تعتبر سياسة التنويع الاقتصادي إحدى الأدوات الهامة في عملية التنمية الاقتصادية المستدامة, وتعد من أهم التحديات التي تواجه اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي التي تعتمد على تصدير سلعة واحدة ناضبة هي النفط, التي تتعرض عوائدها للتقلبات والتذبذبات في الأسواق العالمية وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها في دفع عملية التنمية المستدامة. ويقول الدكتور نوزاد عبدالرحمن الهيتي باحث أول بمجلس التخطيط بدولة قطر انه بالرغم من مرور أكثر من عقدين على وضع خطط وبرامج اقتصادية بخصوص التنويع الاقتصادي غير اننا نجد اليوم ان النفط ما زال مسيطرا على الإيرادات العامة, وعلى هيكل الصادرات وعلى هيكل الناتج المحلي الاجمالي. وفي ورقته البحثية عن التنويع الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي الواقع الراهن والاستراتيجية المطلوبة يشير الدكتور الهيتي الى ان هذه الورقة تبحث في توضيح ماهية التنويع الاقتصادي ومؤشراته الكمية في دول المجلس التعاوني الخليجي, والتحديات التي تواجه المجلس في سبيل تنويع قاعدته الانتاجية. مفهوم وأهمية التنويع الاقتصادي يعرف بعض الاقتصاديين التنويع الاقتصادي بانه عملية تدرييجية لتنويع مصادر الدخل بينما يرى آخرون بانها عملية تراكمية لزيادة مساهمة القطاع الصناعي والقطاع الخدمي في الناتج المحلي الاجمالي, في حين يعرف القسم الآخر التنويع بانه عملية نسبية لتحول الاقتصاد القومي. ولاغراض البحث يرى الباحث ان التنويع الاقتصادي هو عملية تستهدف تقليل مساهمة النفط في الناتج المحلي والاجمالي, وفي الإيرادات الحكومية وتقليص دور القطاع الحكومي وتعزيز مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي. ويهدف التنويع الاقتصادي الى تحقيق الآتي: 1 توسيع فرص وآفاق الاستثمار المحلي وكذلك الاستثمار الأجنبي المباشر وزيادة الشركاء التجاريين والأسواق الدولية. 2 تقوية الروابط بين القطاعات الاقتصادية وبالتالي تحقيق الاستقرار الاقتصادي. 3 توسيع وتنويع العوائد وزيادة القيمة المضافة في قطاعات الاقتصاد الوطني المختلفة, ومنه ثم تسريع عملية النمو الاقتصادي. 4 توفير بعض فرص العمل للعمالة الوطنية. 5 ايجاد صناعة تصديرية او احلالية تسهم في تقوية الروابط الأمامية والخلفية للصناعات القائمة. واقع التنويع الاقتصادي في دول المجلس: تستدعي قياس عملية التنويع الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي استقصاء مؤشرات معينة, مثل مساهمة القطاعات المختلفة في الناتج المحلي الاجمالي, ومساهمة قطاع النفط في الصادرات ونسبة الإيرادات النفطية في اجمالي الإيرادات الحكومية. 1 الأهمية النسبية للقطاعات في الناتج الأجمالي: يشكل هذا المؤشر احد أهم المؤشرات لقياس درجة التنويع الاقتصادي فكلما زاد التنويع الاقتصادي كلما زادت مساهمة قطاعات الزراعة والصناعة في الناتج المحلي الاجمالي وانخفضت مساهمة قطاع النفط . ويلاحظ من الجدول ان هناك تطورا ملحوظا في نسبة مساهمة القطاع غيرالنفطي في الناتج المحلي الاجمالي خلال العقدين المنصرمين, حيث ارتفعت من 2ر44% عام 1980 الى 0ر58% في العام 2000م. بينما انخفضت مساهمة قطاع النفط (نفط وغاز) من حوالي 8ر55% في العام 1980م الى 0ر42% في عام 2000م, وهذا يعكس النجاح البسيط لعملية التنويع. اما فيما يتعلق بمساهمة الصناعات التحويلية في الناتج المحلي الاجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي فقد زادت من 3ر6% عام 1980م الى 5ر9% في عام 2000م, اما على صعيد الاقطار منفردة فقد تضاعفت النسبة في الكويت والسعودية في الفترة 1980-2000م, وزادت بأكثر من ثلاثة اضعاف في الامارات العربية المتحدة. ويلاحظ انه بالرغم من تطور قطاع الصناعات التحويلية, غير انه لم يصل بعد مرحلة يمكن اعتباره فيها القوة المحركة للاقتصاد القومي, كما لم تصل الصناعات التحويلية الخليجية الى درجة من التقنية والجودة تمكنها من المنافسة في اسواق التصدير العالمية باستثناء بعض السلع القليلة وخاصة المنتجات البتروكيماوية. اما فيما يرتبط بمساهمة القطاع الزراعي, فيلاحظ ان سياسة التنويع الاقتصادي لم تقده الى تطور في هذا القطاع, نظرا لعدم توفر قاعدة زراعية ومصادر مياه جيدة, حيث بقيت مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الاجمالي بسيطة بالرغم من ارتفاعها من 08ر1% عام 1980م الى 5ر3% في عام 2000م اما على صعيد الاقطارالخليجية فرادى فقد انخفضت النسبة في عمانوالبحرين وارتفعت بنسبة ضئيلة في قطروالكويت غير انها ارتفعت من 19ر1% عام 1980م الى 45ر5% عام 2000م في السعودية ومن 95ر0% الى 9ر2% في الامارات. وخلاصة القول فان دراسة تطور هيكل الناتج المحلي الاجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي توضح مدى تأثير العوائد النفطية في هيكل الناتج المحلي الاجمالي, وتبرز اهمية الاسراع في تنويع مصادر الدخل في تلك الدول للتقليل تدريجيا من مخاطر الاعتماد على مورد آيل للنضوب (النفط) في تمويل الفعاليات الاقتصادية المختلفة, وفي خلق قاعدة اقتصادية متوازنة تتوفر لها فرص استثمارية متنوعة. 2- نسبة الصادرات النفطية الى اجمالي الصادرات: بالرغم من الجهود التي قامت بها دول مجلس التعاون لتنويع هيكل الصادرات ومعالجة الاختلال فيه, غير اننا نجد ان الاهمية النسبية للصادرات النفطية في اجمالي الصادرات لدول مجلس التعاون الخليجي مازالت مرتفعة حيث مثلث قرابة 90% في عام 2000م. كما تبين ان قطاع النفط يساهم بأكثر من 90% من اجمالي الصادرات في السعودية, وعمانوقطروالكويت وحققت كل من السعودية والامارات تطورا ملحوظا في سعيها للتقليل من هيمنة الصادرات النفطية على هيكل الصادرات. 3- نسبة العائدات النفطية على اجمالي الايرادات الحكومية: بالرغم من انخفاض نسبة الايرادات من اجمالي الايرادات الحكومية من 5ر87% عام 1980م الى 6ر81% في عام 2000م غير ان الانخفاض يتفاوت من قطر لآخر. ويلاحظ بان مساهمة الايرادات النفطية في اجمالي الايرادات الحكومية قد شهدت انخفاضا خلال العقدين الماضيين في كافة دول المجلس باستثناء الكويت التي ارتفعت فيها نسبة مساهمة الايرادات النفطية من 82% عام 1980م الى 18ر91% عام 2000م. كما يلاحظ ارتفاع مساهمة الايرادات الاخرى من اجمالي الايرادات الحكومية لدول مجلس التعاون من 3ر12% في العام 1980م الى 4ر18% في عام 2000م, ويلاحظ تفاوت الاقطار الخليجية في هذا المؤشر, حيث حققت كل من الاماراتوقطروالبحرين افضل النتائج, حيث تضاعفت النسبة بأكثر من ثماني مرات في الامارات واكثر من ثلاث مرات في قطر., وبحدود المرتين في البحرين, وارتفعت بنسبة بسيطة في السعودية. عناصر التنويع الاقتصادي في دول المجلس: تمثل الخصخصة وتعزيز الاستثمار الاجنبي في دول المجلس, عناصر رئيسية في سياسات التنويع الاقتصادي, حيث يوسعان دور القطاع الخاص, وتراكم رأس المال الخاص, ويساعدان على تغيير توجه الاقتصاديات المعنية من الاعتماد على القطاع الخاص, ويخففان من العبء المالي الملقى على عاتق القطاع العام, وفيما يلي شرح مفصل لكل من السياستين: 1- سياسة الخصخصة: حظيت الخصخصة بأهمية متصاعدة خلال عقد التسعينات من القرن الماضي في اطار الجهود الكبيرة التي اخذت اغلب دول المجلس القيام بها لتحقيق الاصلاح الاقتصادي, ويرجع ذلك بصفة عامة الى التحول الكبير الذي طرأ في الاستراتيجية التنموية التي بدأت تتبناه دول المجلس, نظرا لما تحققه سياسة الخصخصة من مزايا هامة يمكن الاشارة اليها بما يلي: * اتاحة الفرصة امام صغار المستثمرين المواطنين للاستثمار في المشروعات الصناعية والخدمية في الدولة المسألة التي تزيد من مشاركتهم في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية. * تسهيل عملية توظيف مدخرات القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني بدلا من توجيهها الى الخارج. * توسيع قاعدة ملكية المؤسسات. * تعزز من فرص نمو اسواق الاسهم في المنطقة وتوسع هذه الاسواق من حيث عدد الشركات المسجلة وحجم التداول والسيولة. ومن خلال استقراء التطورات الحاصلة بسياسات الخصخصة التي تعد شرطا مسبقا للتغيير الهيكلي الذي له اهمية حيوية للتنويع الاقتصادي يمكن تثبيت النقاط التالية: أ - لا يزال التقدم محدودا في بيع اسهم حكومات دول مجلس التعاون, باستثناء الكويت, في الشركات المحلية, بالرغم من ان الحكومات المختلفة قد اعلنت عزمها السير في هذا الطريق مستقبلا. ب - تسارع جهود خصخصة مرافق البنية التحتية الامر الذي يعزي الى نشوء احتياجات كبيرة لتطور هذه المرافق نتيجة للنمو الاقتصادي والسكاني الذي شهدته دول المجلس كافة, وانخفاض كفاءتها نتيجة نقص التمويل الملائم وقصور الادارة. ج - تركزت انشطة خصخصة البنية التحتية بصورة اساسية في قطاعات الكهرباء والماء والاتصالات, وذلك نظرا للتطورات الكبيرة والمتلاحقة في التقنية المستخدمة فيها والتي ادت الى انخفاض حجم والتكلفة المتعلقة بها. وبالرغم من المراحل التي قطعتها مسيرة الخصخصة في دول مجلس التعاون, غير انها مازالت بسيطة ولم تسهم في توسيع قاعدة التنويع الاقتصادي بسبب وجود بعض المعوقات المؤسسية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية. 2- تعزيز الاستثمار الاجنبي المباشر: تعد الاستثمارات الاجنبية مؤشرا مهما وعنصرا داعما لجهود التنويع الاقتصادي وتوسيع القاعدة الانتاجية للاقتصاد الوطني, وهذا ما اثبتته شواهد التنمية الاقتصادية الناجحة في العديد من دول العالم. ودفعت هذه التجارب الناجحة بالعديد من دول العالم ومنها دول المجلس الخليجي لتكثيف جهودها لجذب الاستثمار الاجنبي المباشر الهادف الى خلق التنويع الاقتصادي والى التصدير لتعزيز قدراتها التنافسية في الاسواق العالمية, وتعظم المنافع التنموية لهذه الاستثمارات من خلال تبني اساليب اكثر تركيزا واستهدافا للمستثمر الاجنبي. ويمكن القول بان جذب استثمارات اجنبية بصورة كبيرة يعكس تحقيق مرحلة متقدمة نسبيا من التكامل الاقتصادي مع المجتمعات المشاركة ويمثل توجها واضحا نحو الانفتاح والاندماج مع الاقتصاد العالمي. وشهدت الاستثمارات الاجنبية المباشرة المتدفقة لدول مجلس التعاون الخليجي تذبذبا خلال العقد الاخير من القرن العشرين حتى وصلت الى حوالي ملياري دولار في عام 2000م مقارنة بنحو 240 مليار دولار في الدول النامية و1005 مليارات دولار في الدول المتقدمة. ويلاحظ ان السعودية استحوذت على اكثر من 50% من حجم الاستثمار الاجنبي المباشر المتدفق لدول المجلس, وهذا يرجع الى اتخاذها العديد من الخطوات الهامة في مقدمتها انشاء الهيئة العامة للاستثمار, واصدار قانون يسمح بالملكية الكاملة لمشروعات اجنبية, بالاضافة الى توفير حوافز وتسهيلات للمستثمرين الاجانب في قطاعات حيوية على رأسها مبادرة قطاع الغاز. استراتيجية التنويع الاقتصادي في دول المجلس: يستدعي التطبيق الفعال لسياسة التنويع الاقتصادي وجود بعض المتطلبات والشروط على المستويين الوطني والاقليمي. فعلى المستوى الوطني يمكن التركيز على النقاط الآتية: أ - توفير الشروط اللازمة لايجاد قوة عمل متعددة المهارات. ب - تكوين القاعدة الاقتصادية المناسبة. ج - دعم جهود الخصخصة. د - بناء القاعدة العلمية والتقنية. وعلى الصعيد الاقليمي فان السياسات الاقتصادية التي تتبناها كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي ينبغي ان يتم وضعها في اطار تكاملي مع بقية دول المجلس, وهذا يستدعي التنسيق في رسم تلك السياسات, وفي هذا الاطار يمكن التركيز على ثلاثة مجالات لتشجيع المنافسة وتنويع النشاط الاقتصادي وهي: ا استغلال الفرص المتاحة لاحلال الواردات. ب استفادة النشاط الصناعي من جهود التكامل. ج فتح التكامل الاقليمي الباب امام التكامل الافقي. الخلاصة: وطبقا للدكتور الهيتي فقد خلص في ورقته البحثية الى عدد من النتائج وهي: 1- بالرغم من اهمية سياسة التنويع الاقتصادي ودورها في ايجاد مصادر دخل بديلة للنفط في دول المجلس, غير ان النفط وايراداته سيظلان ركيزة التنمية نظرا للدور الذي يمارسه في الاقتصاد كسلعة اقتصادية ولدور الايرادات النفطية في تحقيق مستوى معيشة لائق. 2- تشير المؤشرات الكمية للتنويع الاقتصادي ان دول المجلس قد حققت بعض النجاح في مؤشرات اقتصادية معينة فمثلا ارتفعت نسبة الصادرات غير النفطية من اجمالي الصادرات على حساب الصادرات النفطية وهذا اتجاه صحي. في حين اخفقت في مؤشرات اخرى, فعلى سبيل المثال ارتفعت نسبة الايرادات النفطية من اجمالي الايرادات الحكومية, وهذا يمثل مؤشرا سلبيا لعملية التنويع الاقتصادي. 3- يعد القطاع الصناعي من القطاعات غير النفطية المهمة التي استفادت من عملية التنويع, اذ ارتفعت مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الاجمالي في دول المجلس بينما بقيت مساهمة قطاع الزراعة على ما هي عليه في دول المجلس باستثناء الامارات والسعودية. 4- يمكن ان تكون الاستثمارات الخارجية اداة مهمة في التنويع الاقتصادي بحيث تشكل مصدر دخل يمثل نسبة كبيرة من الناتج المحلي الاجمالي, فنجاح الكويت في توفير عائد للاستثمارات الخارجية كمصدر دخل مرافق للدخل النفطي يعد نموذجا جيدا على نجاح سياسة التنويع الاقتصادي. وختاما نقول ان نجاح دول مجلس التعاون الخليجي في تطبيق سياسات التنويع الاقتصادي تستدعي مواصلة الاصلاحات الاقتصادية والهكيلية والتعجيل بعملية الخصخصة وزيادة درجات التعاون الاقتصادي الاقليمي والسعي الى اجتذاب الاستثمار الاجنبي المباشر وتشجيعه, واتخاذ اجراءات نقدية ومالية تشجع القطاع الخاص على تحويل بعض اصوله الموجودة في الخارج الى الدول الام واستثمارها في الاقتصادات الوطنية في مشاريع محلية او اقليمية. ضرورة اتاحة المزيد من فرص العمل للمواطن الخليجي الصناعات الخليجية غير النفطية اعطت دفعة للتنوع