أصبحت كفاءة الاستثمار واحدة من أهم التحديات التي تواجه الاقتصاديات الخليجية، خاصة بعد عودة الإيرادات النفطية للانخفاض. وخلصت دراسة حديثة أجراها صندوق النقد الدولي حول كفاءة الاستثمار في البلدان المصدرة للنفط في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الى أن إقامة مؤسسات مالية قوية ونظام مالي منوع لإدارة الاستثمار العام في هذه البلدان مطلب حيوي لتعزيز النمو الاقتصادي. وتؤكد دراسة الصندوق أن تحسين كفاءة الاستثمار العام باتت أولوية قصوى في هذه البلدان، وهو ما يرجع جزئيا إلى احتياجاتها التي لا تزال كبيرة في مجال البنية التحتية، رغم ارتفاع مستويات الانفاق الاستثماري على مدار العقد الماضي مع ارتفاع أسعار النفط، مشيرة إلى أن هذا ينطبق حتى بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي التي لا تزال بحاجة قوية لتنويع وتقوية انظمتها المالية، بالرغم من أنها تعد الأفضل أداء من بين البلدان التي خضعت للدراسة. نظريا، وفيما يخص تنويع وتعزيز دور النظام المالي في التنمية، فقد اهتمت النظريات الاقتصادية الحديثة كثيرا بالدور الذي يلعبه قطاع المؤسسات المالية في التنمية الاقتصادية. فالشركات والمؤسسات التى تملك فائضا ماليا باستطاعتها من خلال ما توفره من نقود، ان تقوم باقراض الشركات او المؤسسات التى تعاني عجزا ماليا، وهذه الوظيفة تسهم في زيادات مستويات النشاط والانتاج؛ لان الاموال المتوفرة في الاقتصاد سوف يزداد تشغيلها، وبموجب هذه الوظيفة، فان مؤسسات التمويل الوسيطة مثل البنوك وبنوك الاستثمار ومؤسسات الائتمان والادوات المالية والاسواق المالية، سوف تلعب دورا رئيسيا في تقديم خدمات اكثر تخصصا، مصممة لتلبية احتياجات مختلف العملاء والحكومات، سواء من حيث الآجال او الفائدة او طرق التسديد او العملة. وهذه الوظيفة كما يلاحظ تركز على كفاءة استخدام الاموال الفائضة بما يخدم التنمية الاقتصادية. كما اهتمت النظريات الاقتصادية الحديثة بالدور الذي يلعبه القطاع المالي في الدول ذات الموارد الناضبة، فيلاحظ ان اهمية القطاع المالي بدول مجلس التعاون الخليجي تزداد في حجمها وقيمتها، بالمقارنة مع بقية الدول النامية؛ وذلك كون دول المنطقة تعتمد في تمويل برامج التنمية الاقتصادية على مورد مالي يجيء من تصدير سلعة واحدة مآلها الى النضوب، لذلك، فإنها مطالبة بتعظيم العائد من الموارد التي تملكها حاليا – وهي اساسا موارد مالية – من أجل التعويض عن عوائد النفط مستقبلا في حالة نضوبه. كما أن عوائد النفط تتعرض باستمرار للتقلبات بسبب عوامل العرض والطلب التي تتحكم فيها في العادة عوامل خارجية وخارجة عن إرادة الدول المصدرة للنفط. وبالتالي فان أي تقلبات في هذا المورد لأي سبب كان سوف تعرض برامج التنمية للخطر ايضا، وبالتالي فان بامكان مؤسسات واسواق المال بدول المنطقة توفير العديد من المنتجات والادوات التى بامكانها ان تسد الثغرات الناجمة عن عجز بالتمويل، وبالتالي اضفاء الاستقرار على تنفيذ السياسات المالية والنقدية والبرامج الانمائية. وإلى جانب ذلك، تتضح أهمية دور مؤسسات واسواق المال الخليجية في رفع كفاءة استخدام السيولة المالية المتوفرة من خلال توظيفها في مشروعات ومنتجات منتجة وتدر عوائد مجزية. إلا أن القطاع المالي الخليج وعلى الرغم من أنه يملك وكما قلنا البنى التحتية المتطورة، إلا أنه بحاجة إلى توفير وتعزيز وتنويع المؤسسات والوظائف الضرورية للتمكن من أداء ذلك الدور. ففيما يخص المؤسسات يبرز بشكل واضح غياب او ضعف دور بنوك الاستثمار على مستوى الاسواق المحلية. ان بنوك الاستثمار تلعب كما هو معروف دورا رئيسيا في تلمس احتياجات المستثمرين المختلفة (سواء الاستثمار في مشروعات حقيقية او في موجودات مالية)، ومن ثم القيام بمساعدته على دراسة هذه الاحتياجات والوصول الى تحديد احتياجاتهم بشكل اكثر دقة، ومن ثم تجديد عوامل النجاح والفشل وعرض الدخول معهم في تمويلها، والمساعدة في تقديم خدمات التقييم والترشيد والتسويق في وقت لاحق. كذلك توجد حاجة الى شركات الاستثمار ذات الدور الفاعل او ما يسمى Entrepreneurship بحيث تساهم بالتعرف على فرص الاستثمار ومبادرة الانفاق على دراستها ثم طرحها في السوق. وكذلك شركات الوساطة المالية والمؤسسات المسماة Capital Venture التى تتولى رعاية وتمويل اصحاب الافكار الاستثمارية المبدعة، وتسهم في توفير التمويلات الضرورية بهدف طرحها في وقت لاحق للجمهور في اكتتابات عامة. كما توجد حاجة ضرورية ايضا لتعزيز دور المؤسسات المكملة للبنية المالية التحتية، مثل مؤسسات التدقيق والمحاسبة والمشورة الادارية والمالية ووكالات تثمين الجدارة الائتمانية ووكالات تشجيع الاستثمار التى تساهم جميعها في تأمين الشفافية والدقة في الافصاح المالي. كما ان هناك ايضا مؤسسات التقاص وتسوية التدفقات المتصلة بعمليات السوق المالي. اما بالنسبة للادوات والمنتجات، فمن الملاحظ بصورة واضحة ان التداول في اسواق المال الخليجية يقتصر في الوقت الحاضر على الاسهم بشكل رئيسي حيث تغيب ادوات الدين باشكالها المختلفة وكذلك ادوات المشتقات المالية، وجميع هذه الادوات تعكس وظائف مالية مهمة تلبي احتياجات معنية لجمهور المدخرين والمستثمرين وان غيابها يعني وجود ضعف في تلبية هذه الاحتياجات. وبالنسبة للاسواق، فصحيح ان جميع الدول الخليجية لجأت الى تنظيم التداول في الاوراق المالية، سواء من خلال انشاء البورصات او غيرها من اشكال التنظيم والتنسيق، الا ان هذه الاسواق لا تزال ناشئة ومحدودة الوظائف والادوار وتتسم بالصغر، نظرا لضآلة عدد الشركات المساهمة ونسبة الاوراق المالية المعروضة والقابلة للتداول او التى يتم تداولها بالفعل. وفي جانب الطلب يلاحظ تركز التداول في ايدي عدد محدود من المستثمرين؛ مما يعرض التداول الى ممارسات وتحركات قد لا تكون موضوعية ولا تعكس العوامل الاساسية في السوق وانما العوامل الفردية. كما تفتقر هذه الاسواق الادوار المتخصصة لصانعي السوق والوسطاء الماليين الذين يقيمون الاسهم ويقدمون استشاراتهم وبحوثهم الفنية. كما ان التشريعات والقوانين التى تحمي مصالح صغار المستثمرين لا تزال بحاجة الى تطوير واستكمال.