من يطلع على ما يدونه مثقفونا ونقادنا (وهم من وسموا أنفسهم بالرواد والرموز) يدرك أن تكوينهم الثقافي يقوم على النقل والتبعية والانبهار بالنظريات الغربية، ولم يستطعوا على الرغم من ارتفاع الوعي المجتمعي أن يتقاربوا مع المجتمع فضلا عن أن يؤسسوا أو يبدأوا إرهاصات مرحلة إنتاج ذاتي، فما زالوا يتبخترون بترديد المنتج المكتسب بخيلاء، ويتباهون به في تعال مقيت، فلا نسمع منهم إلا قال جاكوبسون، وفولتير وموليير، وتولستوي ودوستويفسكي وباختين، ورولان بارت، وتودورف، في حين لا نسمع عبدالسلام المسدي أو عبدالله الغذامي أو كمال أبو ديب وعبدالملك مرتاض، فضلا عن أن نجد ابن طباطبا والجرجاني، وابن قتيبة وقدامة بن جعفر، وحازم القرطاجني، وهم بهذا رسموا صورة (قصدا أو غفلة) أن النقد العربي لا يملك الرصيد الكافي لبناء شخصية ثقافية ناقدة قادرة على إنتاج ثقافة ذاتية، وأن المثقف السعودي إن لم يتسلح بمقولات (جاكوبسون ورفقائه) يكون أعزلا ثقافيا، فأغرقوا سوقنا الأدبية والنقدية بترسانة من المصطلحات والمفاهيم، وهذا شكل اتساع للمسافة بين المثقف والمجتمع، وأضحى هؤلاء المثقفون يعيشون غربة مجتمعية؛ لأن رضاعتهم من غير ثقافتهم. وهنا أتساءل، متى يتجاوز هؤلاء مرحلة النقل والاستلاب والتبعية الثقافية والتباهي بترديد أقاويل (جاكوبسون) ؟، ومتى يتم الاتكاء على المعطى الثقافي للحضارة العربية ولغتها الثرية وعلمائها ؟، إن تراثنا وثقافتنا المحلية هي المدخل للشيوع والذيوع والعالمية، لأن عالمية الشيء لا تحقق إلا إن كان حاملا لطابع خاص أنتجه واختلف به عن غيره، وهذا ما جعل أصواتا تحذر من أن المناهج النقدية الغربية لا يحسن بل لا يمكن أن تنطبق على النصوص العربية قديمها وحديثها؛ لأن لكل مجتمع ولكل منتج خصائصه وسياقاته وأنساقه، فتكون دراساته ومنهجيته نابعة من صميمه، وكل منتج نقدي أو ثقافي يجب أن يحمل بصماته ويؤسس لذاكرته ويصور آلامه وآماله ويرسم هويته، نعم لا ننكر أن النظريات الغربية نجحت في توجيه الاهتمام إلى أبعاد نصية ونقدية وسياقية لم ينتبه إليها النقد العربي القديم والحديث أو لم يمنحها قدرا من الاهتمام والتأمل، وهذا المعطى الإيجابي لا يطمس فينا القدرة على إنتاج ثقافة ذاتية تنسجم مع مكوناتنا وقيمنا، وهنا أدعو الفئات الثقافية الشابة إلى الإعراض صفحا عن الاقتداء بنقاد التبعية وغرس بذور يقظة تؤسس لطريق صحيح يوصلنا إلى إبداع ومنهج نقدي ذاتي مغاير وثائر على كل الإسقاطات التي طمست معالم شخصيتنا لتكشف عن ثراء التراث والاعتزاز به مع بقاء علاقة التحاور الحضاري، فتلقيح الفكرة الدائم بجينات النظريات الغربية ليس دليلا على الثقافة بل قد يعد خواء!!. وألقاكم. [email protected]