يوميا نقطع الأميال وتمضي بنا الساعات وتمر بنا مواقف وتحديات، يوميا تتشكل أمام أعيننا الدنيا، فتسود تارة وتبيض تارة أخرى، حيث يظلمنا القريب ويتجاهلنا الصديق، وهذا يجعلنا نضل الطريق في سفرنا في الحياة، ولكن مشيئة الله هيأت لنا نجوما إنسانية مؤثرة لإرشادنا للخير والفضيلة. من بين الشخصيات المؤثرة، رجل محب للخير ومميز بالتواضع، توفي والده وهو في سن مبكرة، وقد رعته والدته مع إخوانه الصغار، وقد أدت به ظروف أسرته المعيشية للعمل مع أخواله في مهنة الجزارة، حيث كان يستيقظ قبل الفجر للذهاب للمقصب (محل ذبح الذبائح)! ويتذكر صاحب تلك الشخصية تلك الأيام، حيث كان يسوق الأغنام للمقصب بينما الكلاب تمر بينهم وهي تنبح. كما يتذكر تلك الأيام التي نفخ فيها جلد الذبيحة تمهيدا لسلخها، بعد تلك الظروف التي صقلت تجاربه المبكرة، التحق أبو علي (عادل الناس) وهو من أهالي الهفوف الأفاضل بشركة أرامكو السعودية، حيث أكمل المقررات الدراسية ودرس في أمريكا ونال شهادة الماجستير في الهندسة الميكانيكية. وقد شارك مع زملائه في تصميم وإنشاء معمل خريص لإنتاج الزيت (أكبر مجمع لإنتاج الزيت في العالم)، ويعمل الآن مع شركة صدارة لتشييد احد أكبر معامل البتروكيماويات في العالم، أبو علي لا يجد حرجا بربط ماضيه الشاق المتمثل في سلخ الذبائح مع حاضره المضيء، والمتمثل في مناقشة أحدث التصاميم الهندسية مع أعتى المهندسين في طوكيو وميلانو ولندن وهيوستن. من ناحية أخرى، تختزن الذاكرة صورة أخرى لأحد الشخصيات المؤثرة واسمه عبدالله بوخوه (رحمه الله)، وهو رجل مسن حنطي اللون، تزين محياه شعيرات بيضاء، زادته وقارا. وقد كان عبدالله بوخوه يوزع الماء البارد أسبوعيا بالمجان لمرتادي سوق الأربعاء القديم (الواقع بالقرب من مدرسة صلاح الدين بالمبرز). وقد كانت أيدي الناس تتسابق للفوز بكأس ماء بارد منه، مع كل كأس كان يقدمه، كان يناول الناس العطاء الإنساني والإحسان والطيبة والعطف. من ناحية أخرى، عرف عنه ايضا تبرعه مجانا بتنظيف وتطييب المساجد القريبة منه. قصة الجزار الذي تحول إلى مهندس، وحكاية الرجل الذي يقدم الماء وينظف المساجد مجانا، هي مثال لتلك النجوم المضيئة التي ترشدنا لطرق الخير والفضيلة، وتبث فينا أملا أن الدنيا ما زال بها خيرون!