مَدْرسَتِي حُبُّكِ في قَلْبِي إنْ أغْدُو نَحْوَكِ أو أرْحَلْ فِي قَاعَةِ دَرْسِكِ أتَلَقَى مِنْ فَيْضِ الآدَابِ وَأنْهَلْ وأُلاقِي صَحْبَاً أبْرَاراً نَتَنَافَسُ في العِلْمِ وَنُقْبِلْ نَتَلاقَى بِالحُبِّ ونَغْدُو فِي طَرِيقِ المَعْرِفَةِ الأمْثَلْ كلماتٌ من القلب صاغتها مشاعر إنسان لم تُوصلني وسائل البحث الالكتروني المتاحة إلى معرفة اسمه، ولعله عبَّر بلسان الحال عن جيلٍ سابق عشِق المدرسة وكأنها "بيته الثاني" صدقاً وليس مجازاً وتورية، فقد كان يرى في ردهاتها من الحُسْنِ والجمال ما لا يراهُ جيل الانترنت اليوم ولو ذهب إلى مدينة الملاهي، فقد اعتادوا على التواصل عن بُعْد عبر الشاشات المضيئة فأغنتهم عن أنواع التواصل الأخرى، وبدأوا يتذمرون من كل ما يضطرهم للخروج من عُزلتهم رغماً عنهم. عندما أتحدث عن ذلك الهوى الذي أشعر به تجاه مدرستي - وإن لم يمض الكثير على مُفارقتها - فأنا لا أتحدث عن نفسي فقط، بل عن جيلٍ كامل كانت المدرسة مُتَنَفَسَّهُ الوحيد، والمكان الذي يلتقي فيه بالعالم الخارجي بكل ما فيه من إيجابيات وسلبيات، وحين بدأت المراكز الصيفية تفتح أبوابها للطلبة والطالبات سارع إليها البعض لاستثمار أوقات فراغهم، بينما رفضها البعض - لا سيما للطالبات - لمجرد أنها خروج للفتاة إلى مكانٍ "غير معلوم" بالنسبة لهم، وقد يختلط فيه الطالب أو الطالبة بطلبةٍ آخرين من أحياءٍ أخرى لا علم لهم بطريقة تربيتهم، وأي قِيَمٍ ومبادئ يمتلكون، أما اليوم فيبذل أولياء الأمور قصارى جُهدهم ليُقنعوا أبناءهم بالالتحاق بهذه المراكز حتى لا تضيع أيام الإجازة الصيفية سُدى، ودون أدنى فائدة. هِي مَدْرَسَتِي، ما أحلاها مَا أعْذَبَ مَنْبَعَهَا الدانِي تَبْنِي رُوحِي، تبْنِي جَسَدِي وَغَدَاً سأكُونُ أنَا البَانِي أبْنِي وَطَنِي، أبني وَطَنِي أبنِي أمْجَاد الإنسانِ بالأمس القريب أشرعت المدارس أبوابها بِحُب لاستقبال الطلبة والطالبات في الوقت ذاته الذي أغرقتنا فيه وسائل التواصل الالكتروني، بسيلٍ جارفٍ من الرسائل السلبية على هيئة عبارات أو صور أو مقاطع فيديو، ومثلها كفيلٌ ببرمجة الكبار على رحيل "الأيام الحلوة" مع مقدم الدراسة وعودة المدارس، فما بالكم بالصغار الذين لا يزالون في طور التعلم واكتساب الخبرات ليس في المجال العلمي والعملي فحسب، بل في مجال المشاعر والأحاسيس أيضاً. في الماضي - القريب - كنا نبكي بِحُرقة لأننا سننتقل من مدرسة إلى أخرى، أو من مرحلةٍ للمرحلة التي تليها، ونُقيم سُرادِقَ العزاء - وأقصد الوداع - في الإذاعة الصباحية، أو في برنامج إذاعي خاص يخلو من أي شكل من أشكال التكلف أو الزهو كحال غالب حفلات التخرج اليوم. وبقلوبٍ مُفعمةٍ بالصدق والود نلتقي حتى يومنا هذا بأساتذتنا ومعلماتنا، فنستشعر تلك "الهيبة" التي لم يُغيرها الزمن، وظلت تُحيط بهم كلما صادفناهم لنسترجع تلقائياً أشكالنا وأحجامنا أمامهم في غابر الأيام "وأقصد أصفاها". وغالب مهني في ديوانه "شذى الرياحين" يقول: فذَا عِلْمٌ يُؤهْلَنَا لِجَلْبِ الخَيْرِ للبَشَرِ لِشَرْعٍ كان أو طِبٍّ وَنَفْعٍ جَلَّ عَنْ حَصْرِ ونعود إلى أمير الشعراء أحمد شوقي الذي أُدخل كُتاَّب الشيخ صالح بحي السيدة زينب في سنِّ الرابعة، ثم انتقل إلى مدرسة المبتديان الابتدائية، وبعد ذلك المدرسة التجهيزية الثانوية حيث حصل على المجانية كمكافأة على تفوقه، وبعد أن أتم الثانوية درس الحقوق، فقد تحدث بلسان المدرسة مُستعطفاً الطلبة في ذاك الزمان قائلاً: أنَا المَدْرَسَةُ اجْعَلْنِي كأُمِّ، لا تَمِلْ عَنِّي ولا تَفْزَعْ كَمأخُوذٍ من البَيْتِ إلى السِجْنِ كأنِّي وَجْهُ صَيَّادٍ وَأنْت الطَّيْرُ في الغُصْنِ ولابُدََّ لك اليوم - وإلا فَغَداً - منِّي أوِ استَغْنِِ عنِ العَقْلِ إذا عَنِّي تَسْتَغْنِي ولو نطقت المدارس اليوم لأنشدت القصيدة مع إطلالة كل صباح، وحتماً سيحبها الجميع ويتغنون بحبها وهواها، كما برمجتهم إحدى شركات الأغذية السريعة عبر إعلاناتها في كل مكان بكلمةٍ واحدةٍ فقط "أنا أحب ...."، وفعلاً أصبحت علامتها التجارية معشوقة الجماهير. وإن كان لي كلمة اليوم فسأوجهها إلى المعلمين والمعلمات، فبعد أن منحتهم وزارة التربية والتعليم الكثير من التدريب في مجال تطوير الذات والتغيير الإيجابي وفنون الاتصال، فيحق لي أن أطالبهم ببدء تطبيق ذلك في الميدان وإعادة برمجة أبنائنا عبر رسائل إيجابية متتابعة باستخدام وسائل التواصل الجماهيرية "واتس اب، تويتر، انستغرام"، مع أمل كبير بأن يوطِّدوا علاقاتهم بتلاميذهم من خلالها، وما أيسر ذلك اليوم لمن أراد. أنا المِصْباحُ للفِكْرِ أنا المفْتَاحُ للذِهْنِ أنا البَابُ إلى المَجْدِ تعال ادْخُلْ على اليَمنِ غدَاً تَرْتَعُ في حَوشٍ ولا تَشْبَعُ من صَحنِي وألْقاك بإخْوَانٍ يُدَانُونك في السِّنِّ وآباءٍ أحبُّوك وما أنْتَ لهُمْ بابنِ أليست مثل هذه القصيدة هي أولى بالنشر قبل بدء العام الدراسي بدلاً من: مَنْ طَلَب العُلا نام الليالي وسحب البطانية وقال أنا مالي؟!! قبل الوداع: سألتني: ذكرى لا تزالين تحتفظين بها من الزمن الجميل؟ فقلت: لدي مقلمة على شكل "كي بورد" واتوجراف الذكريات، ورسائل رفيقات الدرب، وساعة ذات عقارب أهدتها لي إدارة المدرسة الابتدائية لتفوقي في الصف الرابع الابتدائي، فأرشدتني "أبله أنيسة الدوسري" إلى طريقة قراءتها، وكنت قبلها قد اعتدت على الساعات الرقمية فقط. ولعل من يبحث منكم اليوم فسيجد في مكانٍ ما شيئاً شبيهاً يُجبره على الابتسام كلما رآه. من هنا ينسابُ نهرُ الذكرياتِ يقرعُ الأجراسَ عبرَ السنوات نحنُ في شُطْآنِهِ زهرُ الحياةِ وَنُفُوسٌ صافِيَاتٌ صافِيَات * رئيسة وحدة الإعلام الاجتماعي النسائي بالمنطقة الشرقية