أربع عشرة سنة عجافا عاشها الناس بين مد وجزر وزارة العمل ولجان الاستقدام ومع تعثرهم حد الفشل في توفير العمالة المنزلية حتى اللحظة، هذا التعثر الغريب الذي أوصل الناس إلى قناعة راسخة أنهم أصبحوا على مسافة قريبة جداً من الجزم أن توفير العمالة المنزلية أضحى من المستحيلات على الأقل في المدى المنظور. فما الذي حصل ويحصل بالضبط؟ وما هذا الاختراع العجيب الذي عجزت فيه وزارة العمل ولجان الاستقدام عن إيجاد الحل لهذه المشكلة اليسيرة وإقفال هذا الملف الطويل؟! ما يتابع من تصريحات عن الاتفاقيات المبرمة مع الدول المرسلة للعمالة المنزلية يدعو لتفاؤل الناس في أول الشهر ولكنه ينطفئ آخره، ولا يدري الناس من يصدقون ومن يكذبون، إلى أن وصل الجميع إلى عدم متابعة لأي خبر في هذا الشأن فالنتيجة واحدة وهي التأجيل إلى أجل غير مسمى. والحق أن أمامي علامة استفهام بحجم هذه السنوات التي عاشت فيها الأسرة السعودية أزمة ندرة العمالة المنزلية مع التأكيد أن وجود الخادمات في البيوت لم يعد محض ترف ورفاهية بل ضرورة ملحة وخاصة لبعض الحالات الاجتماعية الخاصة. القصة بدأت منذ الثمانينات والتسعينات الميلادية حين كانت مكاتب الاستقدام التجارية توفر الخادمات بتكلفة مقبولة ومناسبة جداً وفي وقت قياسي وكانت الخيارات تشمل الاستقدام من دول عديدة دون أدنى عائق. وبعد ذلك بدأت ملامح الغلاء في استقدام العمالة المنزلية تلوح في الأفق توازى معها قلة العرض وكثرة الطلب. وقد رأى المتابعون لبداية الأزمة أنها كانت أزمة مصطنعة أكثر منها عقبات إجرائية وتنظيمية بين تلك الدول ومكاتب الاستقدام يؤكد ذلك مداخلة لأحد المشاركين القريبين من هذا الملف في برنامج الثامنة قبل عام تقريباً حيث أكد آنذاك أن اصطناع هذه الأزمة كان بسبب الضعف في إدارة التفاوض وربما لأسباب نفعية فهناك جهات تجارية مستفيدة من تعليق الاستقدام وتأخيره وهم من الجانبين هذه الاتفاقات البينية تتجه فيها أصابع الاتهام للمستفيدين الجشعين من ارتفاع أسعار استقدام العمالة في الوقت الذي زادت فيه تكلفة الاستقدام على المستهلك النهائي (الكفلاء) بشكل متسارع وغير مقبول. ويبقى أن تلك الحالة الضبابية المتشحة بالغموض انعكست بشكل مباشر في مجتمعنا فكونت سوقاً سوداء للعمالة المنزلية فأصبحت تجارة رائجة يتم فيها جمع الخادمات الهاربات أو المقيمات بشكل غير نظامي وإيواؤهن ومن ثم المتاجرة بهن بأسعار فلكية وخاصة حين تحل الحاجة الموسمية لهن في رمضان وغيره. أعود لأتساءل من المستفيد من التأخر في حل هذا الملف؟ ولماذا تأخر- أساسا- طوال هذه السنوات؟! حقيقة لم يعد الأمر يحتمل فحين نجد أن استقدام العمالة المنزلية في جميع الدول الخليجية يسير بسلاسة ودون تعقيدات وأن أسعار الاستقدام لديهم لم تتغير ولم تزد إلا بقدر طفيف رغم تشابه هذه المجتمعات مع مجتمعنا السعودي حد التطابق. إن بشائر الاستقدام المؤجلة التي أضحت لدى الناس مستحيلة ينبغي أن تحل بأسرع وقت ممكن وإن حزمة الحلول لا بد أن تبدأ بالحد من تلاعب وتحايل الوسطاء المخالفين لحماية أطراف العلاقة التعاقدية مستقبلاً. فالواقع يقول إن استمرار هذه الحالة المصطنعة أثر سلباً في مجتمعنا من عدة نواح يأتي في مقدمتها أن استمرار هذا الوضع بهذه الوتيرة يفضي إلى مزيد من المعاناة لدى المواطن الذي لكي يستقدم خادمة في ظل هذه الظروف الراهنة فهو بحاجة إلى توفير مبلغ لا يقل عن ثلاثين ألف ريال في الوقت الذي كانت تستقدم فيه الخادمة في زمن قريب مضى بمبلغ لا يتجاوز الستة آلاف ريال. أزمة شح وندرة العمالة المنزلية هي من أوجه المعاناة للناس في مجتمعنا والحقيقة أنه آن الأوان لمراجعة هذا الملف بشكل عاجل والبحث عن الأسباب الجوهرية وحلها والبداية تكون بمعرفة من يضع عموداً من الفولاذ داخل الدولاب ليعيقه عن الدوران والتقدم.