ما زال الوضع في سوريا مترديا، فآلة القتل اليومي لم تتوقف والنظام يزداد شراسة في مواجهة شعبه ومعارضيه، ويتخذ إجراءات يومية تعزز القبضة الأمنية وسط انشقاقات متعددة في الجيش وأجهزة الاستخبارات ووسط ازدياد رقعة المظاهرات والاحتجاجات الشعبية في المدن السورية. سوريا تتلاعب بالأوراق فهي مرة تذكر الأسرة الدولية بحروب إقليمية باهظة التكاليف لن يتمكن العالم من تحمل نتائجها، ويقول: إنها لن تقف عند حدود سوريا، بل ستطال دولا أخرى في الشرق الأوسط، وهي تهديدات نسمعها تزداد خلال أي تصريحات بالتدخل الدولي في إزاحة حكم الأسد والغرض منها بث جو من الذعر والخوف لدى الدول العربية وتركيا والدول الغربية لمنعها من اتخاذ أي خطوات في هذا الاتجاه. المصير السوري يبدو واضحا لدى أي متابع للأحداث، فلا يمكن أن يقف الشعب السوري عند حدود وهو يطمح إلى بديل أكثر ديمقراطية لإدارة شؤون بلاده، وقد لقيت طموحاته صداها الواسع عند الأسرة الدولية، ولعل المبادرة العربية هي أفضل الحلول لتأمين مناخ آمن للشعب السوري، وقد طرحت المبادرة مجموعة من المقترحات الغرض منها حماية الشعب السوري ووقف عملية القتل ومنع تدهور الأوضاع إلى حرب أهلية سيدفع ثمنها في المقام الأول الشعب السوري، وتلقي بتبعاتها على الدول المجاورة لسوريا. إجراءات المقاطعة الاقتصادية والسياسية التي اتخذتها الجامعة العربية فقط هي من أجل إجبار النظام على قبول المبادرة، وليس لها أي هدف آخر قد يضر بالشعب السوري، لذلك على الرئيس السوري بشار الأسد أن يفكر مليا في المبادرة التي تقطع الخط على أي تدخل أجنبي في سوريا، ونحن نعرف أن أي تدخل دولي سيزيد الأوضاع سوءا، وقد يجلب أضرارا عديدة ويدخل المنطقة في فوضى ويهيئ المناخ لحروب يدفع ثمنها الشعب السوري والشعوب العربية وهو ما لا ترتضيه الدول العربية، لكن إصرار الأسد على مناوراته السياسية في الرفض وإدخال التعديلات المستمرة على المبادرة سيصل بالأمور إلى الطريق المسدود وهو ما يهيئ المناخ للتدخلات الخارجية الدولية. شراء الوقت ليس في صالح الشعب السوري الذي يدفع الفاتورة اليومية وليس في صالح النظام الذي سيجد نفسه في الأخير محاصرا باتجاه الجدار الأخير الذي لا مفر أمامه. العرب حريصون على أن يعود السلام والحرية للشعب السوري وأن يعبروا إلى بر الأمان، ويسود الأمن والاستقرار في سوريا وفي البلاد العربية كافة وهو أمل لا يتعزز إلا بتلبية طموحات الشعوب في الحريات والديمقراطية والمشاركة الشعبية.