في الماضي غير البعيد كنا نرى مساحات شاسعة بين مدينة الهفوف ومدينة المبرز. كنا نلاحظ الفراغ الواضح بين المدينتين. وعندما يأتي العيد في الأحساء فإن الكل يترقب ومنذ سنوات طويلة كان هناك اتفاق غير مكتوب، وهو أن أهالي مدينتي الهفوفوالمبرز والعيون سيقومون بمعايدة بعضهم البعض بطريقة منظمة ومنسقة سلفا، في وقت كانت هناك مسافة تعتبر بعيدة نسبيا بين تلك المدن العريقة، في وقت لم تكن هناك سبل مواصلات حديثة. وبعد أن مرت السنون وأصبحت مدينة الهفوفوالمبرز والعيون مدينة واحدة بعد التمدد الأفقي، إلا أن أهالي الأحساء أبوا إلا ان يستمر هذا التقليد الذي يعكس مدى الترابط الأسرى بين جميع الأسر من جميع الطبقات وجميع شرائح المجتمع. وهذا شيء.. كانت ولا تزال الأحساء تتميز به في مدنها الرئيسة الثلاث وهي الهفوفوالمبرز والعيون. إضافة إلى عشرات القرى في الأحساء. والأحساء من المناطق القليلة التي من الممكن أن تمضي أيامه الثلاثة، وأنت تذهب من بيت إلى بيت ومن مجلس إلى مجلس، وفي نهاية المطاف تحس أنك نسيت بيوتا وأسرا وأقارب لم تقم بمعايدتهم. ليس لأنك نسيت ولكن لأن الوقت لا يكفي. فالعيد في الأحساء هو نفسه العيد الذي كنا نعيشه منذ القدم. تمضي ثلاثة أيام وكأنها سويعات قليلة. والجميل في الأحساء هو أن الكثير من عاداتها لم يتغير، بل إن الكثير منها تمت المحافظة عليها. والسبب يعود إلى أن أهالي الأحساء كانوا منذ القدم وإلى الآن يتمتعون بتقبل الغير، ويحسنون التعامل مع الآخر، وهذا ما زاد من قوة وصلابة ترابطهم، وزاد من أواصر الصداقة والأخوة فيما بينهم. وفي مجالس وبيوت جميع الاسر أثناء العيد كل شرائح وطوائف المجتمع متواجدة. تنتقل من بيت إلى بيت ومن مجلس إلى مجلس، ولكن في كل بيت تذهب إليه تحس أنك في بيتك وبين أفراد أسرتك. وفي الأحساء تحس في العيد بعبق الحاضر يلامس الماضي. فأنت ترى أجود أنواع التمر تنتظرك في كل بيت ومجلس ويتم تقديمه بطريقة ترى من خلالها تاريخ الأحساء الذي يمتد إلى آلاف السنين التي كانت فيها الأحساء دائما في المقدمة. سواء أكان من الناحية التجارية والاقتصادية أو من خلال الحركة الثقافية التي كانت متمثلة بالمدارس القديمة التي كانت في الواقع أشبه بالجامعات المصغرة. وشيء جميل أن ترى في العيدين أن أهالي المدن والقرى يجعلون من الأعياد تجديدا لتراث قديم واسلوب جديد في تقوية أواصر الصداقة والمحبة والألفة بين أهالي الأحساء، صغيرهم وكبيرهم. والعيد في الأحساء يختلف تماما عنه في أي مكان آخر وله نكهة خاصة مميزة مثل نكهة تمره المليء بالدبس. وفي الوقت الحالي جميل ان نرى الكثير من المشاريع التي ستغير ملامح الأحساء، ولكن مع هذا فالأحساء تحتاج إلى مشاريع أكثر لأن الأحساء من كبريات المناطق من ناحية المساحة والسكان. والأحساء ليس جمالها محصورا بجمال نخيلها وينابيعها، بل الأحساء جميلة بأهلها. وهذا ما يجعل العيد مختلفا. ففي هذا اليوم سنرى أهالي الهفوف وهم في ضيافة إخوانهم أهالي المبرز. تقليد قديم ولكن جماله لم يتغير.