كنت قد ذكرت في مقالة سابقة أن داعش وجدت لتبقى بناء على معطيات المنطقة من التناحر والتباغض وعدم التوحد تجاه الخطر الفوضوي الذي تمثله داعش، فالجيوش في البلدان التي تصول فيها داعش وتجول غير قادرة على مواجهتها، بينما بعض الدول تهادن الخطر الداهم خوف استفزازه. هذا ما ذكرته في مقالة سابقة. الشئون الداخلية البينية للمنطقة لم يكن للأسف بإمكانها الانتظام في صف واحد حتى امام خطر متوحش مثل داعش دون ناظم رفيع يسلك حبات الخرزات الإقليمية في عملية منسقة لمواجهة خطر يهدد دول المنطقة جميعاً دون استثناء. البغدادي المنتشي بالذبح والتدمير والنصر الإلهي المؤكد، اعلن عن دولته التي لا تعترف بالحدود اصلاً فضلاً عن التزامه بمبدأ التدخل في الشئون الداخلية للدول المجاورة والذي هو مبدأ من المبادئ الاساسية للأمم المتحدة التي لا تعترف (الدولة) الوليدة بها. كان الجميع يملك الدافع الحقيقي لمواجهة الدواعش لكن البشمركة هو النظام العسكري الوحيد في المنطقة الذي يملك قيادة معروفة وموحدة بالإضافة الى الدافع الحقيقي للقتال الذي يتشارك فيه مع الأنظمة في المنطقة. والقيادة الأمريكية التي أعلنت فشلها في استنقاذ الصحفي الأمريكي جميس فولي الذي راح بتلك البشاعة أصبح لزاماً عليها الدخول ضد الدواعش بعد كل هذه الوحشية التي تستفز اكثر الضمائر تبلداً. القيادة الامريكية قادرة من جديد على تكوين حلف حقيقي اقليمي ومرحلي بين دول المنطقة المتنافسة ضد الدواعش، وهي الآن وفي الوقت الذي توجه فيه الضربات الى الدواعش الذين لا يملكون ازاءها الا العجز والتوحش ضد الأبرياء، تقوم بطلعات استخباراتية على سوريا. من اجل رصد اهداف محتملة لضربها في حال ما احتاج الأمر لذلك ولا بد انه سيحتاج. قد نشهد قريباً وبسبب التحالف الذي تقوده امريكا من دول المنطقة الى تشرذم دولة الدواعش الى اصقاع البؤر غير المستقرة في المنطقة، وتشظي حالتهم الى شظايا كثيرة، وقد يكون سناريو سقوط دولة طالبان مرشحا للتكرر في الحالة الداعشية، وربما نجد من يبيع افرادها، الذين هاجروا من الدول المجاورة وراء حلمهم بالدولة الإسلامية، الى الجهات الراغبة في استخلاص المعلومات منهم او استجلابهم للعدالة للجرائم التي ارتكبوها. دولة الدواعش ولدت مسخاً لا يمكنه العيش الا في حالة استثنائية كالتي تمر بها المنطقة، وفي حالة عدم وجود الناظم للحلف ضدها، فقد فاقت في وحشيتها القاعدة وجماعة طالبان وهي مجرد تجمع لمهووسين بمشروع طوباوي يتوسل التوحش في محاولة تحقيق ذاته. وربما ذلك التوحش غير المسبوق هو نتاج عن شعور بصعوبة بل استحالة تحقق ذلك الحلم الطوباوي على ارض الواقع مما ينتج عنه توتراً وفوضى غير خلاّقة.