في السابق، كان كثير من عامة الناس يجهلون خلفية القرارات الحكومية، فيطلقون عبارة تعني أن «المسئولين» اعرف وأعلم بما اتخذوه من قرار لصالح الوطن. وكذلك الحال في الدول الغربية، حيث تصدر قرارات قد لا يعرف خلفيتها الجمهور ولا يستسيغها، ولكن الحكومات تبرر ذلك بان تلك القرارات هي من مصلحة الأمن الوطني وصعب عرضها على الملأ؛ لأنها تضر بأمن الوطن. تشهد دول عربية تحديات لم تجعل الولدان شيبا فحسب، بل جعلت أجسادهم البريئة الطاهرة رمادا تذروه الرياح في كل اتجاه. ففي تلك الدول، استبدلت مؤشرات أداء التنمية المعتادة (مثل الأرباح والخسائر في البورصة والنمو ودخل الفرد)، بمؤشرات الدمار والبؤس والتي تتضمن عدد القتلى والجرحى والمهجرين والسجناء، وعدد المساجد والكنائس التي دمرت...إلخ. وللتوضيح أكثر، ففي هذا الوقت الذي ينشغل فيه السعوديون بقبول أبنائهم في الجامعات الداخلية وبرنامج الملك عبدالله للابتعاث الخارجي وسرعة تنفيذ المشاريع، فإن أخواننا في دول مختلفة مشغولون بإحصاء عدد القتلى من بيت واحد وبعدد المهجرين. فعلى سبيل المثال، ذكر طوني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق في مذكراته، انه قتل 70 ألف عراقي بسبب صراعات طائفية بين عامي 2005م-2007م، بينما عدد العراقيين في المنفى نحو 4 ملايين شخص! وقد تستغرب سيدي القارئ إذا ما علمت أن العراق كان أغنى من البرتغال أو ماليزيا في عام 1979م! أما في عام 2003م، فإن 60% من سكان العراق يعتمدون على المساعدات في تلقي غذائهم، حسب مذكرات «طوني بلير»! وفي هذا الوقت، نسأل الله أن يفك كربة الجميع ويهدئ بالهم. منذ نشأة المملكة العربية السعودية، واجهت تحديات جساما جابهتها بعقلية السياسي الاقتصادي الذي يمثل مجتمعه بحق. حيث يقول وزير الخارجية الأمريكي الأسبق «جورج شولتز» في مذكراته: عليك أن تتعامل مع أشخاص يمثلون مجتمعاتهم بحق، وليس الأشخاص الذين يفكرون كما تهوى. ويضيف: ان رجل الاقتصاد يهتم بالنتائج طويلة الأمد، أما السياسي فيهتم بالنتائج الفورية. وقد اتخذت قيادة المملكة العربية السعودية قرارات مصيرية بعقلية السياسي الاقتصادي الذي يمثل مجتمعه بحق، حيث يذكر الأمير خالد بن سلطان في كتابه المعنون ب «مقاتل من الصحراء»، أن الملك فهد -رحمه الله- اتخذ قرارا استراتيجيا بطلب المساعدة من الدول الصديقة بعد اجتياح العراق للكويت. وقد قال الملك فهد حينها «لقد تباطأ الكويتيون في طلب المساعدة وها هم اليوم ضيوف علينا، فلا يجب أن نرتكب الخطأ نفسه فنحل ضيوفا على غيرنا» ! في هذه الأيام التي نشهد فيها تحديات، يتعرض المواطن السعودي يوميا لحملات إعلامية موجهة تنتقي ما تشاء من أخبار وتحذف ما تشاء، وتسطح ما تشاء من معلومات، مستغلة عدم إلمام المواطن العادي بتعقيدات الملفات المختلفة المرتبطة باتفاقيات وقوانين ومعلومات استخباراتية وتجارب سابقة. ليس هذا فحسب، بل تستغل وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الكراهية بين أطياف المجتمع. سياسة المملكة الخارجية تدار برؤية السياسي الاقتصادي الذي يمثل مجتمعه بحق. والذين يديرون تلك الملفات المعقدة قادة لديهم من الخبرة والدراية التي تستحق التقدير والثقة، ومنهم أولئك الذين يعملون في وزارة الخارجية والأمن الوطني وغيرهم. نعم، ليست كل القرارات تذاع، لأسباب مختلفة، والعبارة في ظل هذه التحديات مبررة.