عندما تعود بك الذكرى لأغنية الراحل طلال مداح (جينا من الطائف.. والطائف رخا.. والساقية تسقي.. يا سما سما ) تعيش مع حالة من الوجد والذكريات ، فعندما قررت ان اعيش ذكريات الطفولة في ايام العيد اخترت الطائف ، مدينة طفولتي ، حاولت ان استذكر ملامح المنزل الذي عشت فيه ، الشارع الذي كنت ألعب فيه ، المدرسة التي درست فيها ، من الصعوبة العودة لزمن الذكريات لمكان ابتعدت عنه العديد من السنوات ، لكن في الطائف ببيوتها العتيقة ، وشوارعها وازقتها الضيقة ، يصبح للذكرى طعم خاص ، لم تتغير حارتنا ، لازال البيت الذي ولدت وعشت فيه موجودا ، شريط الذاكرة اكثر نقاوة واحتفاء بما يجري ! مع صوت محمد عبده (إنت في الطائف .. وكم مرة طلبتك ما لقيتك .. كم على الهاتف بأردد رقم بيتك .. ) تستذكر مراحل مهمه لنشأة الاغنية السعودية الحديثة والتي رسمت ابرز معالمها بين احضان الطائف ، فكانت مصدر الهام الكثير من رواد الكلمة الغنائية وابرز ملحنيها ومطربيها ، كالراحل عبدالله محمد وطارق عبدالحكيم والكثيرين ممن اثروا الاغنية السعودية ، فمع الذكريات تعيش مغرما بالشجن وانت بين ربوع الطائف وتستمتع بصوت هيام يونس ( روحي فدا قروى .. واللي سكن فيها) - قروى حي من احياء الطائف - فعلاقة الاغاني بالمدن علاقة متواصلة تستمر لأجيال عديدة ، ولكن الغريب ان الطائف رغم سحرها الأخاذ وجمالها الساحر ،فقدت التغزل الغنائي بها ، لم يعد صوت الطرب حنوناً ووفياً معها ، رغم انها هي كما عرفتها ، مدينة عتيقة وفاتنة ، فالاماكن والجماليات فيها لم تتغير ، وجدتها كما هي ، وجدت أزقة حي (معشي) كما هو ، في الهدا بأجوائها الباردة عشت لحظات الطرب مع شجن ابوبكر سالم وهو يترنم (يامسافر على الطايف طريق الهدا .. شوق قلبي من البارح معك ما هدا) عمالقة الغناء كانت لهم مراحل من الأغاني الخالدة التي بقيت تتغزل بالطائف رغم الزمن الكبير الذي مر عليها ! من الممكن ان تكون الاغنية حاضرة في علاقتها مع الكثير من المدن ، ولكن من وجهة نظري انها مع الطائف لم تكن مجرد اغانٍ فقط ، وانما مراحل غنية بعبق الذكريات والصدق بالاحاسيس ، فالتغني بالطائف لم يقتصر على جمالها كمدينة ، وانما تميزت ايضا بأن التغني كان حاضرا وبصورة مدهشة بأحيائها ، كرائعة محمد عبده (أنا شاقني بالحيل منظر حمام شهار صلاة العصر يوم انحدر بأسفل الوادي لحظني شبكني ثم قفَّى وأنا محتار دفعني غرامي له على غير معتاد) ولاننسى المطربة توحه عندما تغنت (بين الهدا والحوية ) ، سحر هذه المدينة يظل له بريقه ، وما اجمل ان تعيش العيد بين ذكريات الطفولة ، وما اجمل ان تكون الذكريات باقية معالمها ، باقية احاسيسها ، مزدانة بمدينة مفعمة بالحب والزمن الجميل ، بالفعل الطائف مدينة الألحان والكلمات الباقية بذاكرتنا حتى ولو هجرها من كان يتغنون بها ، بعد ان تلوثت الاغاني بالماديات الاحاسيس الكاذبة !