتباه هو ان مركزية القرار السياسي في ايران بيد المرشد، ومن حوله مجرد لاعبين ثانويين، يقومون بأدوار لخدمة القرار، وان اختلفوا احيانا في التوجهات والمواقف، إلا ان القادمين لهذا المنصب الهام، ليسوا بمكانة ودهاء خامئني الذي مارس صنوف الدهاء السياسي مع منافسيه، من السجن والتحجيم والتهميش، والتجييش ضد مخالفيه الى الابعاد والاقصاء عبر توظيفه لعلاقته مع الحرس الثوري، وهو ما حصل مع شخصية بارزة كرفسنجاني، غير ان مقربين منه يؤكدون انه وفي السنوات الخمس الاخيرة أصبح رهينة بيد الحرس الثوري الذي بدأت علامات ومؤشرات تدخله واضحة في القرار السياسي، ولهذا فان أي مرشح لمنصب المرشد اما يصطدم بالحرس الثوري ونفوذه، او يستسلم له، او يكون المرشح من اتباعه، ولهذا فان المؤشرات المستقبلية تفيد التالي: لقد ظلت ميليشيات الباسيج والحرس الثوري تمارس أنشطتها دون الرجوع للحكومة واحيانا دون التنسيق معها، وظل الحرس سلطة لا تنطبق عليها قوانين الدولة، ولهذا فان هذا الفريق مرشح اكثر لممارسة الكثير من الأخطاء الداخلية والخارجية، حيث لا يملك هذا الفريق القدرة على التمييز بين متطلبات الدولة والعلاقات الدولية، وبين عمل الميليشيات، والتي دفعت بايران اليوم للتدخل في بلدان مجاورة كثيرة من افغانستان إلى العراق وسوريا وفقا لسياسات طائفية، ورهنت امكانات الشعب الايراني لتمويل ميليشيات مماثلة كحزب الله وحركة التمرد الحوثي وحماس وجبهة النصرة الليبية، وتنظيم القاعدة. الان ميليشيات الحرس الثوري الايراني معنية بتسويق الانتصارات الوهمية على الشعب الايراني، فاعلام الحرس الثوري يسوق دوره الكبير في التشدد في المفاوضات النووية، ورموز الحرس يؤكدون عودة الامبراطورية الفارسية الى أرض العراق، في لغة خيالية، تؤكد مرارة ما تعانية ايران من الداخل. لا يمكن لدول العالم وتحديدا دول الجوار الاطمئنان الى ايران، وهي منقسمة على نفسها بين مجموعة الدولة ومؤسساتها، والمفرغة القيمية التأثيرية في القرار السياسي الايراني، فالرئيس حسن روحاني عند قدومه قال كلاما لم يجرؤ على تنفيذه، ووزير خارجيته قال كلاما مماثلا، لكن السلطة الحقيقية بيد الميليشيات التي سيطرت على المرشد في السنوات الاخيرة، والتي تجاوزت ضوابط العلاقات الدولية، وأصبحت ممثليات ايران الدبلوماسية محل شكوك الجميع، ففي اليمن وفي توقيت سابق أبرز وزير الخارجية اليمني أدلة مادية وقرائن تدين ايران، ولم يجد وزير خارجية ايران آنذاك ما يدافع فيه عن نفسه سوى القول إن هذا ليس من عمل وزارة الخارجية، هذا عمل جهات أخرى. ايران اذا ما رغبت العيش بأمن واستقرار في المنطقة، عليها ان تؤمن بأن الاحلام الامبراطورية جزء من الماضي، وان لا كسروية بعد اليوم، وان طهران تتخوف الانفجار الداخلي، بعدما بدد الحرس الثوري ثروات ايران في دعم الميليشيات والاحزاب الخارجية والتنظيمات المتطرفة، وان عليها ان تؤمن بان التدخل في الشؤون الداخلية لن يحقق لها لا الأمان ولا الاستقرار، فايران دولة صمغية فيها تنوع متقاطع وقابل للانفراط، بمجرد حصوله على الدعم الخارجي، وانها قد تشرب من ذات الكأس، اذا ما وجدت دول الجوار ان الحكم الايراني سادر في غيه. * باحث سياسي