من لا يملك المعرفة لا يملك حق النقد، تلك مقولة تتردد كثيرًا وتحمل مقومات الحقيقة بداخلها، إن تخلفنا عن المعرفة جعل قدرتنا النقدية موازية لقدرتنا المعرفية وجعل اتكاء معرفتنا على الماضي أكثر حضورًا، فرغم أن تراثنا النقدي الذي نهض على المعرفة والانفتاح على عوالمها في عصره مثقل بما هو إيجابي ومترع بما هو مفيد لحركتنا النقدية، إلا أننا جعلناه حبيس عصره وربطنا بينه وبين الخطاب الأدبي، الذي نهض عليه برباط وثيق لا فكاك منه فلم نعمل على استخلاصه لتطويره أو تطعيمه بالمكتسب الراهن ولم نحاول استنباط المصطلح من بين ثناياه ليسهم في التأسيس لحركة نقدية فاعلة تنطلق من الجذور، من الأثر الأدبي العربي لتتفاعل مع كل الخطابات الفكرية والعلمية الأخرى وبذا أصبحت إنتاجية الخطاب النقدي لدينا منفصلة لا متصلة تضرب في اتجاهات شتى، فثمة مساحات زمنية واسعة تمثل ثغرة فارهة بين الأثر الأدبي والنقدي، تمتد من القرن السادس الهجري وتصل إلى ما يسمى «بعصر النهضة العربية الحديثة» والذي بدأ مع بداية حكم محمد علي في مصر أي بداية الابتعاث إلى العالم الخارجي «أوروبا». إن جل جهدنا انصب على قراءة التراث النقدي قراءة ماضوية أما عن طريق التحقيق وأما عن طريق الشرح والتفسير ولم نعمد «إلا قليلاً» إلى قراءة منتجة بمفهوم العصر. إن جل جهدنا انصب على قراءة التراث النقدي قراءة ماضوية إما عن طريق التحقيق وإما عن طريق الشرح والتفسير ولم نعمد «إلا قليلاً» إلى قراءة منتجة بمفهوم العصر، حتى بعد أن نمت معارفنا وانفتحنا على الآخر المتطور علميا وفكريا أضحى الأمر أكثر درامية، لأننا اكتشفنا هكذا فجأة أن كثيرا من النظريات النقدية والفكرية الحديثة لها جذورها الضاربة في تراثنا النقدي فنظرية الاتصال والتبليغ عند «ياكو بسون» قال بها الجاحظ وابن خلدون. ومصطلح الأدبية أو الشعرية عند «ثودروف»، «وايكو»، «دوفرين»، وغيرهم كان حاضرًا كمفهوم في أعمال بن المقفع والجاحظ والفارابي وابن سينا والجرجاني وما قال به «دى سوسير» يمكن أن يوجد في تراثنا والأمثلة كثيرة. إن تراثنا به الكثير المفيد في إنتاجية خطاب نقدي ولكنه يحتاج إلى قراءة ناهضة تحلل وتكتشف وتعيد البناء، قراءة تعمل على اتصال معرفي لا قطيعة معرفية. نستفيد من المعطى الراهن «المعرفة في شتى مجالاتها» ونضفره بالمعطى التراثي لننتج خطابًا نقديًا وفق خصوصيتنا الاجتماعية والتاريخية، ووفق لغتنا والمقاصد التي تؤديها هذه اللغة. فالخطاب النقدي لا ينهض من فراغ ولا يتجه إلى فراغ ولا تنتجه لنا ثقافة مختلفة من غير أن نشارك نحن في إنتاجه معرفيًا.