الحنين إلى مسقط الرأس يأخذنا إلى بدايات الحياة وملامح الطفولة وبراءة الإنسان.. عندما نتذكّر المكان الأول لشروق الشمس فينا.. يجرفنا حنين موجع لأشياء كثيرة كنّا نحبها ومازلنا متعلقين بجذورها ورائحتها التي ترغمنا أن نتحيّن كل الفرص الممكنة لقضاء بعض الأوقات هناك. ومع انطواء آخر أيام شهر رمضان المبارك وبدء إجازة عيد الفطر بدأ الكثيرون يشدون رحالهم وحزم أمتعتهم مغادرين نحو مسقط رأسهم في المحافظات والقرى، التي اعتادوا أن تكون هي وجهتهم الأولى والمفضلة لقضاء إجازة العيد بين أحضانها؛ فالكثير من مضامين وتفاصيل العيد التي عاشوها سابقاً مازالت حاضرة زماناً ومكاناً في نفوسهم إذ لا طعم للعيد بعيداً عن تلك الأجواء والطقوس التي تعلقوا بها وتعلقت بهم؛ فالعيد في المحافظات والقرى يبدو أكثر إشراقاً وبهجة بقدوم المسافرين من مختلف جهات الوطن. ماض وذكريات بداية أكد «سعود الطويهر» على أن إجازة العيد من أثمن الفرص التي ينتهزها دائماً للعودة إلى مسقط رأسه في محافظة حقل حيث الأهل ورفاق الطفولة، مبينا أن قضاء الإجازة في محافظته أمر لا يفرضه الواجب الاجتماعي فحسب، بل هي استجابة لرغباته الملحة التي يفرضها الحنين الدائم لتفاصيل الأمكنة المشبعة برائحة وعبق الماضي الجميل والمثقلة بقيم التواصل والتقارب الحميمي بين سكانها، مضيفاً أنه سبق وأن عايش العيد في المدينة بحكم ارتباطه بعمله وحينها شعر بمدى الفرق الشاسع بين العيدين؛ فالمحافظة وإن كانت تخلو من كل الزينات والأضواء الصاخبة التي تزيّن الشوارع إلاّ أن ما يجملها هو ذلك التقارب والتواصل بين العائلات والجيران في أجواء بسيطة خالية من التكلف والتعقيد، مبيناً أن صخب المدينة وضيقها وضجيجها ليلة العيد لا يستحق من سكانها في صباح العيد كل ذلك الهدوء والجمود؛ إذ بالكاد يرى قليل من الأطفال في الأحياء، متسائلاً لم كل تلك الاستعدادات المكلفة جداً وفي النهاية نجد كثيرا من الأبواب صبيحة العيد «مغلقة» وقد اكتفى الكثير منهم بالمعايدات الالكترونية. وقال «سعود السرحاني» إنه مع قدوم العيد يشدني الحنين إلى قريتي الصغيرة الممتلئة بالكثير من المشاهد العفوية التي تعيد صياغة الماضي بروحه الأصلية والتي لم تتغيّر كثيراً عن الحال الذي عايشته منذ طفولتي، مؤكداً على أن فرحة العيد لا تكتمل إلاّ باجتماع الأهل والرفاق؛ لذا من الصعب أن يقضي إجازة العيد بعيداً عن قريته، مشيراً إلى أن ما يميّز عيد القرية هي نشوة التجمعات العائلية بعد أن غادر أبناء البيت الواحد المحافظة للعمل أو الدراسة، موضحا أنه لا يوجد فرق كبير بين أعياد المحافظات؛ إذ تتشابه كثيراً في طقوسها وعاداتها؛ فالكل يحرص بعد صلاة العيد على تناول القهوة والحلوى في ساحات ملاصقة للمسجد، كما جهزت بالكثير من الأكلات الشعبية، ومن ثم يبدأ المعيّدون بزياراتهم لتهنئة كبار السن والمرضى. وأضاف أنه يأسف كثيراً لغياب الكثير من الفعاليات المميزة بالرغم من أن فرصة عودة أبناء المحافظة احدى الفرص الاستثمارية التي تعود على القرية وسكانها بعوائد اقتصادية، فيما لو تم الاستعداد لها مبكراً، مبيناً أنه مع مرور أعوام عديدة على وجود المجالس البلدية إلاّ أنها لم تقدّم فعاليات مرضية في المناسبات الوطنية والأعياد، وجميع ما يقام يكون بتنظيم وجهود أعيان القرية فقط، وليس هناك أي دور للجهات المعنية، وحتى تلك الفعاليات التي تكون بجهود أعيان القرية نجدها بسيطة وتقليدية ولا تلقى أي تفاعل مرض في كثير من الأحيان. بساطة وفرح وأشار «عبدالله البلوي» إلى أن المعايدات الحقيقة لا تكون إلاّ في جنبات المحافظات والقرى، واصفاً العيد في المدينة بالأكثر «رسمية»، مبيناً أن عيد المحافظة يعني له العودة إلى زمن ورائحة «الطيبين»، حيث أن ما يميّز العيد فيها هي تلك البساطة والأريحية التي يجدها في اجتماعات الأقارب، لافتاً إلى أن ارتباط الشخص بمسقط رأسه وحنينه الدائم له لا يمكن أن تضعفه تعدد علاقاته في المدينة أو مغريات وفعاليات العيد هناك. وقال إن عيد القرية فرصة ثمينة لترسيخ حب الاجتماع والتراحم لدى الأبناء، وزرع معنى التآلف باختلاطهم مع أبناء القرية، خاصة وأن أطفال اليوم لا يجدون في قدوم العيد إلاّ فرصة للتنزه والذهاب إلى مدن الألعاب أو اللعب بالألعاب النارية. من جانبه اعتبر «سالم العمراني» أن العيد في المحافظة والقرية هو في حقيقة الأمر «عيدان»؛ كونه مناسبة غالية على سكان المحافظات التي يجتمع شملها بأبنائها العائدين إليها إذ تدب الحياة من جديد في شوارعها، إلى جانب أن الكثير من أهالي المحافظات ينتهزون تلك الفرصة لإقامة مناسبات الخطوبة والأعراس بمشاركة الجميع. أما «ناصر محمد» فيرى أن المظاهر الاحتفالية القديمة للعيد بدأت في الاختفاء تدريجياً بعد أن تمدنت المحافظات وأصبح عيدها مشابهاً لعيد المدينة، خاصة في مسألة التكلّف الزائد في تجهيزات واستعدادات العيد الذي بات يقتصر على «السلام والعزائم» فقط دون تنظيم فعاليات أو أنشطة تشجع على تمديد أيام الإقامة هناك؛ إذ غالباً ما يودع مسقط رأسه في ثالث أيام العيد مع توفر رصيد لأيام اجازته. موروث القرية وقالت «فاطمة البلوي» -باحثة بالموروث الشعبي ومهتمة بالآثار والتراث العمراني- إن القرية ما زالت تحتفظ ببساطة الحياة ووضوح الفطرة الطبيعية في مجتمعها، وما زال أيضاً سكان القرى يتمسكون بالعادات والتقاليد الأصيلة والعودة للموروث في الأعياد بعيداً عن مظاهر المدينة وضجيجها التي طغت عليها المادة وما جاءت به باسم التطور والتقدم وما حصل بها من انفجار سكاني وما تحمله من رتابة وملل في الحياة. وأضافت:»ما أبعد المدينة عن الموروث الثقافي الأصيل للمنطقة وتمسك المحافظات والقرى من جانبها بهذه الثقافة التي يحرص الكثير على العودة إليها في مناسبة العيد، حيث الموروث الثقافي الجميل الذي تميل له النفس»، موضحة أن الموروث يشكّل البعد الحضاري للمجتمع، وما زالت هذه المظاهر موجودة بقيمها ومعانيها الشعبية الأصيلة الجميلة، وبما تحمله من موروث ثقافي، ولكن تختلف من قرية لأخرى؛ فهناك من بدأت تظهر عليه بوادر الاندثار، وهناك من يكافح لأجل استمرارها. وأشارت إلى أن من مظاهر «عيد المحافظة « العودة للأزياء الشعبية الأصيلة للتعبير عن مدى حبهم لهذا الزي الشعبي من الذوبان في تطور المدن التي يحملها زوار القرى والمحافظات لهم؛ لتكون محفورة في الذاكرة، أيضاً هناك الطقوس الخاصة في الأكلات الشعبية وطريقة التقديم وكيفية إعدادها والتي لا تخلو منها مائدة الأعياد، وحتى طريقة تبادل التهاني بعد صلاة العيد بالأعلى مقاماً، ثم للجار الأقرب فالأقرب، وبالنسبة للأسرة للأكبر سناً، كما أن هناك بعض الفنون الشعبية الأصيلة التي جاءتنا بالموروث كالرقصات التي تعبّر عن فرحة العيد كالرفيحي وما يردده مؤدو الرقصات من أشعار تحمل معاني فرحة العيد والقلطة وسباق الهجن وعرض أصايل الإبل. ترابط اجتماعي وتفسّر «د. سحر رجب» -مستشار نفسي وأسري- حرص الكثير على قضاء العيد في مسقط الرأس وارتباطهم العاطفي به في المناسبات المختلفة؛ إذ ترى أن ذلك يعد ظاهرة صحية وعميقة لوجود الترابط بشكل أقوى في مسقط الرأس، ولوجود مجموعة كبيرة من الأهل ورفاق العمر، وإن كان هذا الارتباط بين الشخص ومسقط رأسه بدأ في الضعف مؤخراً. وقالت إن الأثر النفسي لقضاء الأعياد في مسقط الرأس هو الأفضل للصحة النفسية، حيث ترتاح النفس بشكل أكبر لأن التلاحم يكون بمعناه الصحيح في المحافظة والقرية، وهو الأمر الذي يزيد من بهجة العيد، كما يزيد الألفة والمحبة ورقي التواصل، مشيرة إلى أن لمسقط الرأس حنينا قويا، حيث الحكايات والسمر والضحكات وإن كانت بسيطة وبها الأريحية والشفافية، مؤكدة على أننا فقدنا كثيراً من هذه الأشياء رغم بساطتها وعفويتها إلاّ أن الأجيال الحالية لم يلمسوها ولم يقفوا على روعتها، وأخذتنا المدنية والحضارة والتقنيات عن أشياء كثيرة نحن بحاجة لاستمرارها وليس الابتعاد عنها والعزوف عن مضامينها، وإنما تعلّمها بل غرسها في النشء؛ ليكونوا قادرين مقتدرين فاهمين لصلة الأرحام والتواصل الجميل، كما لا نريد أن نتحسّر ونحكي الحكايات فقط للصغار ونقول لهم كنّا نفعل ونفعل، وإنما نريد توثيق العلاقات وتحسينها بالقول والعمل معاً، مطالباً الأسر المبادرة في غرس تلك المفاهيم في اللبنات الصغيرة حتى لا تُنسى مع زحمة الحضارة والمدنية والتقنيات. تفاعل الجميع وأضاف «د. عطاالله العبار» -رئيس المجلس البلدي بمحافظة القريات- أن أعضاء المجالس البلدية لهم دور فاعل في إقامة وتنظيم فعاليات المجتمع المحلي، وتحفيز طاقات المجتمع البشرية واستثمارها لصالح المدينة، كما يمتد هذا الدور إلى رجال الأعمال والفكر والأدب، حيث يستطيع هؤلاء التخطيط لإقامة الفعاليات المجتمعية وتنسيق الجهود المبذولة من قبل بعض الإدارات الرسمية كالأمانات والبلديات وإدارات التعليم ورعاية الشباب، وذلك للخروج بفعاليات منظمة ومجدولة تغطي أهم المناسبات وتحفظ الجهود من الهدر، ومن هذه المناسبات الاحتفالات التي تقام سنوياً في مناطق ومحافظات ومراكز المملكة احتفاءً بالعيد، وهي أيام فرحة يشارك فيها الجميع دوائر رسمية وفعاليات مجتمعية وأهالي. وأشار إلى أن للعيد في القرى والهجر طعما خاصا لالتقاء العائدين من المدن الكبيرة مع الأهل والأقارب وأهل القرية وتكون المشاركات الاجتماعية والزيارات وإقامة العرضات والحفلات ويكون فيها صدق المشاعر والفرحة أكبر من المدن الكبيرة، ويمكن لسكان الأحياء في المدن وجماعات المساجد أن يقيموا احتفالات تجمع أهل الحي وجماعة المسجد صغاراً وكباراً، من خلال نصب الصيادين وإقامة الاحتفالات بالعيد، وهذا يقوي اللحمة الاجتماعية بين سكان الحي ويثري الحراك الثقافي ويساهم في الحفاظ على الموروث الشعبي من الاندثار. وقال: «نحن في بلدية محافظة القريات قد أقمنا عدة مقرات لمراكز احياء وهي ما زالت تحت الإنشاء وأحد مهامها إقامة مثل هذه الاحتفالات»، مهيباً بزملائه رؤساء وأعضاء المجالس البلدية أن يكونوا أكثر نشاطاً في هذه المواسم، وأن يلتقوا بالناس ويسمعوا لهم ويساهموا في حل مشاكلهم وتحسين بيئة المدينة أو القرية السكانية وتوفير الخدمات للمواطن وتقوية اللحمة الاجتماعية، والخروج عن التقليدية التي تتكرر سنوياً في احتفالات الأعياد، وذلك بسبب إقامتها من قبل جهة واحدة دون مشاركة فعاليات المجتمع والمواطنين والمقيمين. البارود في عيد المجاردة يبقى أفضل تعبير عن فرح الجميع مائدة العيد في القرية من أجمل ذكريات الأجيال رائحة الزمن الجميل تعود مع إشراقة صباح العيد قُبلة العيد تمنح الطفولة حباً وبراءة عيد الأحساء لا يزال نابضاً بروح الماضي وأصالته عيد الدوادمي بيرق وسيف ورقصة ولاء وانتماء للوطن الكبير براءة الطفولة تحلو مع شياكة صباح العيد عيد رجال ألمع يستمر فرحاً مع الطبول والأهازيج فرحة العيد بين جيلين تضفي متعة أخرى في المحافظات «أرشيف الرياض» معايدة المرضى تقليد أصيل حافظنا عليه رغم تعدد مناسبات الفرح «أرشيف الرياض» عيد فيفا احتفاء بالكرم والتواصل والمحبة بين الجميع سعود الطويهر سعود السرحاني عبدالله البلوي