منذ بدأ العام الدراسي الحالي - جعله الله فأل خير ويمن علينا جميعا - ووسائل الاتصال الاجتماعي في المملكة العربية السعودية تتناقل ما سمته التغريب والجرأة في اظهار صور النساء لدى الرجال والرجال لدى النساء، وحيث تتبعنا الامر ومن واقع ما يقر في نفوسنا وما نقابل الله عليه ان الحال هو تغريب حقيقي، هو جزء من حقن كيان المجتمع السعودي المسلم المحافظ وهو التجمع البشري المرجعي في هذا الاتجاه في العالم هذه الأيام، والذي نستشعر الحماس الشديد لدى قوى الفكر الغربية لتغريبه، وبطريقة فجة مكشوفة ومفضوحة والسطحية الباهتة التي تحاول ان تغطيها تيارات معلومة هي في ضعف بائن، يعتمد اللمعان الاعلامي وتكثيف الظهور لدى مجتمعات الشباب، ويتمركز هذا التوجه في فضائيات بعينها تحاول ان تظهر بثوب الخباثة ايهاما لنا بالحداثة التي لا ولن تنطوي على كيان السعوديين؛ لاسباب كثيرة لا مجال لحصرها في هذا المقام، ولكن لا اشك في ان السعوديين يعلمون ان قادة المملكة الذين أسسوا هذا الفكر الاسلامي المتجذر لدى ابناء شعوبهم لم يكونوا مخطئين، كما ان الوصول للمنبع الشرعي المغاير لهذه الفئة في غاية السهولة، بل ان المنطق يستلزم وضع ما يسمون أنصار المرأة موضع التساؤل المستهجن: فما هو مصدر هذا الحب والانحياز للمرأة السعودية، والجواب واضح من الذكر الحكيم الذي فضحهم قبل اربعة عشر قرنا من الزمن في قول الحق تبارك وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (النور:19)، ولقد كتبت مقالين موجهين الى خالد الفيصل الذي ارتجينا منه الكثير من الاصلاح والاحسان في وسطية جامعة بلا إفراط ولا تفريط، وهو أمر في غاية الاهمية لنا جميعا نحن السعوديين وليس الى نشاز ندعو، فالشرع والعقل داعيان إلى التوسط والاعتدال، ففي الحديث: «إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا...» رواه البخاري، وفي رواية: القصد القصد تبلغوا. والتيار الغالب على المناهج هذه الايام وهم من يسمونهم الليبراليين هم في إفراط لا نريده بل نمقته، وفي المقابل فان فريق الغلاة وخوارج هذا الزمان هم ايضا شر نرجو الله ان يكفينا نفحاته، والأمر الذي أعتبره لب الحدث والذي أرجو الله عز وجل ان يصل الى صناع القرار التربوي والتعليمي والتوجيهي في المملكة، هو التأكيد على ان الوسطية والاعتدال التي يطمحون لها هي ايضا سمة الدين الصحيح الذي جاء به سيدي محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم - وان محاولات التغريب للبعد عن مناهج الغلاة هو ايضا غلو ولكن في جانب التفريط وكلاهما سوء، وقد آن الأوان للحديث بشفافية عن حب الوطن ونصرة الدين، وهو هدف تقر له نفوسنا جميعا كسعوديين، فمفهوم الوسطية الذي يغيب عن الكثير هو مفهوم جامع يحقق أهداف الجميع فهو يؤكد على ثوابت من أهمها، الملاءمة بين ثوابت الشرع ومتغيرات العصر وفهم النصوص الجزئية للقرآن والسنة، في ضوء مقاصدها الكلية التي هي أساس ثبات المجتمع، والوسطية تدعو لضرورة التيسير في الفتوى، والتبشير في الدعوة مع التشديد في الأصول والكليات، والتيسير في الفروع والجزئيات والثبات في الأهداف، والمرونة في الوسائل والحرص على الجوهر قبل الشكل، وعلى الباطن قبل الظاهر، وعلى أعمال القلوب قبل أعمال الجوارح وهو أمر في غاية الأهمية يفتقد روحه الكثير ممن يحسن الظن فيهم هذه الايام وأعمال القلوب هي الطريق الأمثل للفهم التكاملي للإسلام بوصفه: عقيدة وشريعة وحياة، وكذلك تدعو الوسطية للتعاون بين الفئات الإسلامية في المتفق عليه، والتسامح في المختلف فيه. وهي تعني التركيز على المبادئ والقيم الإنسانية والاجتماعية لطلابنا وعلى الحرص على البناء لا الهدم، وعلى الجمع لا التفريق، وعلى القرب لا المباعدة. والاستفادة بأفضل ما في تراثنا كله: من عقلانية المتكلمين، وروحانية المتصوفين، واتباع الأثريين، وانضباط الفقهاء والأصوليين، لتحقيق ثباتية عقلية وفكرية لدى النشء تجعله يزداد يقينا. وأجزم بأن تدريس مواد الدين برؤية تناسب لغة العصر وبالوسطية التي أرادها لنا سيدي محمد بن عبدالله - عليه افضل الصلاة والتسليم - هي الطريق الامثل والاسلوب الأنفذ لامتلاك قلوب النشء، ولقد آن الأوان لنتحدث بواقع آلامنا جميعا فترة من الزمان وهو نبرة التعالي الديني وادعاء الخيرية المطلقة وتكفير الآخر من قبل فئة ملكت القرار الديني والتيار العام لوقت طويل، وما افرزت لنا الا خوارج الارهاب الذي عانينا منه كثيرا لتزيد الطامة بهؤلاء الليبراليين الذين يريدون معالجة الخطأ بأخطاء، ولعل الوقت قد حان لان يعلم الجميع ان الاحترام والتبجيل الذي كان بين أئمة المذاهب الأربعة هو زيادة في كمال هذا الدين وتأكيد على وسطيته، بما يؤكد الضرورة القصوى للاستزادة من علوم الشرع بمنظارها الواسع في مناهج مدارسنا؛ لننعم بجيل لا إفراط فيه ولا تفريط، وليعلم الجميع بأن الخوف من قال الله وقال رسوله هو خوف غير مبرر، بل هو دعوة جهل لا يخلو من سوء المظنة وقبح الطالع، وليمكروا ويمكر الله والله خير الماكرين، وعلى الله قصد السبيل. *استشاري أول تشوهات القلب والقسطرة الكهربائية