اليوم وقفة عرفة، وغداً أول أيام عيد الأضحى المبارك.. مناسبة تكرّرت كثيراً، منذ فجر الإسلام العظيم، ومعها يستذكر المسلمون في شتى بقاع الأرض، قصة التضحية والفداء، ليس بمعناها الرمزي/ الديني فقط، ولكن بكل مدلولاتها الإنسانية والاجتماعية. يوم استذكرها المسلمون وتعلموا منها معاني الإيثار وتخلوا عن الأنانية الذاتية، اكتسحوا الدنيا وزرعوا حضارة باتت مثار إعجاب العالم، ويوم اكتفوا بروايتها، وسردها على أنها مجرد حكاية أضحية تذبح، انقلبت الآية، وأصبح المسلمون في أضعف حالاتهم، وتكالبت عليهم الأمم. كل عام، وملايين المسلمين يقفون على الصعيد الطاهر، تحدوهم أمنيات الغفران والطاعة، وتسبقهم دعوات تغيير الحياة والعودة إلى منابع الدين الصافية الأولى، تتكرر نفس الخطب والكلمات، ولكن لا جديد، سوى مزيدٍ من الرجعة والفرقة والتناحر. كل عام، وملايين المسلمين، يأملون في أن تكون البداية من صعيد عرفة الطاهر، الذي يُعتبر أول مظاهر التوحيد الإسلامي، وحدة في الزمان، ووحدة في المكان، ووحدة في الهدف، وحدة في الجوهر، ووحدة في المظهر، وما أن ينتهي الجمع وينفض، حتى تعود الطيور إلى أوكارها مكتفية بالتهاني دون أن تستفيد مما تعلمته في بضعة أيام فيكون سلوكاً عاماً لجوهرٍ أصيل وراسخ. لم يكن المسلمون وعبر تاريخهم الطويل، أحوج إلى تحقيق مظهر وحدتهم، مثل هذا الوقت، ولم تكن الأمة الإسلامية أحوج ما تكون إلى استعادة زمام نفسها، بقدر ما تحتاج في هذا التوقيت، خاصة أن الأحداث المتعاقبة، طيلة أكثر من 5 قرون، لم تفلح في إعادة المسلمين إلى ما كانوا عليه، من أمة قابلة للحياة والتعايش والاعتماد على نفسها وإثبات قوتها في مواجهة الآخرين. اليابان، نهضة بعد قنبلتين ذرّيتين، أكلتا الأخضر واليابس، لكن روح محارب الساموراي انتفضت، ووضعت اليابان على الخريطة الدولية، الولاياتالمتحدة، تحوّلت من مجرد مكبٍّ للنفايات البرشية الأوروبية في القرون الوسطى، ونهضت لتحتل مقدّمة العالم، العملاق الألماني استعاد روحه بعد أبشع ظروف فرضت عليه، من احتلال وتقسيم، فهدم جدار برلين، واستعاد نفسه وسط أعداء الأمس. دول عديدة، وأمم كثيرة، لاذت بالممكن من تراثها، ووجدت نفسها أخيراً تنموياً واقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، رغم أنها لا تملك عُشر ما تملكه الأمة الإسلامية من ثروات بشرية ومادية وقيمٍ دينية، ومع ذلك.. فالسؤال الحائر لا يزال قائماً: لماذا يتأخر المسلمون ويتقدَّم غيرهم؟ كل عام وأنتم يخير!