عبدالله حمّاس أحد فناني المملكة العربية السعودية البارزين من خلال تواجده على الساحة التشكيلية السعودية والخليجية والعربية والعالمية على حد سواء, فقد أخذ على عاتقه الثقافة والحفاظ على التراث السعودي لعقود طويلة. أثناء دراستي في لندن عرضت في إحدى الجامعات البريطانية عرضا تقديميا عن الفن التشكيلي السعودي وكان ضمن العرض لوحات للفنان عبدالله حمّاس فاستوقفني أحد أساتذة الفن عندما انبهر بألوان حمّاس الجريئة والصافية قائلا (هذا الفنان بالفعل عظيم فألوانه قويّة وجريئة ويصعب استخدامها لأنها جذّابة جدا وتشبه ألوان الإعلانات). تتميز أعمال حماس بتعدد تقنياتها وأساليبها ومضامينها وبغزارة الإنتاج وقوّة تكويناتها والمهارة في توزيع العناصر، فتراه يستخدم كل الأسطح التي يمكن أن يعبّر عليها مثل الأخشاب والأقمشة والكانفاس والورق والجدران والجلود والخيش و... الخ, فالمهم لديه هو التعبير الفني والجمالي للمواضيع التي يرغب بطرحها للمشاهد. العمل الذي أُخضع للدراسة هو من أعمال حمّاس الأخيرة في آخر معارضه المقام في 2014 هو تكوين فني تجريدي, استخدم الفنان فيه خامة الاكريلك على كانفاس بمقاس يتحدى به النسبة الذهبية وهو المربع وهو بطبيعته شكل فاتر غير جذاب ولا يوحي بالحركة ومع ذلك نجح مبدعا في التعبير من خلاله. واستلهم الفنان الزخارف الشعبية والرموز المحلية البيئية المعبرة والتي تعكس طابع الحياة في المنطقة الجنوبية مثل قبعات الرأس, وهي علاوة على ما تحمله من قيم فنية وجمالية وتعبيرية فهي تحمل قيما ثقافية وتعكس الوضع الاجتماعي في المملكة العربية السعودية هذا ما نلاحظه من دلالات بصرية من ملابس النساء المحتشمة وغطاء الوجه للعناصر الموجودة في أعمال حمّاس الفنية, استخدم الفنان الخطوط السوداء بكافة أنواعها وركّز على الخطوط المستقيمة المائلة لما تحمله من معان تخدم المواضيع والمساحات الزخرفية, كما استخدم الفنان الألوان الأساسية النقية بكثرة مع بقية الألوان الأخرى, وحقق من خلالها توازنا جميلا وتنوعا ساحرا وانسجاما مثيرا للعين, وتعطي دلالة ألوان الطبيعة العربية السعودية الحارة التي تصفو في سمائها لون الشمس وفي أرضها لون الصحراء الذهبية وجبالها الشامخة البنية, وبطبيعة ثقافة المجتمع في عسير فإنه يعشق الألوان الصريحة والصافية ويستخدمها بغزارة داخل المنازل وعلى الحوائط والدرج وتدعى «القَط», كما استلهم الفنان عناصر الطبيعة المحيطة حوله وهضمها وبدأ في صياغتها بشكل جمالي فاستفاد من المثلثات الجبلية الشاهقة في تكوين وإبداع علامات العمل بتكرار متناغم جميل بشكل محكم يجذب العين للداخل برصانة وقوة وهذا ما كسر ثبات المساحة المربعة الفاترة للوحة ككل. واستطاع الفنان أن يُظهر جماليات التنوع من خلال المساحة والفراغ، وجماليات التباين والتناغم في الخطوط والمساحات والألوان, كما تتميز أعماله بغياب الظلال الذي تميزت به الفنون الحديثة حيث نجد التسطيح في أعماله والبساطة في التكوين والجرأة في استخدام الألوان الصافية الحارة القوية والتي يخشى استخدامها كثير من الفنانين باعتبارها ألوانا ملفتة للانتباه فيستخرج كل جمالياتها وينثرها على كافة العمل. فهو يقدّم من خلال هذا العمل رؤية تشكيلية مميزة بقدر ما يميزها من بساطة بقدر ما فيها من أفكار وقراءات. والفنان له طابع تجريدي بحيث لا ينقل من الطبيعة نقلا مباشرا بل يعمد في هدوء إلى عملية التذكر والاسترجاع لعناصر ورموز طبيعته ومجتمعه المحافظ لقيمه الدينية الذي عاش فيه, لقد قدّم حمّاس في هذا العمل عملا تجريديا محكما يحمل هم الإنسان وطبعه وأسلوب حياته. ختاما أود أن اشكر الفنان القدير عبدالله حمّاس على حماسه وشغفه وحبه لوطنه وخدمته لمهنته في الفن والتربية وإسعاده لجمهور الفن ومتذوقيه من خلال معارضه الشخصية ومشاركاته الجماعية ودماثة خُلقه. ولقد سمعت من أحد الفنانين مصطلح «حماسيّات» عندما عبّر عن نوع خاص من أساليب الفن وكأنه يقول إن أسلوب عبدالله حمّاس مدرسة فنية قائمة بحد ذاتها ومتميزة عن بقية التجارب الفنية الأخرى.