مازلت أشعر أن البروفيسور محمد بن مريسي الحارثي يميل إلى المسالمة والهدوء بعيدا عن الصدام والنقد بالرغم من شفافيته في تشريح الجسد الثقافي، الرجل الذي يعتبره المثقفون بوصلة الاعتدال وبؤرة النقد في المشهد السعودي، هاجم بعض دعاة الخطاب الشرعي وكشف أوضاع رابطة الأدب الاسلامي وربط تعالي صوت الشعر العامي بالأمية الطاغية على العالم العربي. سألته عن رؤيته لحادثة انتحار صديقه الدكتور ناصر الحارثي فتحدث بألم عن زملائه الذين ظلموه وحسدوه وحرموه من الابتعاث ورئاسة القسم، وقال بثقة متناهية بأنه مازال مقتنعا بأن انتحاره ليس حقيقيا. ابن مريسي دافع عن رسالتي سعيد السريحي وعبدالله الوشمي الجامعيتين واعترف بأن رفضهمها نتاج لضيق الأفق والجهل بحقيقة منهج الحداثة الذي بني عليه قرار حجب شهادتيهما .. وقال بصراحة متناهية: إن لوائح الأندية والاستراتيجية الثقافية فصلت على مقاس المسؤولين في وزارة الثقافة والإعلام .. حوار بدأه الدكتور الحارثي بإيجاز عن نفسه ثم استفاض متناولا الهم الثقافي مستخدما مشرط الجراح قائلا: حياتي من البساطة بمكان، عشت في قرية نائية تبعد عن مدينة الطائف بما يقرب من تسعين كيلا من مدينة الطائف إلى الجنوب، درست المرحلة الابتدائية فيها ولعل ما يستوقفني في هذه المرحلة أنني كتبت خطابا وأنا في الصف الثاني الابتدائي لأستاذي (رحمه الله) فضيلة الشيخ أحمد بن محمد اليمامي، فكنت أكتب ووالدي (رحمه الله) يملي عليّ ما يريد أن أوصله لهذا الأستاذ الفاضل، ومرت الأيام ودرست في دار التوحيد في مرحلتيها المتوسطة والثانوية وتخرجت فيها ثم التحقت بكلية الشريعة قبل أن تكون كلية من كليات جامعة أم القرى، وتخرجت فيها وواصلت تعليمي حتى حصلت على درجة الدكتوراه. ما كنت أطمح أن أواصل المسيرة التعليمية، وإنما أطمح إلى وظيفة أقتات منها كما هو الحال في كثيرين ممن يهمهم مشكلات الحياة الاجتماعية، وعندما تخرجت لم أجد من العمل ذلك البريق المادي الذي كنت أطمح عليه، كان راتب الأستاذ لا يزيد عن الألف إلا شيئا قليلا لكنني بدأت أقرأ بجدية وكانت قراءتي في مرحلتي الماجستير والدكتوراة تتمحور حول المنطق والفلسفة، وكدت أنزلق إليهما لشغفي بالترويض الذهني في هذه العلوم، وعندما أدركت أن غيري ممن أقرأ لهم من كبار المفكرين العرب الذين استهوتهم هذه الظاهرة العلمية الذهنية البحتة قد شهدوا وقدموا أشياء أقف أنا أحيانا حائرا لا أعرف ماذا يريد الكاتب، فاتجهت إلى التراث النقدي الذي تخصصت فيه وبدأت أقرأ كثيرا، وكانت أولى قراءاتي في المدينةالمنورة وبعدها عدت إلى مكةالمكرمة أستاذا في جامعة أم القرى وقد أنشئت وبدأت أكون نظرة نقدية تراثية كنت أهدف من ورائها إلى أن يكون لي مشروع نقدي على أقل تقدير، أتفق مع مجموعة من الباحثين على سلامة السير فيه. • هل وصلت إلى مشروعك النقدي فلا؟ بدأت دراساتي النقدية بالتراث ثم وسعت نظرتي إلى النقد العربي التراثي سواء في درجة الماجستير أو في درجة الدكتوراة، وهاتان الرسالتان دفعتا بي إلى أن أوسع النظرة إلى النقد العربي التراثي حتى تأصلت رؤيتي في هذا النقد لمجموعة من البحوث وعندما اتضحت لي حركة النقد العربي القديم تأصلت في ذاتي ونشرت أكثر من ستين بحثا أكاديميا موثقا ثم بدأت أتجه إلى ربط الماضي بالحاضر في حركة النقد العربي الحديث ولأقيم نوعا من الالتقاء والجسور بين جهود القدماء وبين الرؤية النقدية العربية والعالمية بشكل عام فأسميت هذا المنطلق (النقد المنتمي) .. هذا الشعور بالانتماء في الخطاب النقدي العربي جعلني أؤصل بعض القيم وبعض المفردات وبعض المفاهيم وبعض المصطلحات النقدية تأصيلا عربيا من الوجهتين الدينية والوظيفية لمعرفة هل تلك المفردات النقدية العربية التراثية صالحة للاستعمال في قراءة النصوص العربية الأدبية الحديثة أو أنها توقفت عند مرحلة أو مراحل معينة، فوجدت أن بإمكاني أن أوسع النظرة إليها، فأصلت مجموعة من أولا: ما سميته بالمفردات النقدية وهي المفردات الأولية ثم ثنيت بالمفهوم النقدي ثم ثلثت بالمصطلح النقدي ثم توسعت بعد المصطلح النقدي إلى قضية القضايا النقدية بعد القضايا النقدية توسع بي الدرس إلى البحث في المناهج النقدية .. وصولي إلى البحث عن المناهج النقدية التي تربط بين التراث وبين المستجدات دفع بي إلى تصنيف كتاب سيخرج إن شاء الله وأرجوا أن نوفق في إخراجه، موضوعه (المنهج البياني في نقد الأدب ) .. فالعرب فهموا البيان العربي بأنه مجموع ما يكشف لك عن المعاني، عن الأسرار، عن البناءات في النص المقروء فهذا الكتاب أتوقع أنه سيكون في درجة أوسع نظرة من كتابي «عامود الشعر العربي». • بصفتك نائب رئيس نادي مكة الأدبي، هل لمست وجود مشكلة خلط بين القيمة الثقافية والإدارية في النادي الذي تعاقب على رئاسته مديرو جامعة أم القرى؟ هذه المسألة فيها نوع من الحساسية بين الإداري والمثقف .. هل الإداري يشترط فيه أن يكون مثقفا أو العكس.. دعنا نتناول قبل الدكتور راشد الأستاذ إبراهيم فودة (يرحمه الله) عندما كان رئيسا للنادي فهو رجل شاعر ومثقف وأديب وشخصية اجتماعية معتبرة، ثم جاء الدكتور راشد كإداري وعنده مخزون كبير في العلم الشرعي خاصة في مسائل العقيدة ومتخصص أصلا في النحو فجمع بين المعرفة الشرعية واللغوية وإدارة النادي. وهناك شخصيات تستفيد منهم الأندية وشخصيات يستفيدون هم من الأندية فدكتور راشد من الذين استفاد النادي منهم، ثم جاء الدكتور سهيل بن حسن قاضي رئيسا للدورة الجديدة في النادي والنادي حقيقة استفاد فائدة كبيرة من إدارته البارعة في تأصيل رؤية مستقبلية من حيث الوظيفة العملية وليس من حيث الأداء الثقافي ثم أيضا هو يكتب وهو متخصص ولديه اهتمامات ثقافية فأيضا كما هو الحال بالنسبة للدكتور راشد أيضا جمع الدكتور سهيل بين المفهوم الإداري وبين العمل الثقافي، لكن الحقيقة أنك لونظرت إلى تشكيلة الأندية الأدبية بشكل عام فستجد أن فيها نوعا من الاستعجال في التشكيل الأول وهذا الاستعجال في التشكيل جعل المواءمة ضعيفة، بمعنى أن المفروض أن القاعدة العريضة من المثقفين هي التي تختار في أي مدينة أو في أي دولة من يمثلها في إدارة دفة الثقافة سواء من حيث الإدارة وهذه مشكلة تواجهها كل الأندية، وإذا نظرت إلى ما كانت عليه الأندية قبل وبعد التشكيل الجديد فرأيي أن ما استجد لم يصل إلى مستوى الإدارات القديمة بناء على الإنتاجية وإنما كظهور إعلامي أكثر من ظهور عملي. • بمعنى أنك تؤيد الانتخابات؟ الانتخاب هو الطريق الصحيح ولو أن فيه بعض التجاوزات لأننا مجتمع لم يألف هذا الواقع ولم نصل فيه حتى الآن إلى درجة المراهقة، ومازلنا بدائيون في بداية الطريق بالنسبة للوعي بمشروع الانتخابات وهضم إجراءاتها ومعرفة من نختار فإذا كان الاختيار مثلا في دائرة المثقفين وفي دائرة العلماء فإن ذلك سيكون إلى حد ما مناسبا وأقرب للصواب. • لماذا لم تظهر الاستراتيجية الثقافية التي كنت أحد القائمين عليها إلى الآن؟ أولا دار حولها اجتماع للأندية في جدة قبل ثلاث سنوات لمناقشة الاستراتيجية الثقافية في المملكة بشكل عام وبالتركيز على نشاط الأندية في هذه الاستراتيجية طبعا ووضعت بعض الأفكار وقدمت لنا أفكار مطبوعة من قبل لجنة شكلت لوضع استراتيجية قبل الاجتماع وكان اجتماعا كبيرا جدا فقدمت أنا قراءة ناقدة لهذه الخطة الاستراتيجية في عشر صفحات ونشرتها في دورية نادي مكة ولم يكن انتقادا وإنما إضافة أو توجيه لبعض موادها ولوائحها. • حتى اللوائح التي تم إقرارها تظل موضع نظر وعدم قبول من الكثيرين؟ لا أبدا أنا عضو فيها من أول ما بدأت إلى آخر ما انتهت إليه في نجران قبل سنتين، ومن المؤسف أن الرؤية الجماعية في الأندية كانت تنظر فيما تريد الوزارة وليس إلى ما تريد الأندية، وهذه مشكلة لأن الهدف في البداية كان مركزا على أن تكون هذه الأندية أندية ثقافية وأن تجتمع فيها الجمعيات المسرحية والقصصية والروائية والفنية وكل شيء وعملنا على هذا وفي النهاية بلغنا بأنها أندية أدبية وليست ثقافية والفارق أن هناك جمعيات لبعض المناشط الفنية مثل جمعيات المسرح والتشكيل والثقافة والفنون، وعندما جاء التغيير في نجران في الجلسة الأخيرة لإقرار اللائحة طرحت سؤالا وقلت للمشاركين لا تخشوا في الحق لومة لائم: هل تريدونها أدبية أو ثقافية مع أن الثقافية أوسع من الأدبية؟ فاتجهت كل الوجوه ناحية المسؤول الدكتور عبد العزيز السبيل ليقرأوا ماذا يريد رئيس الجلسة فكل القراءات كانت تميل إلى الأدبية وليست إلى الثقافية، لكنني سجلت موقفي سواء وافقوا أو لا، فخرجت اللائحة على أساس أنها لائحة الأندية الأدبية. • لكن هناك آراء ترى أن كثرة الأندية أوغلت المثقفين السعوديين في المناطقية؟ بعض مقار الأندية الأدبية في بعض مدننا لا تجد الجمهور المثقف الذي يمكن أن يقوم بمهمة الثقافة في هذه المدينة أو تلك. تعال الآن إلى الجمعيات العمومية أو تلك التي ستشكل في الأسابيع المقبلة هناك مدن أو مناطق فيها أندية أدبية ليس فيها جمعيات عمومية لأن شرط وجود عضو الجمعية العمومية سواء المشارك أو غير المشارك من الصعب أن يتحقق فيها كما يتحقق في جدةوالمدينةوالرياض. قضية اللائحة المالية واضحة وإذا كان هناك استقلال فهو فقير أصلا لأن إعانات الأندية لا تكفي ولم تتجاوز المليون ريال في العام وكان صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد (يرحمه الله) في المؤتمر الثاني للأدباء السعوديين الذي عقد في مكة قد أعلن عن دعم الأندية بمضاعفة هذا التمويل، ولم يأت شيء حتى هذه اللحظة فيما تحاول الأندية أن تحرك مناشطها على ما لديها من هذا المورد الوحيد الذي يأتي من الوزارة. • ما مدى صحة أن الساحة الثقافية السعودية متأثرة بمشروع الجابري في قراءة التراث أكثر من غيره؟ الساحة السعودية هي سوق لكل المفكرين العرب، وطاغور الهندي يقول: أفتح نوافذي لكل ريح تهب علي ولا أسمح لريح واحدة تقتلعني من جذوري. ولماذا نقول إن ديننا يصلح لكل زمان ومكان وأن ديننا هو دين العالمين إلا لهذا الانفتاح وهذا الاندياح الواسع في الكون فإذا أنت تدعي بأنك عالمي وأنك صاحب آخر رسالة نزلت من السماء وأنت تنتمي إليها وتدعي أن هذه الرسالة صالحة لكل زمان ومكان ولا تستطيع أن تفهم هذا المد الإسلامي وتضعه في قنواته الصحيحة فالمفكرون أمثال الجابري من بدأ حياته الفكرية في إسقاط الخارج على الداخل إسقاط المعرفة الخارجية على المعرفة الداخلية مثل زكي نجيب محمود ومحمد أركون مجموعة من هؤلاء هناك من قرأ المرجعية العربية من داخلها ولكن بعيون ليست هي العيون المتفق عليها على الأقل بين أهل الفكر مثل محمد عابد الجابري وحسن حنفي ورضوان السيد وغيرهم، وهناك من قرأ المعرفة العربية بعيون عربية وببيان عربي وبتصور إسلامي. • كيف تفسر موقف جامعتي أم القرى والإمام من رسالتي سعيد السريحي وعبدالله الوشمي؟ هذا ضيق أفق من الذين يدعون إليه أو يتبنونه أو ينظرون حتى إليه نظرة غير سوية غير مستقيمة فالعلم هذا أمر مشاع بين الناس، أنت إنسان مسلم وفي بلد مقدس مكةالمكرمة وعربي تتكلم بلسان عربي مبين هل أحد يشك فيك أنك تتعمد أن تتخلى عن ملامحك العربية والإسلامية حتى تخرج للناس بصورة مشوهة؟ .. لا يمكن بحال من الأحوال، لكن هل تقع أنت في أخطاء وأنا في أخطاء؟. نعم الإنسان معرض للخطأ (كلكم خطاؤون وخير الخطائين التوابون) فلا يمكن لأي إنسان أن يتعمد الوقوع في الخطأ خاصة إذا كان الخطأ فيه انحراف عن سنن الطريق الصحيح وعن العرف الاجتماعي، سواء كان عرفا اجتماعيا في العبادة أو عرفا اجتماعيا في العادة حتى عند ما تخرج أيضا في العرف الاجتماعي في العادة أنت يشار إليك بأنك خرجت عن العادة فما بالك بالخروج عن العبادة. • تعتقد أن السبب كله يكمن وراء الفهم الخاطئ للحداثة؟ نعم، الحداثة عندنا فهمت على غير حقيقتها لأنهم نظروا إلى الحداثة نظرة مقايسة بين الحداثة التي أتت بعد مرحلة التنوير عند الغرب وبين الحداثة عندنا في عصر النهضة أو ما بعد عصر النهضة في العالم العربي وربطوا هذه بتلك دون النظر إلى السؤال هل لدينا حداثة عربية أم أننا نعيش على حداثات غير عربية لأن النظرة إلى الحداثة التي أتت بعد التنوير وما بعد الحداثة أيضا هي نظرة إلى تحولات ثورية اجتماعية واقتصادية وكان لها تأثيرها الكبير حتى على الأخلاق وعلى المسلمات عند الآخر. لكن لماذا ننظر نحن إلى حداثة الآخر بأنها تصلح لنا وأن نستوردها وأن نستنبتها في تربتنا ولا ننظر هل لدينا حداثة؟ وهذا السؤال قادني إلى أن أؤصل الحداثة العربية تأصيلا إلهيا وتأصيلا عربيا وهذا محل مراجعات الآن. • بماذا تفسر مراجعات أوتراجعات الدكتور عبدالله الغذامي الأخيرة؟ الدكتور الغذامي كتب كتابه «حكاية الحداثة في المملكة العربية السعودية» ويبدو لي أن الكتاب هو حكاية الغذامي مع الحداثة لأن الحداثة في المملكة هي حداثة الوطن العربي والحداثة في المملكة هي تبني أفكار غير عربية مؤصلة وإلا لو نظروا إلى أصول الحداثة العربية من القرآن الكريم لما جاء هذا التيهان في تتبع تأثيرات الحداثة، فالحداثة التغييرية في المفهوم الغربي هي أن يكون الهدم طريق البناء يعني اهدم القائم وابنِ جديدا، ولذلك قال أدونيس بموت النقد الأدبي وموت النقد الثقافي نظرا لأنه لم يجد أدبا يستحق النقد الأدبي ولم ير ثقافة تستحق النقد الثقافي فقال بموت النقد الأدبي وموت النقد الثقافي، فجاء أخونا عبد الله الغذامي بفكرة موت النقد الأدبي، وقيام النقد الثقافي وكأنه يستدرك على أدونيس في موت النقد الثقافي، فالمسألة ليست بهذه الحدية. • لماذا أصبحنا نعيش عصر الانحياز للشعر الشعبي والقصيدة الغنائية على حساب الأدب الفصيح؟ مشكلة الشعر أنه غناء وضعف الغنائية في الشعر الفصيح جعل هذا الشعر العامي يبرز بوضوح لأنه يغنى ويصاحب بموسيقى تلطف هذا الغناء وبأنه في النهاية جاذب لسماع هذا الغناء هذا من جهة، من جهة أخرى أن الشعب العربي مازال يركس في الأمية ولم يتخلص منها، فالأمية طاغية على الثقافة العربية ومن انعكاساتها أن تجد الشعر العامي بهذه القنوات الكثيرة والمجلات التي يصرف عليها الآف الريالات. • مع أنك من أسرة تقول الشعر العامي أبا عن جد؟ الوالد يقوله وأسرتي وإخواني وحتى أخواتي الكبيرات يقلن هذا الشعر لكن أن أقوله شيء وأن أسوقه على مستوى الثقافة الفصيحة والأكاديمية الجامعية شيء آخر، أنا لا أقر أن يخرج الشعر العامي من دائرته العامية إلى دوائر الفصيح لا في الإعلام ولا على مستوى الدرس الجامعي إذا يبقى كما هو .. وهذا موجود وأنا أقول القصيدة العامية وأقول القصيدة الفصيحة لكنني على الأقل أحترم الدائرة التي يتحرك فيها العامي وأقول هذا عامي وله أن يحمل قيماً تاريخية وقيماً عرفية. وأخلاق الشعر العام أن يحمل رؤى ودعوة إلى الإصلاح لكن المشكلة أنه يفهم في دائرة ضيقة، فاللهجة المكية لا يفهمها أهل الشمال أو العكس فنحن نتحتاج إلى وسيط مترجم في العامية بين مدينة ومدينة في المملكة فما بالك في الأوساط العربية وهذه لا تقوم بها إلا الفصحى. • البعض يقول إن صوت الحركة الشعرية النسائية في الخليج بدأ يعلو على صوت الرجال؟ أنا معها ولست ضدها في هذا التوجه، والقضية أن الصوت النسائي موجود أصلا لكنه ما خرج إلا في السنوات الأخيرة وما سمح للمرأة أن تظهر وتعبر عن ذاتها إلا في هذه اللحظة الإعلامية الواسعة، فلذلك عرفت بأنها شاعرة وروائية وقاصة وفنانة تشكيلية ومسرحية وسينمائية وأنها كل شيء، فالمرأة مشاركة للرجل في حركته على الكون فلماذا ننظر لها نظرة انتقاص، فبإمكانها أن تأتي محجبة وتتكلم. والرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول (خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء)، ويشير إلى عائشة (رضي الله عنها). ولكن المشكلة أن العادة طغت على العبادة عندنا فحجبت المرأة عن ميادين كثيرة وإلا فالعبادة فيها متسع كبير لممارسة المرأة لنشاطها الثقافي والاجتماعي والسياسي ومن حقها أن تسهم في كل ذلك. • ما رأيك في ظاهرة كثرة السرقات في المشهد الثقافي؟ ينبغي التريث في هذا الموضوع، وانظر إلى ما أثير حول جائزة الإمارات .. فهناك من يؤكد التهمة دون أن تقرأ أصلا الكتاب المشار إليه أنه مسروق والكتاب المشار إليه أنه سارق فلعل المتهم بالسرقة نقل من هذا الكتاب وأشار إليه والتأليف في العربية له أكثر من طريقة في التوثيق يعني عندك ابن قتيبة عندما كان يأخذ عن الجاحظ، الجاحظ معتزلي وابن قتيبة من أهل السنة يقول وأجاز لنا الجاحظ بعض كتبه، وبعد هذه الإجازة بإمكان ابن قتيبة ينقل أي شيء عن الجاحظ فهذا أجاز له دون أن يوثق يقول قال الجاحظ في البيان والحيوان، الشيء الآخر أحيانا يرد عندك المرجع أو المصدر فتقول قال محمد الحارثي قال كذا وكذا بينما هذا المرجع أنت تعود إليه أحيانا لتأخذ منه. يعني مثلا أنا سرقت أكثر من مرة في بحث عن مفهوم الملكة الإبداعية سرقه واحد اسمه محمد علي دقة أصله فلسطيني من سورية وسلخه كله فذهبت إلى الجهة التي نشرت هذه السرقة وقدمت لها إثباتاتي فعاقبوه بأن عمموا على الجامعات وعلى المؤتمرات في دمشق وسورية، وقيل لي إنني سرقت من باحثة في رسالة دكتوراة من قبل باحثة قطرية وقيل أن هذه السرقة ستكشف، فالأخ الجزائري الذي اتهم بسرقة كتاب الغذامي ما نقدر نثبت عليه حقيقة السرقة إلى الآن. ثم أين لجان الترشيح والفرز والتحكيم من جنس الأعمال الواردة للمسابقة وعندك قراءة التحكيم من اللجان المحكمة وبعدها إعلان النتيجة. كل أن هذه الخطوات تتم وتمنح الجائزة وبعد سنتين يعاد النظر في الموضوع. إذن في العملية شيء! • وقفت موقفا حادا من رابطة الأدب الإسلامي مع أنك تشارك في جميع مؤتمراتها؟ مازلت أقف عند كلامي ولم أغيره فقد اشتركت في مؤتمراتها من أول مؤتمر عقد في مدينة لاكنو في الهند وقدمت فيه بحثا عن المؤثرات الأجنبية في تربية الناشئة عام 1400ه ، ووجدت أن المجموع الذي أتى ليس على مستوى التطلع، ثم عقدت مؤتمرات أخرى في الرياض، في مصر، في المغرب، وفي عين شمس في مصر ومؤتمر في جامعة الإمام في الرياض وكل الذين يسجلون أسماءهم بأنهم أعضاء في رابطة الأدب الإسلامي ليس لديهم أكثر من بطاقة عضوية بقيمة 300 ريال فطلب مني أن أكون عضوا في رابطة الأدب الإسلامي فرفضت وقلت لهم إنني مستعد لدعمهم بأفكاري لكنني لا أستطيع أن أشترك وأكون عضوا في رابطة لا يقوم عليها أكفاء. • لكنك أغفلت وجود الدكتور حسن الهويمل وعبدالقدوس أبوصالح وغيرهما في عضويتها؟ هؤلاء يمثلون نماذج طيبة لكن القاعدة العريضة مربكة حتى وجدت أن بعضهم يكتب عضو رابطة الأدب الإسلامي ولم أره في أي مؤتمر من مؤتمرات الأدب الإسلامي، ثم جاء ثلاثة باحثين الدكتور حدار (رحمه الله) والدكتور عبد الرحمن الميداني ولا أدري ثالثهما من هو وكتبوا ثلاث محاضرات لجامعة أم القرى عن الأدب الإسلامي وكنت رئيسا لقسم الأدب فطلبوا مني أن أكتب تقديما لهذا الكتاب أسموه (نحو أدب إسلامي) فكتبت المقدمة وذكرت فيها أن كل الذين يتحدثون سواء عن نظرية الأدب الإسلامي أو الاتجاه الإسلامي في الأدب كلهم يعيشون عالة على سيد قطب ومحمد قطب بلا استثناء وأنهم لم يستطيعوا إلى هذه اللحظة وضع تعريف محدد للأدب الإسلامي وأنني أقترح أن يكون الاسم (آداب الشعوب الإسلامية) فما وافق الإسلام منها دخل وما خالف الإسلام منها خرج فحسدوني على هذا الاسم وأنا مصر عليه حتى هذه اللحظة وقد ناقشني فيه أبو صالح مرتين أو ثلاث مرات على الصحف، وقلت لهم إن الإسلام أكبر من أن يسيء إليه إنسان لا أنا ولا غيري فما وافق الإسلام أهلا وسهلا وما لم يوافق إحنا عندنا أدب عربي. وإلى الآن يجمحون ويبحثون عن موضوع ولم يجدوه حتى هذه اللحظة. • ولهذا السبب يضعف الخطاب الشرعي لدى البعض في مقابل الخطاب الثقافي والإعلامي؟ هو ليس ضعيفا فقط بل ضعيف ومتأخر بل أصبح خطابا وظيفيا وليس خطابا احتسابيا وهذا هو الذي أضعف هذا الخطاب الشرعي لأن الموظف سواء كان شرعيا أو غير شرعي ينظر إلى رغبات موظفه ولا ينظر إلى رغبات المجتمع فيحقق رغبات الموظف على حساب رغبات الجمهور أو المجتمع وما دام التسابق بهذا الخطاب هو تسابق وظيفي فلابد أن يعتريه الضعف، لكن لو كان الخطاب الديني خطابا احتسابيا لوجدت فيه قوة ونحن أحوج ما نكون أكثر التفافا حول الخطاب الديني لجعله خطابا يقود جميع الخطابات العربية الإسلامية وليس خطابا يأتي في مؤخرة هذه الخطابات من حيث التعليق. أما الخطاب الثقافي الإبداعي فأقوى منه وليس الخطاب الثقافي العام لأن الخطاب الإبداعي لا يستكين للضغوط وإذا استكان للضغوط خرج عن كونه إبداعيا إلى كونه إلزاميا وعلى مستوى الثقافة لأن الثقافة أو الإبداع إذا كان المؤثر داخليا وهو ما نسميه بالإبداع الالتزامي فهنا تكون المصداقية راقية. • كيف قرأت فوز عبده خال بجائزة البوكرالعالمية؟ قالوا كل ذي نعمة محسود وإذا فاز أحد بجائزة أو قدم منتجا راقيا بدأت منطلقات الطحالب لانتقاص هذا العمل مع أنني حقيقة إلى هذه اللحظة لم أقرأ الرواية ولم أقف عليها. • إذا استعدنا معك دائرة الألم، فهل مازلت تفترض أن انتحار الدكتور ناصر الحارثي أمر مستبعد؟ أنا كنت أشرت إلى أن الدكتور ناصر لو كان ينوي الانتحار لكنت أول من يستشير في هذا الأمر. • إلى هذه الدرجة؟ نعم، فالعلاقة قوية بيننا بل واستثنائية فهو يعد واحدا من أبنائي، والدكتور ناصر عرف المنابر الثقافية وعرف الكتابة بجهوده الخاصة ولكن كان هناك محرك يوجهه وعنده مخزون متكامل ورؤية كبيرة، والرجل (رحمه الله) لم يفارقني في حياته طيلة الثلاثين سنة الأخيرة سواء في الذهاب إلى المؤتمرات ومعارض الكتب ومهرجانات المملكة والأندية أوالتزاور في البيت فناصر أعرفه معرفة دقيقة جدا جدا، وأعرف كثيرا من أسراره التي لايعرفها أهله وهو إنسان لطيف مع الناس فكيف لا يكون لطيفا مع نفسه، إنسان يخاف من الناس فكيف لا يخاف من قتل نفسه، لكن سبحان الله. وظللنا نلتقي يوميا من أول يوم في رمضان حتى السادس عشر منه ما افترقنا في يوم نصلي العصر في المسجد مع الجماعة ونخرج ولا نعود إلا ساعة الإفطار ولم ألاحظ عليه أي شي وعلاقاته بالناس طبيعية وببعض الشخصيات في مكة وخارج مكة رجل منفتح على الحياة. • وقصة معاناته مع أهله؟ معاناته مع أهله قديمة وليست حديثة وإلا لكان انتحر من أول ما اتزوج الثانية هذا كلام يقال. • كيف تعاملت مع وصيته؟ حاولنا أن نجمع ديونه للبنك العقاري وأحد البنوك المحلية وكان لموقف خادم الحرمين الشريفين (حفظه الله) بتبرعه بمبلغ سبعة ملايين ريال لتسديد ديونه وإنفاق الباقي على أسرته دوره الكبير في التخفيف من حجم المصاب الأليم. • لكنك كنت حادا في اتهاماتك لزملائه في القسم بعرقلة بعثته والوقوف في طريقه؟ هذا ليس مجرد اتهام بل هي الحقيقة التي كان يشتكي ناصر منها دائما لأنه إنسان مبدع ومحسود من زملائه فالرجل حصل على الأستاذية قبلهم بسنوات وبزمن قياسي فمن هذا الجانب كان محسودا ولذلك حورب، ومن الطريف أن يصدر قرار بتعيينه رئيسا للقسم بعد ما طارت الطيور بأرزاقها على قولهم، ولذلك اتهمت وأثبتت هذه الحقيقة مع من كان يقف ضده من زملائه والحقيقة يجب أن تقال أن الرجل رحل إلى ربه ولا نظلمه لكن نظلم الأحياء الذين كانت لهم مواقف غير سارة.