قام البنك الدولي وقبل عدة اعوام باجراء مسح شامل ومعمق للبيئة المالية العالمية، وقام الباحثون فيه بتناول وبكثير من التفصيل تجارب الاصلاح المالي في الدول النامية حيث تركز البحث على اجراءات التحرير المالي خاصة اسعار الفائدة والصرف والتجارة وذلك بهدف ايجاد مناخ اقتصادي كفء يمهد الطريق لقيام رؤوس الاموال المحلية بلعب دور اكبر في التنمية الاقتصادية. ان الملاحظة الهامة التى برزت من خلال هذا المسح هي تعاظم حاجة الدول النامية للاعتماد على مواردها الذاتية في دفع عجلة التنمية0 وبالنسبة لكثير من البلدان النامية فان هذه الحاجة فرضها تراجع تدفق الاستثمارات الاجنبية مع تقلبها الواضح كما حدث في اميركا اللاتينية وآسيا حيث تبخرت خلال ايام قلائل مئات المليارات من الاستثمارات الاجنبية التى يفترض انها كانت موظفة محليا. كذلك ازدياد صعوبة الاقتراض من البنوك الدولية وتراجع معدلات المعونات الدولية. اما بالنسبة للدول العربية النفطية فان تلك الحاجة فرضها ولا يزال التذبذب المستمر في العوائد النفطية في الوقت الذي بلغت فيه هذه البلدان مرحلة متقدمة في تشييد البنى التحتية المتطورة والخدمات الاجتماعية الحديثة للمواطنين، كما بلغت جهود التنويع الاقتصادي منتصف الطريق تقريبا وبالتالي فان أي تراجع عن هذه الانجازات سوف ينطوي على آثار اقتصادية واجتماعية سيئة للغاية، ولا بديل من ثم سوى زيادة الاعتماد على الموارد الذاتية في مواصلة الطريق نحو النهاية. وبالنسبة للبلدان العربية النفطية، خاصة الخليجية، فان القطاع الخاص يملك موارد مالية كبيرة من شأن توظيف اجزاء مهمة منها في الاستثمارات الوطنية ان يضمن لها وبصورة مستقرة ان تواصل الطريق المرسوم. وفي هذا الاطار الكلي للتوجهات الاقتصادية يبرز الدور الذي يمكن ان تلعبه اسواق رأس المال. فهذه الاسواق توفر للاستثمارات المتداولة فيها خاصية السيولة والتوزيع الواسع للمخاطرة والتعرف اليومي والمنتظم على العوائد المتحققة. وهذه الخصائص الثلاث مجتمعة تمثل اهم حافز يتطلع رأس المال الخاص لتوفيره لكي يقوم بالاستثمار. الا ان اسواق المال الخليجية تواجه حاليا العديد من الصعوبات تتمثل في ضآلة عدد الشركات المساهمة ومحدودية الاوراق المالية المعروضة القابلة للتداول والتي تقتصر في الغالب على الاسهم فقط, كما تركز تداول الاوراق المالية في ايدي عدد محدود من المستثمرين مما يعرض التداول الى ممارسات وتقلبات غير موضوعية. كما تفتقر هذه الاسواق الى وجود مؤسسات متخصصة تدعم وتعزز دورها الاقتصادي كالوسطاء الماليين وشركات وبنوك الاستثمار التي تقوم بإعداد الدراسات المالية اللازمة وتقديم الخدمات الاستشارية للمتعاملين في الاسواق المالية. اضافة الى ذلك هناك نقص حاد في التشريعات والقوانين التي تحمي المستثمرين والمتعاملين في الاسواق المالية وبما يؤكد الثقة فيها ويقلل من مخاطر الاستثمار فيها. ان تجاوز هذه الصعوبات والعقبات يستدعي ضرورة تحسين شروط تشغيل اسواق المال من حيث انظمة المتاجرة والمعلومات المتوافرة للمتعاملين والرقابة على التحركات السعرية والتداول الداخلي وسرعة تخليص التعاملات وقواعد الافصاح المالي وقوانين حماية المستثمرين فيها. اما على مستوى الاقتصاد الكلي فان المطلوب اعادة النظر في مفهوم ودور اسواق رأس المال بحيث يتم ربطها بأهداف اكثر عملية ووضوح وقابلية للتنفيذ بعيدا عن الشعارات المجردة.